تقرير رولان خاطر
يستذكر اللبنانيون الحرب اللبنانية في 13 نيسان 1975، كي تكون عبرة لكل مكونات هذا الوطن، من أجل بناء لبنان الجديد.
أسئلة عدة تطرح في المناسبة، أولها، أيّ لبنان نريد؟
هل حرب السنتين، وحرب المئة يوم، وحرب زحلة وبلا وقنات وتل الزعتر وغيرها علّمت اللبنانيين أن لا خيار امامهم إلا المشروع اللبناني والحفاظ على القضية اللبنانية؟.
هل رسمت خطوط تماس الحرب خطوط مستقبل أفضل للبنان، نظاماً، وحكماً، وجمهورية؟
الكاتب جوزف أبو خليل، الذي عاش الحرب اللبنانية وعاصر أدق مراحل تاريخ لبنان، يؤكد لـIMLebanon، عشية ذكرى الحرب اللبنانية، أن المشروع اللبناني كبير، ومن الطبيعي أن يمرّ بأزمات، لأنه يقع في محيط معاد له، لكنّه كل مرة، يؤكد حيويته واستمراراه في الحياة، وهذا يعني أنه مشروع ناجح.
لا وجود للحريات الحقيقية إلا في لبنان، خصوصا الحرية الدينية والمعتقد وحرية الضمير، بمعنى أن الدولة في لبنان لا تلتزم اي ديانة على وجه الأرض وتحترم كل الأديان لأنّ ربط الدين بالدولة يؤدي إلى نظام استبدادي لا يؤمّن الاستقرار، السياسي والاجتماعي والوجودي، إضافة إلى أن القوانين تصون حرية المعتقد التي لا تتواجد إلا في الدستور اللبناني، وليس في أي دستور آخر في البلدان العربية.
ولأنّ “أعمار الأوطان لا تقاس بأعمار البشر”، فإنّ هذا المشروع التي ناضلت القوى المسيحية من اجله، وقدمت الشهداء، بحاجة إلى جهد متواصل وعمل كبير، خصوصاً أن الخيارات ليست كثيرة امام اللبنانيين، للحفاظ على ديمومة هوية لبنان. فلبنان البلد الوحيد في الشرق الذي لا يعتمد الإسلام دينا للدولة، وهو أمر له أهمية كبيرة جداً، ويجب المحافظة عليه.
المسيحيون في لبنان يعيشون رأسهم مرفوع وكرامتهم مصانة دائما لسبب جوهري، أن الدولة ليست دولة دينية، بل دولة علمانية إلى حد ما، والتمثيل الطائفي فيها هو تمثيل سياسي، فلا مرجعية دينية للدولة، والسلطة تُستمد من إرادة اللبنانيين ولو أنها لا تُمارس بشكل جيد وأخلاقي.
لبنان منذ البدء شكل حلا لمشكلة الأقليات في الشرق وخصوصا للوجود المسيحي الذي كان محكوما بالاستبداد، والدليل ما تبين أخيرا في العراق وسوريا وغيرها من البلدان المحيطة. فأي حقوق للأقباط في مصر، يسأل أبو خليل في ظل النظام القائم هناك على الدين الاسلامي؟
عند تأسيس دولة لبنان الكبير عام 1920 يقول أبو خليل، رفضه المسلمون، لدرجة أنهم رفضوا الهوية اللبنانية، لكن في العام 1943، تبدّلت المعطيات، وتبدّلت وجهات النظر لدى المسلمين، الذين انتجوا بداية أسس الشراكة والعيش المشترك مع المسيحيين طالما أن هؤلاء لا يريدون الاستعمار، فكان الميثاق الوطني، الذي جعل لبنان يعيش تجربة فريدة من نوعها في كل الشرق الأوسط، وكانت لتستمر حتى يومنا هذا، لولا الدخول الفلسطيني المسلّح إلى المعادلة اللبنانية.
في لبنان، المسيحي والمسلم واليهودي والملحد مصانة حقوقهم حتى النفس الأخير، وهو البلد الوحيد الذي يصون حرية التعبير والمعتقد بين كل الدول المحيطة بها.
لا شك أن “حزب الله” يحكم البلد حالياً، وقبله كان الفلسطيني ومن ثم السوري. لكن هذا الأمر، لا يمكن ان يدوم إلى ما لانهاية، فكما رفع المكون السنّي شعار “لبنان أولا”، فلا خيارات امام المكون الشيعي إلا أن يعود إلى المشروع اللبناني، مشروع “لبنان أولا”، فلا يمكنه أن يستمر تابعاً لإيران في لبنان.
ويشرح أبو خليل أن المسيحيين اختبروا كل هذه المراحل، أي عندماكانوا يعتبرون أن “الحكم يستمد السلطة من الاله”، لكنهم تجاوزوها، والاسلام اليوم، يمرّ بهذه المرحلة، وما عليه إلا أن يتجاوزها.
لذا، فإن هذا الأمر يتطلب جهدا ومكافحة، فالأوطان لا تستورد من الخارج، بل نحن علينا أن نبنيها. وهذه مسؤولية مشتركة، إسلامياً ومسيحياً.
وهو أمر كما يؤكد أبو خليل في كل مرة، يتطلب جهداً طويلاً ومثابرة وتصميماً، هو مشروع كبير ويستحق كل التعب والتضحيات. فمن كان يصدق أن السوري سيخرج من لبنان؟. ومن كان يتأمل ان تنسحب اسرائيل من الأراضي اللبنانية؟ لذا لا يجب النظر إلى السلبيات في العلاقات اللبنانية اللبنانية، علينا أن نحب لبنان ونقدم له ونضحي من أجله لكي نحافظ عليه.
على القيادات المسيحية أن يكونوا صادقين مع شعبهم، وعدم إبرام اتفاقات بالخداع، وإجراء تسويات لمصالح فئوية أو شخصية أو انتخابية، فالوجود المسيحي أكبر من كل التسويات والاتفاقات.
يؤكد أبو خليل أنه على الرغم من الشغور الرئاسي، لا خوف على الجمهورية، فالمسيحيون “قدّ الحمل وبزيادة”، والبلد لا يستطيع أن يسير من دونهم. عليهم فقط أن يثقوا بأنفسهم، أن يعيشوا حريتهم، ويحافظوا عليها. فمشروعنا كبير، علينا أن نناضل من أجله كي يقتنع به كل اللبنانيين، وأن لا بديل عنه لأنه مصلحة للجميع. “لبنان بلد الحريات، ولأن المسيحيين لا يعيشون إلا في كنف الحريّة، فهذا يؤكد أن لبنان بلد مسيحي”.