عدنان الحاج
للمرة الأولى منذ سنوات، وتحديداً خلال السنتين الأخيرتين وحتى اليوم، تسجل حركة التحويلات والرساميل الوافدة الاستقرار، بعد تراجعات حتى نهاية العام 2015، مقارنة مع السنوات التي سبقتها، نتيجة تردي الظروف والنتائج الاقتصادية، وتراجع نمو الودائع المصرفية خلال السنة الحالية، مقارنة مع سابقتها.
فقد بلغت قيمة التحويلات والرساميل الوافدة خلال العام 2014، مامجموعه حوالي 14.5 مليار دولار، مقابل حوالي 16.1 مليار دولار للعام 2013، أي بتراجع قدره حوالي 1.6 مليار دولار، ونسبته 9.9 في المئة. في حين تراجعت خلال العام 2015، مقارنة مع العام 2014 حوالي 4 مليارات دولار، بدل أن تنمو، بنسبة تترواح بين 4 و5 في المئة.
هذا الواقع طبيعي أن ينعكس عجزاً في ميزان المدفوعات، الذي بلغ حوالي 719 مليون دولار خلال الشهرين الأولين من السنة، وهو مستمر في التراجع حتى نهاية الفصل الأول من السنة الحالية. بفعل تراجع الرساميل والاستثمارات والتحويلات الجديدة. وكان حصل التراجع في السنوات الخيرة، حيث كان العجز في الفترة ذاتها من السنة التي سبقتها، والذي بلغ حوالي 1128 مليون دولار، بمعنى أن عجز ميزان المدفوعات زاد حوالي 160 مليون دولار، نتيجة جملة العوامل المتراكمة، من تراجع نمو التحويلات، وتراجع نمو الودائع المصرفية. ويعتبر العجز المسجل خلال شهرين من بين الأعلى، حيث فاق 156 في المئة ويعتبر المعدل الأعلى في خلال شهرين.
ويدخل في اسباب التراجع ايضاً موضوع تضرر الصادرات الصناعية والزراعية حوالي 26 في المئة للصناعية، وحوالي 12 في المئة للصادرات الزراعية، وهي من المعدلات المرتفعة، مقارنة بشهرين من السنة الماضية. يذكر ان هذه الصادرات تراجعت في العام 2014 الى حوالي 3.9 مليارات دولار، اي 15.8 في المئة. و كانت حصة القطاع الزراعي حوالي 11.8 في المئة من هذا التراجع خلال العام الحالي، وهو القطاع الذي يطاول القسم الأكبر من المزراعين والمصدرين. فقد بلغت الصادرات الزراعية خلال الفترة المنقضية من العام الحالي حوالي 15 مليون دولار في شهرين، مقابل حوالي 17 مليون دولار في الفترة ذاتها من السنة الماضية، وهي كانت بلغت في العام 2014 حوالي 266 مليون دولار، بتراجع حوالي 12 مليون دولار عن العام 2013. اما الصادرات الصناعية فقد تراجعت من 232 مليون دولار في اول شهرين من العام 2015 إلى حوالي 173 مليون دولار في العام الحالي بما نسبته حوالي 25.4 في المئة وبما قيمته حوالي 60 مليون دولار، وهذا مؤشر على الوضع الانتاجي، كما الوضع الزراعي، على اعتبار ان الصناعيين فقدوا أو خسروا ولو مرحلياً التصدير بواسطة البر، لاسيما أن القسم الأكبر من الصادرات اللبنانية كان يمر عن طريق البر السوري، نحو الاسواق الكبرى في دول الخليج العربي. بمعنى آخر أن الصادرات الصناعية والزراعية تعتبر المؤشرات الأكثر ارتباطاً بحركة الميزان التجاري وميزان المدفوعات.تبقى نقطة تتعلق بالمالية العامة، حيث سجل الدين العام نمواً بلغ حوالي 6.8 في المئة، ليصل إلى 70.6 مليار دولار، منها حوالي 43.4 مليارأً للدين الداخلي، بزيادة 5.3 في المئة عن السنة الماضية. مقابل حوالي 22.8 مليار دولار للديون الخارجية، وهذا المبلغ مرشح للتضخم نتيجة العجز المرتقب في الموازنة العامة غير الموجودة، ونتيجة استقرار النفقات، وتراجع الايرادات للعام الحالي بحوالي 7700 مليار ليرة. يضاف إلى ذلك عنصر آخر يتعلق بنمو كلفة الدين العام بحوالي 11.2 في المئة خلال العام على الرغم من تراجع معدلات الفوائد. وقد بلغت خدمة الدين خلال العام 2014 حوالي 3.6 مليارات دولار وحوالي 3.8 في المئة خلال العام الحالي، نتيجة تراجع الايرادات العامة مقارنة بالسنة الماضية التي لم تكن جيدة.
