IMLebanon

كيف تستوعب الشركات الجيل الحالي من الشباب؟

Tunisian-Youth
عمر الفاهوم

مع الانخفاض الحالي في أسعار النفط، تركز دول الشرق الأوسط وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي على قطاعات أخرى تدر الدخل، لتقليل الاعتماد على الإيرادات المتأتية من النفط. تتطلع دول المنطقة إلى المزيد من النمو، والتوسع والاستثمار والابتكار. في حين يبدأ هذا التحول الاقتصادي بإحداث تأثير، تدرك الشركات أن القوى العاملة تتغير. إن نمط الأعمال التجارية المعتاد غير قابل للاستمرار بعد الآن. إن جيل الشباب، المولودين في الفترة بين أوائل حقبة الثمانينيات وأواخر حقبة التسعينيات من القرن الماضي عموماً، والذي يمثل نحو %40 من إجمالي تعداد السكان في الشرق الأوسط، هو حالياً قوة رئيسة في السوق. شباب هذا الجيل أكثر انفتاحاً على العالم واتصالاً به، وأكثر إدراكاً للتكنولوجيا، وفوق كل ذلك، يسعون وراء الكثير من الأهداف.

يدخل الشباب سوق العمل بأعداد متزايدة، وهم يعيدون تشكيل سوق المواهب، تحدوهم في ذلك الآمال الكبيرة. يظهر استطلاع أجرته (ديلويت) عام 2016 على الشباب، أنهم يريدون العمل في شركات توفر لهم المرونة، وتحركها الأهداف لمعالجة تفاوت الدخول، وندرة الموارد، والتغير المناخي ضمن تحديات أخرى. بصفتهم أيادي للتغيير، يستخدم الشباب وسائل التكنولوجيا، وريادة الأعمال، والابتكار في مجتمعاتهم، والاستثمار ذا الأثر الإيجابي، لتوجيه الشركات نحو تحمل المسؤولية الاجتماعية، والانخراط في القضايا المدنية. إنهم يبدون جرأة وجسارة أكبر في طرح هذه القضايا، موضحين دور الشركات في إحداث التغيير.

يسود الاعتقاد اليوم بأن الشباب العاملين في الشركات مستعدون لمغادرتها عند العثور على فرصة أفضل. صعدت قضية معالجة “تحدي الولاء” هذا على سُلم جداول أعمال الشركات البارزة في المنطقة. من المرجح أن تخيب آمال الشركات التي تواصل بناء أمالها على مفهوم الاستقرار الوظيفي عند تعيين المتقدمين للوظائف الذين لا يضعون الولاء أو الاستقرار الوظيفي ضمن أولوياتهم.

إن تأثيرهم يدفع الشركات إلى إعادة تعريف برامج تطوير القيادة المعمول بها، وإعادة تصميم بيئة العمل. تتضمن التحديات تطوير قدرات الشباب ليكونوا قادة، والتحلي بالمرونة في تلبية مطالبهم والاستجابة لها، وتحسين قدراتهم على الابتكار، وإلهامهم في سبيل حثهم على الإنجاز. تتمثل أهم التحديات على أي حال في تنمية حس الهدف الذي يتعدى النجاح المالي. إن أهم ما يمكن أن يطالب به قادة الشركات هو مناشدتهم بالعمل في ضوء هدف، مهما كان ما يفعلونه.

حتى عندما تستثمر الشركات في المبادرات الاجتماعية الإيجابية، فإن المشكلة تكمن في بقاء هذه النشاطات في الغالب منفصلة عن برامج تطوير المواهب والقيادة. الأمر الذي يتعين على الشركات تجنبه. يظهر استطلاع (ديلويت) أن 1 من 4 شباب؛ خلال العام المقبل، على استعداد لترك الشركة التي يعمل لديها للالتحاق بشركة أخرى، لو تسنى له الاختيار. يبحث الشباب عن عمل يثير شغفهم، ويحفزهم لمطاردة طموحاتهم المهنية في الوقت ذاته. تعتقد الغالبية العظمى منهم، %87، أن مقياس نجاح الأعمال التجارية لا يجب أن يقتصر على الأداء المالي.

بأخذ هذه الحقائق بعين الاعتبار، يتضح أن ربط التأثير الاجتماعي الإيجابي بتطوير المواهب في سبيل تعظيم فرص الشركات في مجالات توظيف الموهوبين الشباب، وإشراكهم، والمحافظة عليهم هو ضرورة قصوى. يتعين على الشركات ضمان دمج مبادراتها الاجتماعية في منظومة شاملة تتألف من نشاطات اجتماعية وأخرى ذات منافع عامة. سيتطلب ذلك منهم بناء مبادراتهم الاجتماعية المنسجمة مع دورهم في تطوير الثروة البشرية.

تبرز القوى العاملة المنخرطة اجتماعياً، مع الالتزام الاجتماعي والبيئي، إلى جانب الخبرات السابقة في العمل الاجتماعي على وجه الخصوص. بناء على ذلك، فإن تدعيم مبادرات الشركات التي تخدم المصلحة العامة بمساعي تطوير المواهب هي الخطوة القادمة بلا شك. ستضمن هذه الجهود جذب الشباب ذوي الكفاءات المهنية والاحتفاظ بهم، ولن يقدموا حينها على التخلي عن قيمهم بمجرد دخول سوق العمل.

بالنظر إلى الفرص العظيمة والمعوقات التي تواجه الشركات في القرن الـ21، قد يوفر استقطاب المواهب وصقلها على الرغبة في إحداث التأثير الاجتماعي الإيجابي، ميزة تنافسية لهذه الشركات في العقود المقبلة. إذا أقدمت الشركات على تنشئة أجيال من القادة ورعايتها ليزيدوا من مساهمتهم في إحداث التأثير الاجتماعي الإيجابي، ربما ستتمكن شركات الجيل القادم من أن تصبح قوى من أجل الخير.