IMLebanon

لبنان.. هل قُلتَ دولة؟ (بقلم هيثم الطبش)

lebanese-war

 

كتب هيثم الطبش:

يسأل اللبناني نفسه ما الذي تحسّن في حاله بعد 26 سنة على انتهاء الحرب، العديد ممن تلتقيهم في الشارع يقولون إن أيام الحرب كانت أفضل إن لجهة البحبوحة المالية أو لجهة توفّر العمل وسواها من المسائل الأساس. هي مفارقة كبرى أن تجد الناس غير آسفة على سنوات الاقتتال، لكن التدهور الكبير الحاصل في أحوال الدولة لا يدع مجالاً للكثير من الندم.

الحقيقة أننا حين نتحدث عن الدولة فإننا نقارب تلك الفكرة الرمزية أكثر منها كواقع ملموس فالدولة لم تستطع النهوض ولا استجماع ذاتها بعد انتهاء الحرب. نعم شهد البلد ورشة إعمار حقيقية وضعته على خريطة النهوض إلا أن هذا النشاط العمراني لم يواكبه بناء للمؤسسات ولا تطوير فأصيبت الدولة بكل أدواتها وأجسامها بالاهتراء وتبددت تدريجاً حتى صارت اليوم أشبه بالجثث التي كنا نراها في الشوارع أيام الحرب.

يُقال إن “الضرب في الميّت حرام”، ولأن الدولة تحوّلت إلى كيان متحلّل تخطّى مرحلة الموت أصبح واجباً على المجتمع والمفكّرين والمثقّفين وقادة الرأي، من غير الطبقة السياسية الموجودة، الالتقاء  في إطار ما لبحث سبل إعادة تشكيل هذا البلد قبل فوات الأوان في زمن إعادة رسم الخرائط الإقليمية بالنفوذ مرّة وبالدم مرّات، فالآن قد تكون الفرصة متاحة لمثل هذا الحراك أما لاحقاً قد لا يكون ذلك ممكناً.

عندما ننظر إلى الدول المحيطة بنا… عفواً هل قلت “الدول”؟ نعم فنحن هنا نعيش على رقعة جغرافية إسمها لبنان لكن المؤسف أن لا كيان يجمعنا وبطاقة الهوية التي في جيوبنا لم تعبر إلى عقولنا ولذلك فإن حسّ المواطنة المفقود يساهم في تعزيز تبدد الدولة، بل وتهيء الأرضية اللازمة لأي مشروع حرب داخلية مقبلة.

من الأمن المتفلّت في المطار والإنترنت وكل زقاق في البلد، مروراً بالفضائح المتتالية التي تكتشف كل يوم من دون أن تطيح برأس أي من المسؤولين عنها، وملفّات الخلاف السياسي المتراكمة التي تتحوّل إلى اشتباكات إعلامية وتراشق من على المنابر ومنصّات التواصل الاجتماعي، وصولاً إلى الهموم الاجتماعية من عمل واستشفاء وسلامة غذاء وماء وكهرباء ونفايات وسير، كلها عوامل تصلح إلى أن تتحوّل في ليلة ظلماء إلى “بوسطة عين الرمانة2016″… اليوم لا شيء ولا أحد يحصّن البلد إذا ما انزلق إلى الطلقة الأولى من رشاش المواجهة الطائفية.

ندرك جميعاً أن حادثة صغيرة في مكان ما تكفي لإشعال نار لن نجد في هذه الظروف الاقليمية مَن يعيننا على إطفائها، والخطر الأشد هو أن اللبنانيين مشروع قابل للحرب في أي لحظة لأن قلّة منهم حصّنوا أنفسهم بقراءة محايدة لتاريخ ما جرى من 1975 إلى 1990، أما الغالبية فحاضرة لتأتمر بأمر زعيم ميليشيا، والحرب في رأي البعض تجري معاركها بفقراء أو جهلة يحملون السلاح، ومكوّنات الطبخة موجودة بامتياز.

كم فصلاً من فصول التاريخ علينا أن نقرأ لنتعلم ونحن لا نجمع على تاريخ ولكل من اللبنانيين روايته عن الحرب ومجرياتها، وكم محطة علينا أن نستذكر في ذاكرة جماعية مفقودة. نعم سكت المدفع وأزيلت السواتر الترابية وفتحت المعابر على الأرض لكننا نفسياً لم نعبر إلى السلم ولم نجد عربة الدولة التي عليها هي أن تنقلنا إلى موقع آخر في الزمن، فعادت كل “قبيلة” لتركب قافلتها الطائفية وكأن شيئاً لم يتغيّر… إن لم نرغب في حرب جديدة تعيد خلط الأوراق فنحن محكومون بابتكار نظام ما لبلد اسمه لبنان… إنما عن أي لبنان نتحدث؟