IMLebanon

كيف تتآكل مؤسسات الدولة في لبنان؟

lebanese-parliament

 

 

كتب  ناصر زيدان في صحيفة “الأنباء” الكويتية:

يقول الخبير في العلوم السياسية والعلاقات الدولية د.حسن الجلبي ان اهم ابتكار في التاريخ اخترعه الإنسان هو الدولة، ذلك ان الحياة المعاصرة يمكن ان تستغني عن الكثير من الاختراعات التقنية، او عن العناصر الضرورية للعيش، ولكنها لا تستطيع بأي حال من الأحوال ان تستغني عن الدولة كمؤسسات معنية بتنظيم شؤون الناس، وتحفظ الاستقرار العام في الاقليم، وكرابط تمر من خلال قنواته الدستورية والديبلوماسية، علاقات المواطنين مع الخارج في مختلف أوجه النشاط الإنساني.

وللدولة هيكلياتها المتنوعة والمتشعبة، وهي تطول مختلف نواحي الاختصاصات، واهمها اختصاص الامن والدفاع والقضاء والتنظيم والمالية والصحة والتعليم.

الدولة اللبنانية كفلت بموجب دستورها رعاية شؤون اللبنانيين وسلامتهم والحفاظ على حدود الوطن.

وبموجب الدستور الذي أقر عام 1926 وجرت عليه تعديلات عديدة ـ لاسيما تعديل العام 1990 ـ تكفلت المؤسسات الدستورية بالقيام بواجباتها تجاه المواطنين.

ومن ابرز ما عرج عليه الدستور، قسم اليمين الذي يؤديه رئيس الجمهورية امام مجلس النواب، قبل البدء بممارسة صلاحيته.

ويتضمن السهر على حفظ الاستقلال وسلامة الوطن والسهر على تطبيق القوانين المرعية الإجراء (وفقا لنص المادة 50 من الدستور).

والرئيس هو الوحيد الذي يحلف اليمين للحفاظ على الدستور، وهذا الرئيس غير موجود في لبنان منذ ما يزيد على 18 شهرا.

وصلاحياته التي أنيطت بمجلس الوزراء، حولت الوزراء منفردين الى ما يشبه الرؤساء في قدرتهم على تعطيل الدولة، من دون ان يتحمل أحد منهم أي مسؤولية دستورية، ولم يحلف احد منهم اليمين امام مجلس النواب.

نظام الدولة اللبنانية البرلماني الديموقراطي الحر، يعاني من بعض جوانب الاختلال، خصوصا كونه يشير الى توزيع السلطة على الطوائف، وتحديدا موضوع المناصفة في المواقع الأساسية بين المسلمين والمسيحيين، وفي توزيع وظائف الفئة الأولى.

وهذا الامر يتم استغلاله للتغطية على المرتكبين للتجاوزات الإدارية والمالية، ويشكل نوعا من انواع الحماية غير المباشرة للفاسدين، من خلال ما يشبه الحصانة الطائفية، او المذهبية لهؤلاء.

ورغم كل ذلك، يحفظ النظام اللبناني بقوانينه المتعددة، حق المواطن بالعيش الكريم، والحق بالسلامة الجسدية، والحق بممارسة دوره في انتاج السلطة عن طريق الانتخاب.

والاختلال في الانتظام العام الناتج عن الفراغ في بعض مواقع السلطة، او عن الشلل الذي يصيب بعضها الآخر ـ لاسيما مجلس النواب ـ يفتح الأبواب على مصراعيها امام التجاوزات الإدارية والقضائية والأمنية، وبالتالي توفير بيئة حاضنة للاختلاسات في الأموال العامة ـ كما حصل في شبكة الانترنت غير الشرعية على سبيل المثال ـ وتمر الارتكابات الشنيعة في مجال استغلال الاوضاع المأساوية التي يعيشها بعض الاخوة السوريين، وتمارس انواع من التجارة الرخيصة بالبشر، او الدعارة غير المشروعة، وتنتهك القوانين التي تحفظ السلامة العامة ـ خصوصا قانون الآداب الطبية وقانون سلامة الغذاء.

مؤسسات الدولة اللبنانية بمعظمها تواجه نوعا من انواع التآكل الذاتي، وهي تحتضر من جراء الأزمة السياسية الناتجة عن تعطل مسار السلطة.

وهذا الواقع يهدد مسيرة الدولة برمتها، وقد يصل الى حد التفكك الذي يطول كل الوحدة الوطنية. فالدولة من دون رقابة، ومن دون انضباط في عمل المؤسسات، لا يمكن ان تستمر الى ما لا نهاية.

وليس صحيحا الكلام الذي يطلقه البعض، في ان اللبنانيين يتدبرون أمرهم، بدولة ومن دون دولة.

ان مصالح المواطنين في الداخل والخارج، مهددة، والدولة تتهاوى على وقع الخلافات بين القوى السياسية، والانحلال من المسؤولية يتعاظم عند العديد من القيادات الإدارية والقانونية والأمنية، وهيبة المؤسسات تتداعى، امام شراسة الاستهتار واللامبالاة.

الأجواء مهيئة لتكوين انتفاضة قضائية وامنية وادارية في وجه المرتكبين، وفي مواجهة الاستهتار بمصير الدولة، لأن انهيار الهيكل، سيصيب الجميع، ولن يكون احد بمنأى عن أخطاره.