Site icon IMLebanon

سكان صيدا القديمة: نخاف تشريدنا

ancientsidon
مرّت الذكرى السنوية الثانية على إقرار قانون الإيجارات الجديد في المجلس النيابي. وفيما يوُاصل المستأجرون القدامى في بيروت تحرّكاتهم الاحتجاجية على ما يصفونه بالقانون «الأسود»، بدأ مستأجرو صيدا القديمة يستشعرون خطر «التهجير». هؤلاء خائفون من إمكانية طردهم من بيوتهم لمصلحة رأسمال يريد تحويلهم إلى متفرجين على الحيّ القديم، لا مُشاركين في صناعته

هديل فرفور

“قد يكون عُمر البيوت هنا من عُمر القلعة”، عبارة يتداولها ناس صيدا القديمة للدلالة على البيوت “العتيقة” المُنتشرة في الحيّ الذي يُجاور القلعة البرّية التاريخية.
أكثر من 70% من هذه البيوت، عقود إيجاراتها قديمة، وجزء كبير من مالكيها “الأصليين” لم يعودوا كذلك، بعدما اشتراها مالكون آخرون على مرّ السنوات المنصرمة، بحسب شهادات أهالي الحيّ.

يقول أبناء الحيّ إنه منذ قيام مؤسسة “عودة” بترميم منزل آل عودة وإعادة تأهيل معمل الصابون (متحف الصابون) بين عامي 1998 و2000، بدأت عملية شراء الكثير من العقارات المجاورة، “غالبية المالكين وافقوا وباعوا وقلّة من رفض البيع”. العديد من البيوت في الحيّ رُممت واجهاتها وأُعيد رونقها. وبحسب أهالي الحيّ، ملكية بعضها تعود إلى أشخاص من آل السنيورة، فيما يسمع عدد من الأهالي عن “شركات تجارية تملّكت بعض العقارات كي تقوم بمشاريع تجارية في الحيّ القديم”، وفق ما يقول أبو محمد (58 سنة)، المُستأجر في حيّ صيدا منذ عام 1980. يشير إلى أن السينما التي كانت تجاور منزله “جُرفت وبيعت من قبل آل العلالي الذين ينوون القيام بمشروع تجاري ضخم، وفق ما قال لي عمّال الشركة”. الإشارة إلى هذه المعطيات ضرورية لفهم التخوّف الذي بدأ يُبديه عدد من المُستأجرين القدامى هنا، بعد سنتين من بدء التحركّات الاحتجاجية في بيروت.
يتخوّف هؤلاء من إمكانية استفادة المالكين الجدد من قانون الإيجارات الجديد، “بيطلعونا بلا تعويض وبلا مفاوضات”، يقول أحمد (31 عاماً) الذي يجهد يومياً في “تعبئة” جيرانه المُستأجرين، الذين لم “يستشعروا بعد بخطر القانون الجديد”، وفق ما يقول. يُضيف الشاب أن “المالكة عمدت أخيراً إلى طلب زيادة على الإيجار، لكننا لا نزال رافضين أي زيادة، ما دام القانون لم يُحسم بعد”.

