مايكل ستوثارد
“حرفيا، فقط أخبرنا بما تريد ويمكننا فعله لك”، هذا ما قالته إميلي، مساعدة مبيعات مرحة من وكالة سي إف إس إنترناشونال فورميشنز القائمة في المملكة المتحدة، جزء من صناعة نامية تقدم النصيحة للناس حول كيفية إنشاء شركات في الخارج. أوضحت أنها لا تهتم لهويتي، مؤكدة بدلا من ذلك على مدى سهولة العملية. “ليس هناك الكثير من العمل الورقي أو أي شيء. يتم تأسيس الشركة ونرسل لك الوثائق”.
في أعقاب العدد الكبير من الفضائح، شعرت بالفضول حول مدى صعوبة إنشاء شركة خاصة بي في الخارج، والأسئلة التي يمكن أن تسأل ومدى سهولة إخفاء هويتي. حتى في عام 2013، عندما أجريت المكالمة مع “سي إف إس”، كان هذا الموضوع بالأصل بمنزلة مصدر قلق متزايد بالنسبة لصناع السياسة، مع تقديرات أن الثروة في مناطق الأوفشور تصل إلى تسعة تريليونات دولار، وهو رقم قريب من الناتج الاقتصادي السنوي في الصين.
في الأسبوع الماضي اهتز العالم بتسريب أكثر من 11 مليون وثيقة من “موساك فونسيكا”وهي، شركة محاماة مقرها بنما مختصة في إنشاء شركات الأوفشور في ملاذات ضريبية. الوثائق التي أصبحت تعرف بـ “أوراق بنما”، كشفت عن حسابات لقادة مستبدين، وأصحاب مليارات روس، وحتى رئيس وزراء آيسلندا، وهي تسلط الضوء على كيف يستغل الناس النظام المالي، وفي بعض الأحيان إساءة استخدامه. الدور الذي لعبته الملاذات الضريبية توسع في عصر العولمة الذي فتح طرقا جديدة لتقليص الضرائب بالنسبة للشركات والأفراد. التطورات في مجال الإلكترونيات جعلت استخدام الملاذات في مناطق الأوفشور أسهل بالنسبة للناس.
لكن في عام 2013، كنت فقط أريد أن أعرف كيف يتم الأمر، وإميلي كانت سعيدة لتبين لي. أول محطة لي كانت الموقع الإلكتروني لوكالة سي إف إس. مع خط أنيق ورسومات قديمة، كان يبدو كأنه تم تصميمه في الأيام الأولى للإنترنت، لكنه كان يملك ثروة من الخيارات.
شركات في بليز، وجزر فيرجن البريطانية، وقبرص، وديلاوير، ومالطا، وبنما، وصقيلة، وجزر كوك، كانت بمنزلة لقمة سائغة مقابل بضع مئات من الجنيهات. كل منها جاء مع مفسر عن المستوى العالي من السرية فيها. قالت وكالة سي إف إس إن بإمكانها أيضا مساعدتي على العثور على محاسبين، وسكرتيرات، وفتح حساب مصرفي للشركات، وحتى شراء شركات “عريقة” لديها أعوام من التاريخ التجاري.
خيار جزر سيشيل (في المحيط الهندي) لفت نظري، في الأغلب لأن الأعمال الورقية للمعاملات كانت خفيفة للغاية. بتكلفة تبلغ 335 جنيها فقط، لم تتطلب أيضا أي شرط إقامة، وليست هناك حاجة إلى تقديم حسابات سنوية، ولا توجد ضرائب، ووعدت بالسرية باعتبارها “ميزة رئيسية”. هل سيسمحون لي حقا بالحصول عليها؟ قلت: “أعتقد أنني سأختار شركة في جزر سيشيل”. ردت إميلي: “حسنا سيدي، سأضع ذلك في سلة التسوق الخاصة بك على الإنترنت الآن”، وطلبت مني تحويل المال عبر الموقع الإلكتروني.
حتى الآن كل شيء يبدو على ما يرام. بعد ذلك طلبت من إميلي إضافة، على ما يبدو، الخدمة الروتينية للحصول على ملكية متخفية بمجلس إدارة “معين”. هؤلاء المعينون يملكون ويسيطرون على شركتي على الورق، لكن من الناحية العملية، تخصيص صلاحية اتخاذ جميع القرارات لي. كانت تكلفتها 400 جنيه سنويا. سألت إميلي إذا كان بإمكان المعينين الهروب بأموالي بما أنهم يملكون شركتي من الناحية الفنية: قالت بشكل مطمئن: “إنهم أعضاء مجلس إدارة ومساهمين، لكنهم موجودون هناك بالاسم فقط، ويوقعون وثيقة للتأكيد أنهم لا يملكون أي دور ناشط في الشركة”.
لإضافة مستوى آخر من السرية، قررت أن شركة جزر سيشيل تمتلك شركة وهمية أخرى في ديلاوير، السلطة القضائية الأمريكية التي تبدو شرعية، التي تملك بعضا من معايير إبلاغ الشركات الأضعف في العالم. هذه “الطبقات” المتعددة من الشركات هي طريقة كلاسيكية لإخفاء الأصول، كما أخبرني فيما بعد أشخاص يعتاشون من كشفها. قالوا إن التعقيد المضاف للهيكلة يساعد في إرباك إنفاذ القانون والمحققين الخاصين. اللاعبون الكبار غالبا ما يملكون مجموعة من 20 أو 30 شركة لا تملك سوى نوع واحد من الأصول.
