عزة الحاج حسن
كثيراً ما يدور في كواليس الإقتصاد والإقتصاديين حديث عن ضرورة تقليص عجز الميزان التجاري اللبناني وردم الهوة الكبيرة الواقعة بين الصادرات والواردات، فلبنان يستورد سنوياً ما يفوق 20 مليار دولار في مقابل صادرات لا يتجاوز حجمها 3 مليارات دولار والنتيجة أن العجز التجاري يقارب 17 مليار دولار، فماذا يعني ذلك؟
لا تنحصر أسباب ارتفاع الواردات وإنخفاض الصادرات في عوامل آنية أو تقنية أو أنها تعود إلى أزمة إنتاج أو أي سبب “طبيعي” خارج عن إرادة الإدارة العامة للقطاعات الإنتاجية اللبنانية، إنما هي أسباب، مهما تلوّنت وتنوعت تعود، أولاً وأخيراً، إلى استباحة الإنتاج اللبناني وإنكشافه على الأسواق العالمية مجرّداً من أي سلاح أو وسيلة يحمي به نفسه في مواجهة الإنتاج العربي والعالمي، ما جعل الإنتاج الزراعي والصناعي المحلي إنتاجاً عاجزاً عن المنافسة، إن على أرضه أو في أي بلد في العالم بطبيعة الحال.
فكيف بصناعات لبنانية كصناعة رقائق البطاطا أو صناعة الألمنيوم أو السيراميك أو الألبان والأجبان أو زيت الزيتون أو الزيت النباتي وغيرها… أن تنافس، وهي مجرّدة من أبسط مقومات المنافسة، فتعاني ارتفاعاً في كلفة الإنتاج وغياب أي حماية من الإغراق، وتعاني من عوائق فنية وإدارية وتشريعية وقانونية وضعف في البنى التحتية وغياب المناطق الصناعية وضعف في التمويل الصناعي وارتفاع كلفة المواد الأولية والتصدير… وأخطر ما تعانيه هو إنعدام الحماية في أسواقها المحلية التي تواجه أزمة إغراق.
بعيداً من تلك الأسباب وإن كانت كفيلة بإضعاف القطاعات الصناعية وربما إنهيارها، فإن ارتفاع كلفة الإنتاج للعديد من الصناعات اللبنانية وتجاوزها أضعاف كلفة الصناعات المنافسة لها في بعض الدول، يضعها في منافسة جائرة وغير متكافئة معها.
وإذا أخذنا مثالاً صناعة رقائق البطاطا فإن السوق اللبنانية تتعرّض لإغراق بالمنتجات العربية المنافسة، من دون أن تتمكّن من مجاراتها بالإسعار والكميات، ويعود ذلك إلى العديد من العوامل التي يوجزها صاحب شركة “ماستر شيبس” ميشال ضاهر في حديثه إلى “المدن” بإنخفاض تكلفة إنتاج رقائق البطاطا في الدول كلها التي يستورد منها لبنان، في مقابل ارتفاعها في لبنان بأضعاف عدة، لأسباب تبدأ من أسعار بذور البطاطا مروراً بالأراضي الزراعية والقروض المدعومة وصولاً إلى أسعار المحروقات والطاقة والإجراءات الحمائية.
فأسعار استثمار الأراضي الزراعية في دول كالسعودية ومصر (وهي أولى الدول المصدّرة رقائق بطاطا إلى لبنان) يصل إلى 20 دولاراً للدونم الواحد وفق ضاهر، أما في لبنان فيصل سعر استثمار الدونم الواحد إلى نحو 360 دولاراً، أضف إلى ذلك أن لدى الدولتين مساحات شاسعة جداً من الأراضي الزراعية الصالحة لزراعة البطاطا، ما يجعلها في غنى عن زراعة البطاطا سنوياً والإكتفاء بالزراعة كل 6 أو 7 سنوات.