المستأجرون هنا يُتابعون أخبار القانون “المُثير للجدل” عبر التلفزيون، “نعرف أن هناك تحرّكات يقوم بها المستأجرون في بيروت رفضاً للقانون، لكن التلفزيون لا يُفهّمنا ما العمل أو ما هو مصيرنا”، تقول سميرة (اسم مستعار)، التي تسكن منزلها منذ أكثر من ثلاثين عاماً. “إذا أخد المالك 100 دولار بالشهر منيح، غير هيك من وين بدي جبلو؟”، تقول الأرملة التي تقطن مع أمّها وبناتها في غرفة “ونصف”، إذا صحّ التشبيه. من يدخل إلى منزل المرأة، يُدرك أن “مأواها” عبارة عن غرفة مقسَّمة إلى مطبخ وحمّام وغرفة صغيرة جداً “تنبثق” من الغرفة الأساسية. “وين بدي روح، ياخدوني عالحبس يقعدوني فيه مع بناتي”، تقول منفعلةً وتعلن أنها “لن تخرج من دون تعويض عادل”. تدفع حالياً مئة ألف كل 3 أشهر، وهي مُستعدة لأن تدفع مئة وخمسين ألفاً كل شهر “كي لا يُظلم المالك”، وهذه طاقتها القصوى، وهو ما يُعادل ثلث دخلها الشهري. هناك من يقول إن المستأجرين القُدامى “احتلّوا” بيوت المالكين، تقول لها، فسرعان ما تُجيب: “كان خراب بالحرب، أنا زبطتّو، هوي ما كان سألان”، تردّ مُضيفةً: “ع شو الزيادة؟ بالشتا بعدنا مننام عل الماي” في إشارة إلى رداءة البناء.
خطاب المستأجرين هنا لا يختلف عن خطاب مستأجري بيروت، حول مظلومية المُستأجر وحول حقه الطبيعي في الحصول على تعويض أو بديل للسكن، لكن “الناس لم تتحرّك بعد، لأنها تستبعد إمكانية تهجيرها، أو ربما تريد أن لا تفكّر كي لا تزيد أعباؤها”، تقول حنان (36 عاماً) التي تعمل حارسة في إحدى المدارس، مُستطردةً: “بس هلق بلّشوا يوعوا للخطر”. تُعاني الأخيرة مع المالك الذي لا ينفك أن يُطالبها بـ “الزودة” مهدّداً إياها ببيع المنزل وإخراجها منه، “يقول لي: اللي بيدفعوا كتار هالأيام”. هي لا تُشارك بالتظاهرات في بيروت لأنها لا تملك الوقت، لكنها مع أي تحرّك من شأنه أن يكف تهديدات المالك عنها. تدفع حاليا 50 ألف ليرة شهرياً، “علماً أن العقد الذي جُدِّد قبل إقرار قانون الإيجارات الجديد ينص على 35 ألف ليرة”. هي مع أي زيادة لا تتجاوز ثلث راتبها الذي لا يتعدى بدوره 350 ألف ليرة!
“ما بطلعش من بيتي، اللي بدن يعطوني اياه ما بيكفوني سنتين لعيش”، بنبرة صارمة يقول أبو خليل (78 عاماً) معلّقاً على قانون الإيجارات الجديد. الرجل الذي سكن في صيدا منذ “حرب مصر”، على حدّ تعبيره، يعدّ متابعاً جيدّاً لتداعيات القانون الذي صدر قبل عامين. يقول الرجل، الذي يبيع الجزر في الحيّ نفسه منذ أكثر من 40 عاماً، إنه لا يدّعي فهمه للقوانين والمواد “بس فهمان لعبة تهجير الناس لمصلحة اللي معن مصاري”. كيف؟ “بدن يعملو مواقع تصوير وهيدا الحيّ قديم، يعني في مصاري كثير بتندفع هون”. يسمع الرجل المُسنّ “خبريات” تُفيد، بحسب ما ينقله له روّاد المحلّ، بأن هناك مخططاً لتحويل الحيّ القديم إلى “مشروع إنشاء مواقع لتصوير مُسلسلات وأفلام”.
يُصدّق أبو خليل هذه “الخبريات”، محاججاً: “عم يزبطوا المداخل ويرمموا أكيد مش كرمالنا”، فيما يستطرد أحمد قائلاً: “دولة بتترك الناس تموت على المستشفيات بدها تزبط الحيّ كرمال المستأجرين القُدامى؟”.
ينفي رئيس بلدية صيدا محمد السعودي إمكانية تهجير الناس “التي تعد غالبيتها من الفئات الضعيفة”، لافتاً إلى أن ما يجري في الحيّ هو “إقامة متحف للآثار المُجاورة للقلعة البرية”، ومشيراً إلى أن الترميم الذي طاول عدداً من العقارات قام به “بنك عوده”، لكونها ملاصقة لمتحف الصابون الذي افتتحه قبل سنوات. لا ينفي السعودي إمكانية إقامة مشاريع في المنطقة في ما بعد، لكنه يقول إنه لا يوجد حالياً أي مشاريع مُقدّمة إلى البلدية. وسواء أكان ما يُخطَّط للمدينة حالياً أو “مُستقبلياً”، فإنّ هناك سؤالاً يُطرح عن إمكانية “احتضان” هذه المنطقة تلك “الفئات الضعيفة” لاحقاً.
يبدو جو القلق سائداً بين هؤلاء، “يُسكّنونه” بين الحين والآخر بآراء بعض المحامين الذين يستبعدون إمكانية تطبيق القانون على بيوتهم “النحيلة”، هم يُريدون تصديق أن القانون لا يزال “بعيداً” عنهم، من دون أن يتمكنوا من إنكار أن صيدا “مش بعيدة” عن بيروت!