كتب جورج بكاسيني في صحيفة “المستقبل”:
وسط إجراءات أمنية بالغة الدقة والاستثنائية، تلتئم اليوم الدورة الـ13 لمؤتمر القمة الإسلامية في اسطنبول في جلستها الافتتاحية على أن تختتم أعمالها غداً بتبني جملة مقررات أجمعت في أبرزها على إدانة التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية. وعشية انعقادها بدا تشنج الوفد الإيراني الرسمي إلى المؤتمر في أشدّه مع نجاح أعضاء منظمة التعاون الإسلامي في تأمين إجماع عربي – إسلامي يعزل طهران ويضعها في موضع المساءلة والإدانة رداً على ارتكاباتها وتدخلاتها في المنطقة العربية، الأمر الذي خلق أجواء ارتياح عربي ملحوظ في أروقة التحضير للقمة قابله جو إيراني مأزوم بدا واضحاً للعيان في مختلف مفاصل الإعداد والتحضير لانعقاد المؤتمر تحت وطأة حال الارتباك والعزلة التي لم يستطع أعضاء الوفد الإيراني إخفاءها حتى على متن الرحلة البحرية السياحية التي نظمتها السلطات التركية لرؤساء الوفود المشاركة عند مضيق البوسفور، وسط تساؤلات عما إذا كان الرئيس الإيراني حسن روحاني سيعدل عن المشاركة في قمة اسطنبول في ظل أجواء الإدانة الإسلامية لبلاده.
وكانت إدانة التدخلات الإيرانية قد حُسمت أول من أمس خلال اجتماع وزراء خارجية دول منظمة التعاون الإسلامي، بعدما أفضى النقاش حولها إلى إجماع الوزراء على هذه الإدانة بشكل أبقى وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف معزولاً عاجزاً عن إحراز أي تعديل أو خرق في هذا الموقف العربي والإسلامي الجامع. ونقلت مصادر الاجتماع التحضيري الذي انعقد على مستوى وزراء الخارجية لـ”المستقبل” أنّ كل الدول الأعضاء في المنظمة أجمعت على إدانة التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية بما فيها لبنان الذي أيد الإدانة بعدما كان نأى بنفسه عنها في مؤتمر جدة الإسلامي. وروت المصادر أنّ كل محاولات ظريف لم تفلح في إحداث أي تعديل في الفقرات الأربع المدرجة في مسودة البيان الختامي لإدانة تدخلات بلاده، وعندما ألقى مداخلة “طوباوية” سعى فيها إلى تظهير إيران باعتبارها “تنشد المحبة والسلام مع كل الدول الإسلامية”، أجابه مساعد وزير الخارجية السعودي (حضر الاجتماع نيابةً عن الوزير عادل الجبير الذي كان برفقة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز): هكذا أقوال لم تعد تنطلي علينا، نريد أفعالاً لا أقوالاً.
في وقت كشفت مصادر ديبلوماسية لـ”المستقبل” أنّ نائب وزير الخارجية الإيراني عباس عرقجي كان قد استدعى 5 سفراء لدول عربية وإسلامية مشاركة في قمة اسطنبول من بينهم السفير اللبناني في طهران ناقلاً لهم تمنيات بلاده بالتحفظ على الفقرات المنوي إقرارها في القمة لإدانة إيران، غير أن التمنيات الإيرانية لم تلقّ آذاناً صاغية في عواصم هذه الدول وهو ما ظهر من خلال الإجماع الساحق على إدانة التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية.
وتنص فقرة إدانة التدخلات الإيرانية في مسودة البيان الختامي المتوافق على إقرارها غداً على ما حرفيته: “أدان المؤتمر تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودول أخرى أعضاء، منها البحرين واليمن وسوريا والصومال، واستمرار دعمها للإرهاب”. وذلك بالإضافة إلى ثلاث فقرات تعبّر عن وجوب أن تكون علاقات إيران مع الدول الإسلامية “قائمة على مبادئ حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول”، وعن إدانة الاعتداءات التي تعرضت لها البعثات الديبلوماسية السعودية في طهران ومشهد، ورفض المؤتمر “التصريحات الإيرانية التحريضية في ما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحق عدد من مرتكبي الجرائم الإرهابية في المملكة” باعتبار هذه التصريحات تشكل “تدخلاً سافراً” في الشؤون الداخلية السعودية.
