Site icon IMLebanon

الخطّة الأمنيّة في طرابلس.. “صفقة”!

 

 

كتبت لينا فخر الدين في صحيفة “السفير”:

كالعادة، وقف أحد الموقوفين في قضيّة المشاركة في معارك طرابلس والمشاركة في قتل ومحاولة قتل عسكريين بالإضافة إلى الانتماء إلى تنظيم «داعش»، أمام قوس المحكمة العسكريّة، ليأتي على ذكر الشيخ سالم الرافعي.

فايز عثمان، الصديق المقرّب لعمر ميقاتي الملقّب بـ«أبو هريرة»، ليس موقوفاً عادياً وإنّما من الذين اعترفوا أنّهم شاركوا «أبو هريرة» في «رحلاته الليليّة» بحثاً عن «طريدة» هي عبارة عن عسكريّ أو علوي أو سوري مؤيّد للنّظام السّوري… أو حتى أي شخص «يرتكب المعاصي» (يكفرون بالعزّة الإلهيّة أو يشربون الكحول ويتناولون المخدرات أو يمارسون الجنس) في أزقّة طرابلس وعلى شاطئها. وقد آمن الشاب، الذي بالكاد يبلغ الـ20 عاماً، بالفتوى التي انتزعها عمر من أحد المشايخ بأنّ سلب هؤلاء هو حلال.

ولذلك، كانت الاستهدافات لا تُعدّ ولا تحصى من سلبٍ وجرح وقتل وضرب وتهديد. إذ أنّ الشابين، ومعهما آخرون أمثال أحمد كسحة والمصري «أبو خليل المقلعط» ومحمود عبد الرحيم الملقّب بـ «أبو عبيدة»، كانا يخرجان بشكلٍ دوري عند الليل أو الفجر لتنفيذ عمليّاتهم الإجراميّة التي أدّت إلى جرح وقتل وسلب العديد من العسكريين والتجّار والمواطنين، بالإضافة إلى رمي القنابل.

أُمنية «أبو مصعب» كانت الحصول على حزامٍ ناسف من أسامة منصور كي يكون مصدر تهديد للأجهزة الأمنيّة «في حال تمّ توقيفي». هذا ما يقوله الموقوف الذي تراجع، أمس، عن إفادتيه الأوّلية والاستنطاقيّة، مشيراً إلى أنّ منصور هو من عرض عليه الحصول على حزام وإخضاعه لدورة تدريب على المتفجّرات والحصول على قنابل لاستهداف الجيش، لكنّه رفض الأمر.

غسل «أبو مصعب» يديه جيّداً من تهمة سلب وقتل وجرح عدد من العسكريين والمواطنين، وألصقها بعمر ميقاتي، مؤكّداً أنّ الأخير أخبره ببعض العمليّات التي قام بها، بما فيها تنفيذ بلال ميقاتي لعمليّة ذبح العسكريّ الشهيد علي السيّد.

وبرغم كلّ ذلك، لم ينف عثمان حينما سأله رئيس المحكمة العسكريّة العميد الرّكن الطيّار خليل ابراهيم عن مكانه عندما تمّ تنفيذ الخطّة الأمنيّة، أنّه كان وعمر ميقاتي في منزل الشيخ سالم الرافعي، حيث بقيا لمدّة شهر!

وليس هذا فحسب، وإنّما يؤكّد الموقوف أنّه تقاضى أموالاً تعدّت الألف و400 دولار أميركي من الرافعي بالإضافة إلى إعطائه مسدساً (أنكر في استجوابه أمس ما اعترف به بشأن المسدّس). لماذا؟ «لكي آكل وأشرب».

يظنّ عثمان أنّ أمر تقاضيه المال من الرّافعي كان طبيعياً. بالنّسبة له، إنّ رئيس «هيئة علماء المسلمين سابقاً» هو «ممثّل السنّة ويعطي المحتاجين. وأنا مسلم سنيّ».

