كتبت كلير شكر في صحيفة “السفير”:
لن يكون وقوف الحكومة على حافة الهاوية مجدداً، بفعل تنقّل مسلسل الاشتباك من ملف الى آخر، الاختبار الأول أو الأخير الذي ستعبره حكومة «قوس القزح» بمزيد من الأضرار التي تهشّم كيانها وتعرّي هيبتها.
طبعاً، لن تجد السلطة الثالثة من يخبّئ عوراتها أو يجمّل تشوهاتها، وذلك نتيجة قناعة عامة صارت راسخة وتفيد أنّ حكومة تمام سلام لا تقوم بفعلٍ اعتماداً على قدرات ذاتية وانما نتيجة الظروف التي جعلت منها «أعوراً بين عميان». فحينما يستوطن الشغور في القصر الرئاسي ويأكل الصدأ مطرقة الرئيس نبيه بري نتيجة الشلل الذي يجعل من البرلمان عاطلاً عن العمل ومن دون أي خجل قد يعتري أعضاءه، تصير الحكومة آخر منقذي ماء وجه المؤسسات الدستورية، لا أكثر. ما عليها سوى الحفاظ على صمود هيكلها العظمي، بانتظار من يتبرّع ويخطّ ورقة نعيها.
هي محكوم عليها بالإعدام، ولكن تأخر وصول الجلاد للتنفيذ يمنحها بعض الأوكسيجين الذي يساعدها على تقطيع الوقت. أما غير ذلك فهي صارت شاهدة على مبارزات أبنائها الذين يستعرضون عضلاتهم أمام «أبنائهم».
هكذا، من السهل جداً أن تقع هذه السلطة في أول «كشتبان ماي» قد يصادفها، ويصبح مصيرها على المحك عند أول اشتباك ولو طفيف قد يواجه «رؤساءها» الأربع والعشرين، لأن العامل الوحيد الذي يبقيها على قيد الحياة هو في كونها آخر المؤسسات العاملة والا لن تجد من يخبرعنها.
مع بلوغها العام الثاني، يتعامل الجميع مع «الوزارة» على أنها لقيطة، لا أب أو أم يدافعان عنها، لا بل تكاد تتحوّل الى مرمى استهداف من يريد استثمار أي قضية في البازار الاعلامي ليشدّ عصب جمهوره ويمارس بطولات وهمية أمام ناسه، فتتحول طاولة مجلس الوزراء من ندوة حوار ونقاش وسلطة قرار، الى حلبة تنافس بين ديوك الطوائف.
في ظل الفراغ المتمدد من محل الى آخر، صارت حرب الملفات هي متنفّس الهروب من عجز القيام بأي انجازات جدية، فيستعاض عنها بحروب مزايدات طائفية تحت عناوين مختلفة، ومن أجلها تخاض معارك مذهبية، كما يرى أحد المعنيين غير الراضين عن أداء بعض مكوناتها.
وبهذا المعنى بات للصراع على طاولة مجلس الوزراء ثلاثة عناوين أساسية:
ـ استقالة الوزير اشرف ريفي المعلّقة. فالرجل هو أول من دق مسماراً في نعش الحكومة.. فغادرها ولكن. ترك مقعده ولم يسلّم «ختمه» لأسباب لا تتصل به وحده. واليوم قد تدفع به تطورات الحكم في قضية ميشال سماحة الى العودة الى البيت الحكومي.. ولكن.
ثمة من يقول إنّ الرجل بخروجه من الحكومة تجاوز موقف فريقه السياسي المتمسك ببقاء السلطة التنفيذية على علّاتها، حتى لو لم يبق منها الا خيالها. ولذا يرذل الاستقالة ويبعد كأسها عنه. وهو بذلك لم يلتزم السقف السياسي المفترض أنه يستظله، وهذا حقّ له. ولكن أن يعود مجدداً الى الصف الحكومي، فهذا يستدعي منه أن يعود من بوابة فريقه السياسي الذي سمّاه وزيراً للعدل، اي «تيار المستقبل».
واذا كان وزير العدل المستقيل يطمح الى بناء حيثية شعبية خاصة به تشرعن خروجه من تحت العباءة الزرقاء، وهذا من حقه أيضاً، فهذا يعني الذهاب بعيداً في خيار «التمرد» على البيت الأبوي، والا لا بدّ من العودة الى «دفتر الشروط» الحريري.
ـ البند 65 من جدول أعمال جلسة مجلس الوزراء الأخيرة المتصل باعتمادات مديرية أمن الدولة، والذي جرى التربّص له على كوع بند صرف اعتمادات الى مديريات قوى الأمن العام وقوى الأمن الداخلي، ما ادى الى اندلاع اشتباك طائفي حول «الحصانات الأمنية» لكل طائفة، واستطراداً الى تعليق البندين بانتظار صياغة ما تفرج عن الاعتمادات السرية لجهاز أمن الدولة وعن اعتمادات الأجهزة الأخرى.
عملياً، مهما حاولت بعض القوى المسيحية تغليف مطالبتها لإعادة تفعيل جهاز أمن الدولة، فقد لا يقرأ البعض الآخر هذه المعركة الا من العنوان المذهبي، مع أنّ المسألة برمتها صارت عند رئيس الحكومة المسؤول بشكل واضح كما ينصّ الدستورعن مصير اعتمادات الجهاز وتعطيل ماليته، وبالتالي إن رمي الكرة في ملعب الآخرين قد يزيد القضية تعقيداً ويدفع ببقية مكونات السلطة الى الاحتماء أيضاً بالخطاب الطائفي للدفاع عن مصالحها أمام ناسها.
ولهذا هناك من يقول إنّ تسعير الخطاب المذهبي لن يكون أبداً لمصلحة القوى المعتدلة، لا بل سيكون بمثابة هدية على طبق من فضة يوضع أمام القوى المتطرفة لتصبّ الزيت على نار التوتر الداخلي وتعتاش من «نفاياته»، وتقضم شيئاً فشيئاً من حضور القوى المعتدلة التي سيكون عليها إما الاستسلام لهذا الواقع وإما رفع سقف خطابها أكثر.
وبالذهنية ذاتها خيضت حملة استبدال الموظف بشارة جبران بمحمود بركات في مصلحة تسجيل السيارات في الدكوانة، والتي تحولت الى قضية رأي عام مسيحي تحت عنوان تهديد الوجود المسيحي في الإدارة العامة، مع أنّ المعنيين بالملف يدركون جيداً أنه لو نوقشت المسألة بهدوء بعيداً عن الضوضاء الإعلامية لكانت معالجتها أسهل وأسرع منعاً لاستفزاز العصبيات الطائفية التي لا تخدم المسيحيين قبل غيرهم، لا سيما أنّ المتابعين للقضية يعرفون جيداً أنّ الميزان الطائفي في مصلحة تسجيل السيارات هو لمصلحة المسيحيين وليس العكس.
وهذا الأمر أظهر الحملة التي تخوضها القوى المسيحية وكأنها تفتقد لدراسة واضحة تبيّن بالأرقام واقع الإدارة المعنية بالمساءلة، مع أنّه كان بالإمكان التوجّه مباشرة لصاحب العلاقة لمعالجة الخلل المشكو منه.