ترقب عربي لكلمة سلام
وبعد ظهر اليوم يلقي رئيس مجلس الوزراء تمام سلام كلمة لبنان أمام المؤتمر الاسلامي، بعدما وصل مساءً إلى اسطنبول مترئساً الوفد اللبناني الرسمي المؤلف من وزراء الخارجية والمغتربين جبران باسيل والمالية علي حسن خليل والزراعة أكرم شهيب والبيئة محمد المشنوق. وعقد سلام فور وصوله إلى مقر إقامته في فندق “فورسيزنز” اجتماعاً مع الوفد الوزاري المرافق وسفير لبنان لدى منظمة مجلس التعاون الاسلامي عبد الستار عيسى وقنصل لبنان في اسطنبول هاني شميطلي.
وإذ يجتمع اليوم بنظيره التركي أحمد داود أوغلو، علمت “المستقبل” أنّ سلام سيلتقي كذلك أمير دولة الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح وأمير قطر الشيخ تميم بن حمد بن خليفة آل ثاني من ضمن سلسلة لقاءات مرتقبة مع رؤساء الوفود المشاركة في القمة بناءً على طلبات بذلك تقدم بها لبنان ولا يزال ينتظر تأكيد حصولها، وسط ترقب عربي لمضامين الكلمة التي يلقيها سلام اليوم عبرت عنه مصادر ديبلوماسية خليجية بالقول لـ”المستقبل”: “المطلوب مواقف ملموسة تؤكد أنّ الدولة في لبنان مختلفة في أدائها عن أداء “حزب الله” تجاه العرب”.
وفي المعلومات ذات الصلة ببند الإدانة الوحيد لـ”حزب الله” الوارد في مسودة البيان الختامي لقمة اسطنبول، فإنه ينصّ في حرفيته على التالي: “أدان المؤتمر “حزب الله” لقيامه بأعمال إرهابية في سوريا والبحرين والكويت واليمن، ولدعمه تحركات جماعات إرهابية تزعزع أمن واستقرار دول أعضاء في المنظمة”. على الاثر، تحفظ كل من لبنان والجزائر وأندونيسيا فضلاً عن إيران على هذا البند في حين طلب رئيس الوفد العراقي بعض الوقت لاستشارة حكومة بلاده حول الموضوع من دون أن يتضح حتى الساعة جوابها.
وعن مضمون كلمة سلام، من المتوقع أن تتضمن إدانة لبنان للتدخلات الخارجية في شؤون الدول العربية وتهديدها استقرار هذه الدول ووحدتها وأمنها، مع توجيه نداء للجمهورية الإسلامية في إيران يدعوها إلى إجراء مقاربة مختلفة للعلاقات مع العرب، بالتوازي مع إعراب رئيس الوزراء اللبناني عن رفض سعي البعض إلى خلق وقائع سياسية في الدول العربية من خلال القوة.
جدول القمة
وكان قادة ورؤساء الدول الأعضاء في منظمة التعاون الإسلامي قد بدأوا بالتوافد تباعاً إلى مدينة اسطنبول للمشاركة في الدورة الثالثة عشرة لمؤتمر القمة الإسلامية تحت عنوان “الوحدة والتضامن من أجل العدالة والسلام”، وسط استبعاد مشاركة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. ويتدارس قادة الدول الأعضاء في المنظمة وثيقة تشمل قضية فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي وحالات النزاع في العالم الإسلامي والهجرة ووضعية المجتمعات المحلية المسلمة في الدول غير الأعضاء، إضافة إلى مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف والإسلاموفوبيا والوضع الإنساني في العالم الإسلامي، وبرنامج الخطة العشرية لمنظمة التعاون الإسلامي وتعزيز التعاون العلمي في مجالات الصحة والتعليم العالي والبيئة بين الدول الأعضاء. كما سيتدارسون تعزيز التعاون الثقافي والاجتماعي والإعلامي والقضاء على الفقر وتطوير البنية التحتية والمسائل القانونية والتنظيمية وتمكين منظمة التعاون الإسلامي من الوفاء بولايتها.
وبحسب نسخة مشروع البيان الختامي التي نشرتها قناة “العربية” يطالب المشروع إيران بوقف تدخلاتها في شؤون دول الجوار، ويدعو إلى دعم التحالف العسكري الإسلامي، مع التأكيد على ضرورة عقد مؤتمر دولي للسلام في وقت مبكر لوضع آليات لحماية الشعب الفلسطيني، وإنهاء الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967. ومن أبرز نقاط البيان في مشروع البيان الختامي الذي جاء في 37 صفحة وبواقع 196 قراراً معتمداً ويتوقع صدورها غداً:
– ضرورة أن تكون علاقة إيران مع دول الجوار قائمة على حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية واحترام سيادة واستقلال دول الجوار، وحل الخلافات بالطرق السلمية.