أما في لبنان ونظراً إلى تقلّص المساحات الزراعية، فالمزارع مُلزم بزراعة البطاط كل سنتين على أبعد تقدير، ما يجعل الأراضي في حاجة فعلية إلى مواد عضوية تؤهلها للزراعة، والنتيجة أن كلفة طن البطاطا في كل من السعودية ومصر تبلغ 100 دولار في مقابل 300 دولار كلفتها في لبنان. وهذان عاملان يرفعان حُكماً من سعر البطاطا.
وبالنسبة إلى القروض الإنتاجية (زراعية وصناعية)، فهي معدومة الفائدة في السعودية بخلاف ما هي عليه في لبنان. أما لجهة المحروقات فحدّث ولا حرج، إذ لا يمكن مقارنة الأسعار بين لبنان والسعودية، إذ يتجاوز سعر برميل المحروقات في لبنان أضعاف ما هو عليه في السعودية.
أمام كل تلك العوامل يسأل ضاهر: “كيف يمكن للمصانع اللبنانية أن تقف في وجه صناعات زهيدة الكلفة بهذا الشكل”، وما هو أكثر خطورة وفق ضاهر، هو “أن تفتح السلطات اللبنانية باب استيراد رقائق البطاطا على مصراعيه”، فكيف يمكن أن تسمح الدولة بإدخال أحد المصانع السعودية (لايز) نحو 1500 طن من رقائق البطاطا إلى السوق اللبنانية ويعمد إلى رفعه بنسبة 40 في المئة سنوياً، في حين يبلغ حجم الإستهلاك في السوق نحو 5500 طن.
وعما إذا كان تصدير رقائق البطاطا من لبنان إلى الدول العربية بالأمر اليسير يقول ضاهر: “إن غالبية الدول العربية ومنها مصر والعراق وسوريا والأردن تضع العراقيل والمعوقات أمام تصديرنا إليها. فعلى سبيل المثال تفرض مصر علينا إجراء كشف على المصنع من جانب لجنة خاصة بها، ولكن ذلك ما لم يحصل أبداً، إذ تتم المماطلة بإرسال اللجنة إلى حين العدول عن قرار التصدير الى مصر.
الألمنيوم: الحاجة إلى ضبط
قطاع آخر يمكن اتخاذه مثالاً لغالبية الصناعات هو قطاع صناعة الألمنيوم، فلبنان يستورد منتجات الألمنيوم من دول الخليج العربي، حيث تنخفض كلفة الإنتاج بأضعاف الكلفة في لبنان، فطن الألمنيوم المستورد يباع في السوق اللبنانية بنصف سعر الطن اللبناني، بحسب ما يؤكده لـ”المدن” مدير “الشركة العامة لصناعات الالمنيوم” (aluxal) كنعان خوري.
فالعناصر التي تدخل في إنتاج الألمنيوم منخفضة الكلفة في الخليج، بخلاف ما هي عليه في لبنان، إذ يبلغ سعر الكيلواط بالساعة من الكهرباء سنتاً واحداً يصل في لبنان إلى نحو 40 سنتاً، كما يصل متوسط سعر طن المازوت في الخليج، وفق خوري، إلى 60 دولاراً يبلغ في لبنان نحو 600 دولار، علماً بأن صناعة الألمنيوم من الصناعات ذات استخدام الطاقة المثكّفة، من هنا يصبح الحديث عن منافسة المنتج الخليجي أمراً في غاية الصعوبة.
وإذ يسأل خوري كيف يمكن لصناعة الألمنيوم أن تستمر في ظل إنتاج المصانع اللبنانية الخمس نحو 25 ألف طن سنوياً وبيع ما لا يزيد عن 15 ألف طن فقط في الأسواق اللبنانية، في مقابل دخول نحو 14 ألف طن من السعودية ومصر والإمارات، يشترك خوري مع ضاهر باستنكار الاستمرار بإغراق الأسواق اللبنانية بالمنتجات العربية المنافسة “التي يمكن أن تعرّض الصناعة اللبنانية للخطر وربما للإنهيار، ما لم يتم ضبطها”.