بعد بضعة أيام دفعت 1832 جنيها على الإنترنت وأرسلت صورة عن جواز السفر وفاتورة كهرباء أخيرة لإثبات أنني كنت شخصا حقيقيا. لاحظ أن هذا لا يعني شخصا نزيها مع سبب مشروع للحصول على شركات، لكنه شخص حقيقي. كان هناك القليل من النماذج لتعبئتها مع تفاصيل مثل ماذا أردت تسمية الشركات. في الجزء السفلي من أحد النماذج، يوجد إطار صغير يسأل عن ماهية نياتي التجارية. لم أرد أن أكذب، لذلك اتصلت على وكالة سي إف إس. قالت إحدى زميلات إميلي “لا تزعج نفسك بتعبئة ذلك. فقط اتركه فارغا”. بعد أقل من أسبوعين بقليل، كنت في مطبخي أتصفح كومة كبيرة من ممتلكات الشركة الرسمية التي تم إرسالها لي عبر البريد. ملفات شركة ديلاوير جاءت في غلاف كبير عليه اسم شركتي – شركة ستافت باروت – بأحرف ذهبية حتى الجزء الخلفي. في الغلاف، كان هناك شهادات أسهم ورسالة مبهجة من ولاية ديلاوير. تبدأ كالتالي: “عزيزي صاحب المشروع التجاري”.
الوثائق من الشركة الموجودة في جزر سيشيل – التي تدعى بايرتس تشيست – كانت مسلية أكثر، وإن كانت عشوائية نوعا ما. الوثائق، المطوقة باللون الذهبي، ذكرت بشكل خاطئ أنني أحمل جواز سفر تشيكي. كما أخبرتني أن أعضاء مجلس الإدارة المعينين والمساهمين هم شركة تسمى يونيفيرسال إنتربرايز، قائمة في ريو دي لا بيرل في جزر سيشيل.
الآن أنا أملك شركتين، مقابل القليل من المال والجهد، تمنحاني القدرة تقريبا على إجراء أي نوع من الأعمال في أنحاء العالم كافة بشكل مجهول. من الناحية النظرية، هذا منحني الحرية لامتلاك شقق بملايين الجنيهات، أو التبرع بالمال للحملات السياسية، أو استيراد الموز، أو امتلاك أعمال فنية وسيارات سريعة، كل هذا دون معرفة السلطات، أو أي شخص آخر، على الإطلاق.
ولاختبار إلى أي مدى كانت شركاتي سرية، ذهبت إلى المحترفين في “جي بي دبليو”، شركة استخبارات مختصة في الشركات مقرها في مايفير، لندن. تعتاش الشركة من تعقب الأصول المخبأة في الخارج للذين يشكون في أن الزوجة، أو الزوج، أو شريك الأعمال يملك ثروة أكثر ما يصرح بها.
بعد بضعة أيام من التنقيب في السجلات الرسمية، وجد المحققون وثيقة عليها اسم الشركتين وأين كانتا مسجلتين، لكن – لسعادتي – لا شيء آخر. قال أندرو ويردزويرث، المؤسس المشارك في “جي بي دبليو”: “سيكون من شبه المستحيل ربطك بأي شيء من خلال هاتين الشركتين دون إقامة دعوى قضائية جدية للغاية”. استنتاجه كان أنه إذا كان هناك أي شخص يبحث، مثلا، عن مالك قارب أنيق يعود لي، فلن يرى سوى أنه كان مملوكا لشركة وهمية في ديلاوير تسمى “ستافت باروت”. ستكون هناك حاجة إلى دعوى قضائية لتحديد هوية مالك الشركة، التي ستكشف – على افتراض أن مقدم الدعوى قد فاز – أنها كانت مملوكة لشركة في جزر سيشيل تسمى بايرتس تشيست.
بعد ذلك، لمعرفة مالكي شركة بايرتس تشيست، يتطلب الأمر دعوى قضائية ثانية، وحتى عندها، فأنا لا أملكها من الناحية الفنية، وإنما يملكها الأشخاص المعينون.
لكن هناك خطرا أن أقع في مأزق إذا تمت رؤيتي أقود القارب كثيرا، ويمكن بناء قضية ضدي في المحكمة لإثبات أنني المالك من الناحية العملية. لكن على الورق، أنا في مأمن.
محاسب بريطاني، لم يشأ الكشف عن اسمه، قال في وقت لاحق إن الهيكلة كانت سرية للغاية حيث لم يكن هناك سبب حتى للتصريح بها للحكومة البريطانية في جولتي الضريبية المقبلة. قال ضاحكا: “لن يكشفوا الأمر أبدا”.
لم أتمكن من الوصول إلى وكالة سي إف إس للحصول على تعليق حول ما يمكن أن يكون قد تغير منذ تعاملاتي السابقة معها. مع ذلك، أضاف ويردزويرث أن إنشاء شركات في الخارج لم يصبح أكثر تعقيدا عما كان عليه عام 2013، لكن استخدامها لإخفاء الأصول أصعب.
إقامة علاقات مصرفية، مثلا، يشكل تحديا. فمن المقرر أن يدخل خلال العامين المقبلين نحو 100 سلطة قضائية في نظام التبادل التلقائي لمعلومات الحسابات المالية، الأمر الذي ينبغي أن يعزز الشفافية. في النهاية، سمحت بانهيار شركاتي في الأوفشور بعد فترة وجيزة من إنشائها. على عكس بعض من نظرائي في الخارج، لم أستطع تحمل الرسوم السنوية البالغة 700 جنيه للحفاظ عليها. لقد تم بناء إمبراطوريتي في الخارج على طاولة مطبخي باستخدام بضعة آلاف من الجنيهات فقط والمساعدة من إميلي. وسيصعب علي حتى أن أتخيل ما هي أنواع الهياكل المعتمة المغلقة التي يمكن تشكيلها من قبل الذين لهم الإمكانات المالية التي تكون كبيرة بما يكفي لاستخدام شركات مثل “موساك فونسيكا”.