في ظل تراكم القطاعات والنتائج يمكن التوقف عند بعض الأمور المؤثرة في النشاط الاقتصادي والاجتماعي، التي تؤثر مباشرة في تراجع العائدات، على صعيدي القطاعين العام بالنسبة إلى المالية العامة من جهة، ونتائج القطاعات الخاصة التي تشكل عناصر النمو من جهة ثانية.
* لابد من التوقف عند نمو المستوردات اللبنانية، التي زادت خلال الاشهر الأولى من العام الحالي حوالي 8 في المئة، بما قيمته حوالي 210 ملايين دولار، لتصل الى حوالي 2872 مليون دولار، مقابل حوالي 2660 مليون دولار للفترة ذاتها من العام الماضي. يقابل هذه المشكلة تراجع الصادرات اللبنانية حوالي 65 مليون دولار. بمعنى آخر هذا عنصر إضافي لتنمية عجز ميزان المدفوعات.
ـ بالنسبة إلى القطاع التجاري، فإن عجز الميزان التجاري (الفارق بين قيمة الصادرات والمستوردات) فإن العجز التجاري بلغ خلال شهرين ما مجموعه حوالي 2460 مليون دولار، بزيادة حوالي 280 مليون دولار خلال شهرين، بما نسبته حوالي 13 في المئة. وهذا يعني أن المستوردات تزيد كون النزوح السوري يستهلك كميات إضافية من المستوردات، في حين تتراجع الصادرات اللبنانية.
ـ وحدها حركة الرساميل الوافدة والتحويلات تحسنت في نهاية الشهر الثاني، مقارنة مع الفترة ذاتها من العام الماضي، حيث زادت هذه الرساميل الوافدة حوالي 400 مليون دولار، وقد يكون لهذه الزيادة علاقة بالمساعدات الخارجية، أو تحويلات إلى السوريين المتواجدين في لبنان. لكن الاستثمارات في لبنان تراجعت بشكل ملحوظ. وهذه التراجعات انعكست زيادة كبيرة في نمو البطالة الداخلية، التي تخطت نسبة الـ32 على 34 في المئة، نتيجة المنافسات وسعي المؤسسات الى البحث عن الكلفة الادارية الأقل، ولو كانت على حساب اليد العاملة البنانية، وتهرّب المؤسسات من كلفة الضمان الاجتماعي، والاشتراكات عن طريق استخدام اليد العاملة غير اللبنانية على حساب اليد العاملة البنانية، وارتفاع عدد المكتومين في الضمان، وتراجع جباية الاشتراكات وزيادة العجز في التقديمات الاستشفائية والصحية والعائلية.
ـ اللافت أن حركة المرفأ، من حيث عدد السفن، زادات حوالي 19 في المئة. وكذلك زادت حركة المطار حوالي 11 في المئة، وهذا يعكس زيادة المستوردات وتراجع الصادرات واقتصار الحركة البحرية والجوية على زيادة الاستهلاك الداخلي، بفعل وجود العدد الكبير من النازحين. لكن الاسعار تتأثر صعوداً والتضخم يستمر بالنمو، ولو بوتيرة أقل من السنوات الماضية، نتيجة تراجع اسعار النفط الحالية والمؤثرة في المؤشر أكثر من غيرها.
ـ يبقى الحديث عن القطاع المصرفي، الذي يمول الاقتصاد اللبناني، بحوالي 57 مليار دولار للقطاع الخاص، وحوالي 38 مليار دولار للقطاع العام. وهو العنصر الأساسي في تمويل النشاط الاقتصادي. مع العلم ان موجودات القطاع المصرفي تبلغ حوالي 186 مليار دولار، خلال الفصل الأول من العام الحالي، وتبلغ الودائع المصرفية أكثر 152 مليار دولار. بمعنى آخر أن التسليفات المصرفية وحدها تقريباً تمول احتياجات الدولة والخزينة من خلال الاكتتابات بسندات الخزينة بالليرة والدولار نتيجة انحسار المساهمات الخارجية في تمويل الاقتصاد اللبناني.
في الخلاصة أن مثلث النمو الاقتصادي في لبنان يتعرض لضغوط وتراجعات، من حيث ضرب الحركة السياحية من جهة، وتأثر الاستثمارات وحركة الرساميل الخارجية من جهة ثانية، وتراجع الصادرات اللبنانية من جهة ثالثة. وهذا أمر يزداد نتيجة تشرذم الدولة والمؤسسات وارتفاع منسوب الفراغ على صعيد الرئاسة والمؤسسات، ابتداء من الحكومة الى المجلس النيابي واداء الادارات التي ينشط فيها الفساد والهدر وتغلب عليها المصالح الخاصة على المصلحة العامة.