تؤثر الاضطرابات الحالية في أسواق الأوراق المالية والاقتصاد في الصين على الأسواق العالمية. وهذا ليس غريباً. فبعد أكثر من عقدين من النمو السريع يمثل الناتج المحلي الإجمالي للصين ما يقرب من %60 من الناتج المحلي الإجمالي في الولايات المتحدة، وهي ثاني أكبر اقتصاد في العالم. وقد اعتقدت الصين أنها ومع تباطؤ النمو الأخير في أمريكا الشمالية وأوروبا قد ورثت عباءة الزعامة الاقتصادية العالمية. والواقع أن العديد من المراقبين كانوا يعولون على أن تمتد آثار ذلك النمو إلى الغرب.
ولكن يبدو أن الزعامة الاقتصادية للصين تتحول إلى الاتجاه المعاكس. ومثل جميع الاقتصادات النامية، تعتمد الصين على الصادرات. ولكن مع بطء نمو الاقتصادات الغربية انتقل معدل نمو الصادرات السنوي في الصين من %20 إلى %30 في العقد الماضي إلى الانخفاض الأخير في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي ليكون بمقدار %7. ويبدو أن العولمة؛ انتقال التصنيع والإنتاج من الغرب إلى الصين وغيرها من الاقتصادات الناشئة، قد اكتملت إلى حد كبير.
غطت استثمارات الإسكان والبنية التحتية على الضعف الصيني. ولكن حتى هذا الأمر مشكوك فيه. تعاني الصين مدن الأشباح والطاقة الإنتاجية الفائضة وديون الشركات والحكومة والأسر التي زادت نسبتها من الناتج المحلي الإجمالي من %121 في عام 2000 إلى %282 في عام 2014. ومن علامات التعثر الأخرى أنه قد بلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2014 نحو 7590 دولاراً فقط أي ما نسبته %14 من نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي في أمريكا.
يرغب قادة الصين بالانتقال إلى اقتصاد يقوده الطلب المحلي والإنفاق الاستهلاكي والخدمات، ولكن عندما يتباطأ النمو الكلي فإنهم يلجأون إلى الإنفاق القديم نفسه على البنية التحتية. النتيجة هي المزيد من القدرات الإنتاجية الفائضة والمزيد من النفوذ للشركات غير الفعالة المملوكة للدولة، والتي لا يسمح بأن تفشل أبداً. وفي الوقت نفسه لا يتم تمويل الشركات الخاصة برأس المال. هذه الأمور جميعها تبين عدم ثقة بكين بالأسواق الحرة. يبلغ الإنفاق الاستهلاكي في الصين ما نسبته %36 فقط من الناتج المحلي الإجمالي، وفي الهند %59 وإيطاليا %61 والولايات المتحدة الأمريكية %69.
الصين هي عملاقة في مجال التصنيع العالمي، ولكنها غير بارعة من الناحية المالية. في الصيف الماضي، تدخلت الحكومة الصينية بطريقة سيئة لإيقاف انخفاض الثلث في الأسهم الصينية بعد الصعود الكبير الذي حققته، باعتبارها السبيل لإعادة رسملة الشركات المملوكة للدولة المثقلة بالديون. حيث منعت البيع على المكشوف وأمرت السماسرة والشركات المملوكة للدولة بشراء الأسهم. كما أدى تداول المستثمرين الخائفين للدولار مقابل اليوان إلى تراجع احتياطيات العملة الأجنبية بقيمة 300 مليار دولار. ثم في محاولة لتحفيز الصادرات وإنعاش النمو الاقتصادي “الذي هو على الأرجح نصف معدل الصين المعلن (%6.9)”، كان هناك انخفاض في قيمة العملة.
يبدو أن المسؤولين الصينيين يريدون مزيداً من الأسواق الحرة ولكنهم يصرون على السيطرة على أعلى المستويات. هذا غير ممكن. على سبيل المثال، وضعت مؤخراً القواطع لحماية المستثمرين من عمليات البيع واسعة النطاق، مما أعطى نتائج عكسية بعد أن تم اختراق الحد مرتين في الأسبوع الأول، وإقبال مستثمري التجزئة على بيع الأسهم المتقلبة. وبالمثل، حاول المسؤولون إضعاف العملة الصينية لتحفيز الصادرات ما أدى إلى الابتعاد عن التعامل بالعملة الصينية، وجعل البنك المركزي يغير مساره تماماً.
لن تنهار الصين، ولكن انتقالها من تصدير السلع والإسكان والبنية التحتية الى الإنفاق والخدمات الاستهلاكية سيقلل من أهمية الصين العالمية. حدث هذا في اليابان منذ مطلع التسعينات. قبل ذلك، اعتقد الكثير من الأمريكيين أنهم سيعملون في وقت قريب في الشركات اليابانية أو أنهم سيفلسون بسببها. ولكن في عام 1990 انهارت فقاعة سوق الأسهم اليابانية، مثلما حدث لأسعار المنازل الباهظة، وانهار الاقتصاد منذ ذلك الوقت إلى الآن حيث تبلغ نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي %1.
وبالمثل هبطت الأسهم الصينية في الصيف الماضي، وتراجع نشاط العقارات بشكل كبير. تماماً كما تأخرت اليابان في تنظيم بنوكها المتعثرة، سوف تتأخر الصين في إعادة تنظيم شركاتها المملوكة للدولة. كما قد تتذكرون أيضاً عمليات الشراء الكبيرة في اليابان والتي كانت تستهدف مجال العقارات وإلى تأمين المواد الخام اللازمة في التصنيع، وكذلك الأسواق من أجل الإنتاج. ويظهر التاريخ أن اليابان افتقرت إلى الفرص الاستثمارية التي تحفز النمو فيها. هل لاحظتم أن الصين كانت في فورة شراء أجنبية؟ وأخيراً هناك أيضاً أوجه تشابه ديموغرافية. حيث انخفضت القوى العاملة في كلا البلدين، ولكن على عكس اليابان ستشيخ الصين قبل أن تصبح غنية.