قفز الموقوف عن كلّ الممثلين للطائفة واحتفظ لنفسه بالرافعي. أمّا عن مفتي الجمهوريّة ومفتي طرابلس والشّمال وباقي المفتين، فيعتبر أنّه من الصّعب الوصول إليهم كي يمدّوه بالمال.

«تفاصيل الصفقة»

في الجهة المقابلة، لمّا سمع أحمد سليم ميقاتي، الذي كان يقف بزيّه الكحلي المخطّط باللون الأحمر عند الخصر (الثوب الموحّد لموقوفي الريحانيّة) ومحاطاً بعدد من العسكريّين، باسم الرافعي، حتى رفع يده طالباً الحديث، من دون أن يأذن له العميد ابراهيم بالكلام بغية استكمال استجواب عثمان.

انتهى الاستجواب، وأرجئت الجلسة إلى 8 آب المقبل، وميقاتي ما زال مصراً على الكلام. البعض ظنّ أنّ «أبو الهدى» يريد طلبه الاعتيادي: رؤية ابنه عمر في غرفة مجاورة. إلا أنّ الأمر هذه المرة كان مختلفاً، فالرّجل يريد رمي «القنبلة الكلاميّة» التي أبقاها في جعبته مدّة طويلة.

ميقاتي لا يريد أن يُظلم الرافعي ولا يريد أن ينسى المعلومة إذا ما تُرك إلى جلسة لاحقة «وكي لا تخبّص الصحافة». ولذلك أصرّ على فضح ما جرى قبيل تنفيذ الخطّة الأمنيّة في طرابلس في نيسان 2014.

كشف «أبو الهدى» أنّ الرافعي لم يخبئ المطلوبين (ومن بينهم ابنه عمر) «إلّا بعد اتّفاق حصل بين رئيس فرع المخابرات في الشمال العميد عامر الحسن (صار ملحقاً عسكرياً في اسبانيا) وقائد سريّة قوى الأمن الداخلي في طرابلس العميد بسّام الأيوبي (أحيل على التقاعد) ومفتي طرابلس والشّمال مالك الشّعار وسالم الرافعي».

وكانت الخّطة، بحسب رواية أحمد ميقاتي، «تقضي بأنّ يختبئ المطلوبون في منزل الرافعي لأكثر من شهر، حتى يستطيع الجيش الدّخول إلى أحياء طرابلس وأزقتها وتنفيذ الخطّة الأمنية. وبعد نجاح العمليّة، تقوم الدّولة اللبنانيّة ـ من تحت الطّاولة ـ بتسهيل سفر هؤلاء إلى تركيا على أن يمدّهم الرافعي بالمال المطلوب، في مقابل هروب رفعت وعلي عيد وعدد من المسؤولين الأمنيين في جبل محسن إلى سوريا»!

هذا الكلام الذي يجزم به ميقاتي قد يفسّر أمر اختفاء أثر المطلوبين، بمن فيهم شادي المولوي وأسامة منصور، فيما كانت الأخبار المتناقلة آنذاك: «مداهمة منزل فلان وعلّان.. من دون إيجادهم».

وإذا صحّ كلام ميقاتي، فيعني ذلك أنّ تطبيق الخطة الأمنية في طرابلس كان بمثابة الفضيحة.

وبرغم خطورة هذا الأمر، لن تتحرّك النيابة العامّة للتوسّع في التحقيق أو حتى التّدقيق في مدى جديّة كلام ميقاتي. مرّ الكلام من دون أن يتوقّف عنده أحد، تماماً كما يمرّ كلّ أسبوع اسم الرافعي على لسان الموقوفين داخل المحكمة العسكريّة بما قدّمه لهم من مال وملجأ.. أو حتى سلاح، من دون أن يتجرأ أحد على الاستماع إلى إفادته كشاهد على سبيل المعلومات!

وعليه، تنضمّ «قنبلة أبو الهدى» إلى سائر القنابل التي تنفجر كلّ يوم في لبنان، كنموذجٍ معمّم لكيف تكون الصفقة أفضل!