كتب ايلي الفرزلي في “السفير”:
انقلب السحر على الساحر فجأة، وبعدما كان رئيس هيئة أوجيرو “بطل” الكشف عن فضيحة الإنترنت غير الشرعي، تحول خلال اليومين الماضيين إلى هدف للانتقاد اللاذع على خلفية الإنجاز نفسه.
لا أحد يشكك بأهمية ما كشف، لكن الخلاف بدأ يصبح أكثر علانية بشأن من يتحمل مسؤولية التأخر في كشف الشبكة. وفيما يركز يوسف على عملية إدخال المعدات إلى لبنان، موجهاً أصابع الاتهام إلى القوى الأمنية والجمارك، وخاصة الجيش، الذي تبين أنه أحد زبائن الشبكة غير الشرعية، فهو أكمل على المنوال نفسه في مسألة الكابل البحري المكتشف بين نهري الكلب وإبراهيم.
استُفز يوسف من نتيجة الكشف على الكابل البحري، والتي بينت أنه ينقل باقات تلفزيونية لا أكثر، فأصدر بياناً حمّل فيه الجيش، ضمناً، مسؤولية عدم التحقق من مسار الكابل بشكل دقيق، بسبب عدم وصول “زوارق بحرية عسكرية للكشف على مسار الكابل في البحر والتحقق من وجهاته المختلفة”، قبل أن يعود ويسحب بيانه لاحقاً.
هذه الخطوة، يراها وزير بارز بمثابة “دليل على حالة الإرباك التي يعيشها يوسف، موحياً بأن أمراً مريباً يحصل، علماً أنه هو موضع المساءلة في هذا المجال”.
وفيما تؤكد مصادر مطلعة أن ارتفاع الموج الذي وصل إلى أربعة أمتار، كان يمنع نزول الغطاسين إلى البحر، وبالتالي يمنع إجراء الكشف، فإن الوزير المعني يشير إلى أن “الجيش اللبناني قام بالمهام الموكل بها على أكمل وجه من خلال مواكبة فريق الكشف وتأمين الحماية الكاملة له ومشاركة خبراء من قبله في عملية الكشف والتحقق، وأي إيحاء بتقصير ما مردود على مطلقه”.
ويستهجن الوزير “العراضة التي قام بها يوسف وتوجيه الدعوة مسبقاً إلى وسائل الإعلام لتغطية حدث مصطنع، بينما أي عمل هدفه التحقق من صحة المعلومات التي يتضمنها الملف يجب أن يتم بعيداً من الإثارة الإعلامية ويُترك للجهات المعنية النيابية والوزارية والقضائية الإعلان عن نتائجه”.
بالنسبة للمصدر، فإن ما حصل أمس الأول هو التالي:
ـ حضر السيد يوسف الياس منذر إلى مكان الكشف وصرّح علانية أن الكابل يعود له شخصياً وهو مخصص لـ “دش”.
ـ أكد منذر أنه ليس كابلاً بحرياً إنما مرره في النهر ليوصل خدمة اشتراك الكابل لزبائن في منطقة ضبية.
ـ بعد التأكد من نوعية الكابل وغرض تشغيله وما يمكن أن يُنقل عبره من قبل الخبراء تبين أن وجهة استخدامه للدش فقط.
في وزارة الاتصالات، القناعة كاملة بأن ما سبق واكتشفته فرق “أوجيرو” وسُجل في محضر رسمي هو الحقيقة بعينها: في شباط الماضي شوهد كابل ألياف ضوئية ممدد من جونيه إلى نهر الكلب، فإلى مصبه، من خلال محاذاته النهر وإخفائه خلف نباتات القصب، حيث ثُبّت على جدار النهر بركائز فولاذية ودعائم حديدية. أما بعد وصوله إلى البحر، فقد تفرع باتجاهين الأول جنوباً باتجاه الدورة، والثاني شمالاً باتجاه جبيل.
تتوقف مصادر “أوجيرو” عند أمرين تعتبر أنهما هدفا إلى التعمية على الحقيقة في مسألة الكابل البحري: الأول هو الإيحاء أن الكابل هو بمثابة submarine cable يشبه الكابلات التي تمرر بين البلدان. وهو “إيحاء مشبوه يراد منه القول إن ما اكتُشف هو ليس الكابل الذي أعلنت أوجيرو عن اكتشافه، فيما الواقع يشير إلى أن فرق الهيئة اكتشفت كابل فايبر أوبتيك مُرر تحت الماء، وهو لا يحتاج إلى سفن كبيرة لتثبيته كما حال الكابلات البحرية، بل يمدد على مقربة من الشاطئ، خاصة أن قطره يشبه قطر الكابلات العادية”.
أما الأمر الثاني، فهو المبالغة في إظهار أن الكابل المكتشف لم يكن سوى كابل دش. وتصر مصادر “أوجيرو” على أن ذلك يجافي الحقيقة، لأن قدرة الكابل المكون من 24 فايبر، هي قدرة هائلة لنقل المعلومات والصورة والإنترنت، وبالتالي فمن المستغرب أن يستعمل لنقل باقة تلفزيونية أو ما شابه فقط. إذ إن باقة كهذه يمكن نقلها عبر الكابلات النحاسية العادية المصنّعة محلياً، ولا تحتاج إلى دفع تكاليف باهظة لقاء كابلات مستوردة. علماً أن ذلك يقود إلى طرح سؤال آخر: كيف دخلت هذه الكابلات إلى لبنان ومن سهّل دخولها؟
وإذ يستغرب المصدر الوزاري تعمّد عبد المنعم يوسف “صرف الأنظار عن مسؤوليته المباشرة في ما آلت إليه الأوضاع المتصلة بملف الإنترنت عموماً وقضية الإنترنت غير الشرعي خصوصاً، كون أساس كل ما يتصل بهذا الملف هو مصدره ومنشؤه”، يدعو مصدر في “أوجيرو” إلى عدم تسخيف المخالفة الثابتة لحصرية الدولة والمتمثلة بشبكة الإنترنت غير الشرعية، من خلال التركيز على مسألة الكابل البحري. علماً أن المصدر يذّكر أن 40 يوماً هي الفارق الزمني بين اكتشاف “أوجيرو” الأمر وبين تنفيذ المداهمة أمس الأول، وهي فترة كافية لتغيير مسرح الجريمة تماماً كما حصل في محطات الإنترنت غير الشرعي التي اكتشفت.
يبدو جلياً أن أزمة الإنترنت غير الشرعي مستمرة بالتدحرج، وفيما يُتوقع أن يُصدر وزير الاتصالات اليوم بياناً يتعلق بالتطورات الأخيرة، بعد أن عقد أمس اجتماعاً بموظفين من “أوجيرو”، ثمة من يؤكد أن الوزارة معنية، كما غيرها، بالإجابة عن سؤال: لماذا تأخر الكشف على الكابل البحري، ولماذا لم يتم التعامل معه كما تم التعامل مع المحطات التي اكتُشفت والتي تم تفكيكها بسرعة وتفكيك داتا المعلومات الخاصة بها؟