– أدان المؤتمر تعرض البعثات الدبلوماسية السعودية في طهران ومشهد للاعتداء.
– رفض المؤتمر تصريحات إيران التحريضية في ما يتعلق بتنفيذ الاحكام القضائية الصادرة بحق عدد من مرتكبي الجرائم الإرهابية في السعودية.
– أدان المؤتمر تدخلات إيران في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ودول أخرى أعضاء، منها البحرين واليمن وسوريا والصومال واستمرار دعمها للإرهاب.
– ضرورة الحفاظ على وحدة سوريا واستقلالها وسيادتها وسلامتها الإقليمية، ودعم المؤتمر لإيجاد تسوية على أساس بيان جنيف، بغية تنفيذ عملية انتقال سياسي يقودها السوريون.
– ترحيب ودعم قرار مجلس الأمن 2254 حول سوريا الذي يدعم خارطة طريق دولية لعملية السلام في سوريا.
– رحب المؤتمر باعتماد قرار مجلس الأمن رقم 2259 بشأن ليبيا الذي يحدد المهام الانتقالية للسلطات الليبية.
– رحب المؤتمر بتوقيع الاتفاق السياسي الليبي في الصخيرات ورحب بتشكيل المجلس الرئاسي وحكومة الوفاق الوطني.
– دعا المؤتمر كل البلدان إلى الامتناع عن التدخل في شؤون ليبيا الداخلية، بما في ذلك توريد الأسلحة للجماعات المسلحة واستخدام وسائل الإعلام للتحريض على العنف ومحاولات تقويض العملية السياسية.
– دعم كامل للحكومة العراقية في جهودها للقضاء على الجماعات الإرهابية، وكيان داعش الإرهابي.
– دعم المؤتمر المتواصل للشرعية الدستورية في اليمن واستئناف العملية السياسية للوصول إلى حل سياسي قائم على تنفيذ مبادرة مجلس التعاون الخليجي ومخرجات الحوار الوطني اليمني.
– أكد المؤتمر الالتزام بقرارات مجلس الأمن الدولي ذات الصلة باليمن، لاسيما 2201 الذي يدعم الشرعية باليمن ويدين ويعاقب “هؤلاء” الذين يعوقون ويقوضون العملية السياسية وقرار مجلس الأمن 2216 الذي دعا الحوثيين الى سحب قواتهم من جميع المناطق التي استولوا عليها وقرار حظر تسليحهم.
– أيد المؤتمر جهود السعودية والدول الأعضاء في مكافحة الإرهاب، وأعرب عن دعمه للتحالف العسكري الإسلامي لمكافحة الإرهاب ودعا كل الدول الأعضاء المهتمة الى الانضمام إليه.
– شدد المؤتمر على أن الحرب على الارهاب أولية كبرى لجميع الدول الأعضاء.
– تأكيد المؤتمر على ضرورة عقد مؤتمر دولي للسلام في وقت مبكر لوضع آليات لحماية الشعب الفلسطيني وانهاء الاحتلال الاسرائيلي للأراضي الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967.
– رحب المؤتمر بالحوار بين الأطراف السياسية اللبنانية، وحث الدول الأعضاء على تقديم كل الدعم لتعزيز قدرات الجيش اللبناني والقوى الأمنية للقيام بمهامها في محاربة التنظيمات الإرهابية ولضمان السلم الأهلي والاستقرار في لبنان.
– أدان “عدوان” جمهورية أرمينيا على أذربيجان ودعا أرمينيا لسحب قواتها فورا من ناغورني كاراباغ.
– دعم المؤتمر لحكومة الوحدة الوطنية الأفغانية، ورحب بجهود السلام والمصالحة التي تقودها أفغانستان وجهود مجموعة التنسيق الرباعية لأفغانستان.
– الدعم المبدئي لشعب جامو وكشمير وحقه في تقرير مصيره، وفق مقررات الأمم المتحدة، وقلق المؤتمر من استخدام الهند للعنف و”انتهاكاتها” الصارخة لحقوق الإنسان وطالبها بالتفريق بين الكفاح والإرهاب.