كتب جهاد نافع في صحيفة “الديار”:
يرتاح العكاريون الى مفاهيم الوسطية والاعتدال كما يرتاحون الى ثقافة الحوار وهي الثقافة التي نشأ عليها ابناء عكار تاريخيا في ظل حقبات سياسية عديدة عاشتها المنطقة وشكلت خلالها نموذجا للوحدة الوطنية وتألف النسيج الاجتماعي المتنوع فيها الذي اتفق جميع العكاريين على اعتبار هذا النسيج هو غنى لعكار والعكاريين الذين عرفوا بثروتهم البشرية على مختلف الاصعدة كما عرفت المنطقة بثروتها الطبيعية المتميزة.
هذه المفاهيم تلاقت مؤخرا مع تمدد تيار الرئيس نجيب ميقاتي المعروف بـ”تيار العزم” الى عكار حيث ترسخ هذا التمدد مؤخرا بلقاء موسع ضم مجموعات من مختلف مناطق عكار مما يشير الى ان العكاريين متجاوبون مع اي مبادرة ايجابية ومع كل يد تمتد بالخير منطقة عطشى الى نهج يعزز نهج الوسطية والى السياسة التي تخدم الناس بعيدا عن الغلو والتحريض ولتشكيل حصانة ثقافية تواجه موجات التطرف والارهاب وتشويه الدين سيما ان منظمات ارهابية وضعت عكار في دائرة اهتماماتها لاعتقاد منها انها بيئة حاضنة للارهاب التكفيري وقد اثبت الاحداث اللاحقة ان عكار تسارع دائما الى نبذ التطرف والتشدد والغلو في الدين من اي جهة اتت.
حسب مصدر عكاري ان تمدد ميقاتي الى عكار ليس جديدا بل يعود الى عهد تسلمه وزارة الاشغال العامة حين تعرف ميدانيا الى عكار وعاين بنفسه حجم الحرمان وحينها عمل من خلال وزارته متعاونا مع الرئيس عصام فارس على رعاية شؤون المنطقة وكان يتطلع الى تعميم نهج الانماء المتوازن في مناطق المعاناة التاريخية.
وفي رأي المصدر العكاري ان محافظة عكار باتت اليوم اكثر حاجة الى تنوع سياسي بعد سنوات من هيمنة تيار سياسي واحد حاول الغاء الآخرين وتهميشهم سواء الغاء القيادات السياسية والبيوت والعائلات السياسية العكارية التاريخية او الاحزاب المتجذرة في تاريخ عكار، تلك الهيمنة التي استمرت قرابة عشر سنوات كانت عكار موضوعة على “الرف” في تغييب لمرجعياتها السياسية والاكتفاء بنواب “موظفين” حسب وصف المصدر السياسي العكاري، لكن كل هذه المحاولات لم يكتب لها الحياة بفعل الحضور السياسي لقيادات عكارية ولنواب سابقين ولاحزاب استعادت دورها مما اعاد الى عكار ألقها السياسي وسارعت لاستقبال “تيار العزم” الذي دخل عكار بمفاهيمه التي تتلاقى مع معظم العكاريين لا سيما ان ميقاتي حرص دائما على الايفاء بوعوده للعكاريين ولم يتخلف عن اي وعد قطعه بعكس التيار السياسي الذي هيمن ووعد واستثمر الشباب العكاري في حروبه الداخلية وفي حشود مهرجاناته وفي شحن طائفي ومذهبي لم يعرفه العكاريون من قبل، وتركت هذه الممارسات اثارا سلبية على الساحة العكارية ما لبث العكاريون ان تنبهوا اليها، ورأوا ان الخروج من هذه الدائرة المفتعلة والمنفعلة لا بد منه بعد ان كادت عكار تتحول الى بؤر لفتن متنقلة.
وكان دخول تيار ميقاتي الى عكار مرحباً به من منطلق السياسة التي انتهجها على مستوى الساحة اللبنانية عامة والشمالية خاصة وهو الذي رفع شعار السياسية في خدمة الناس وليس العكس وبمعنى ان الناس ليسوا عبيدا لدى السياسيين بل هم احرار وموضع ثقة واحترام وقد وجد “تيار العزم” القبول في شرائح عكارية اجتماعية متنوعة. الامر الذي دفع بهذا التيار المتمدد عكاريا الى ان يبادل العكاريين بما بادلوه من ثقة، خاصة ان “تيار العزم” لم يدخل عكار منافسا لاحد بل لم ينافس قيادات عكار التاريخية ولا ليأخذ مكان احد بل يتمدد في مساحته الطبيعية المنسجمة مع البيئة العكارية المنفتحة والشهيرة بأنها بيئة الحوار والاعتدال وقبول الاخر. كما لم يشكل دخول “تيار العزم” الى عكار حساسية لدة النواب السابقين ولا لدى الاحزاب باستثناء “التيار الازرق” الذي يقف حيال هذا التمدد موقف الريبة والقلق بعد ان نجح تيار العزم في طرابلس في اخذ موقعه الطبيعي وان التمدد نحو عكار دليل قوة العزم المندفع نحو باقي مناطق الشمال اللبناني. وهو الذي يعمل على تصحيح صورة الدين من جهة والممارسة السياسية السليمة في غاياتها لاجل بناء الانسان والمجتمع.