ميليسا لوكية
على وقع الخلافات السياسية والفضائح المكشوفة أمام العامة، تتنقل الآثار السلبية المترتبة عنها من قطاع إلى آخر بدون رادع. فبعدما علت أخيراً أصوات المزارعين المحتجّين على إدخال كميات من البطاطا المصرية إلى البلاد، جاء دور مربّي الدواجن للوقوف أمام دفق الفراريج المجلّدة إلى السوق المحليّة، في حين أنَّ هؤلاء قادرون على تلبية الحاجة إليها بلا منّة الاستيراد.
مرّت 12 سنة على معاناة مربّي الدواجن من اقتحام الفراريج المجلّدة والقواطع أسواق لبنان، بذريعة أنَّها تحمل وسمة عربية تسهّل عبورها. فبعدما وقّعت البلاد في العام 2002 على اتفاق “المنطقة العربية الحرة”، الذي يقضي بتبادل المنتجات التجارية التي تحمل شهادة المنشأ العربية بين دول المنطقة بدون رسوم جمركية، عمد بعض المستوردين إلى الإفادة من الموضوع على طريقتهم الخاصة، فانعكس ذلك سلباً على الإنتاج المحلي.
ويشرح نقيب قطاع الدواجن موسى فريجي لـ”النهار” أنَّ لبنان يدفع مبلغ 1000 ليرة لكل كيلوغرام من الفراريج المجلّدة المستوردة من دول غير عربية، وتحديداً البرازيل وأوكرانيا اللتين تعتبران مزوّدين رئيسيين، مقابل 2000 ليرة لكل كيلوغرام من المقطّعات.
وفي محاولة من بعض التجار لتفادي دفع هذه الرسوم، يتابع: “بدأ بعضهم يذهب إلى عمان الأردنيّة لتغيير الشهادة الملصقة على المنتج إلى وسمة عربية، بما يتيح ولوجها إلى لبنان من دون الخضوع للرسوم”، مضيفاً أنَّ “الأمر عينه ينطبق على المصنفات، أي الناغتس والهامبرغر مثلاً”.
وقد طالبت النقابة الوزراء “المتناحرين” بوضع حد لهذه المخالفة، وفق فريجي، فلم يلق ذلك أي تجاوب “لعدم رغبتهم مواجهة الإمارات والأردن اللتين تستوردان من لبنان البطاطا وبعض المنتجات الزراعية”. لكنّه يضيف أنَّ وزير الإقتصاد ألان حكيم “أبدى رغبة في مساعدتهم، في حين أنَّ وزير الخارجية جبران باسيل قال إنَّه سيكلّف السفارة اللبنانية في البرازيل تفقّد سعر هذه المنتجات في السوق، ليتم لاحقاً مقارنتها بأسعارها في الإمارات والأردن، والتأكد تالياً من أنَّ المنتج الذي يدخل لبنان مع وسمة عربية ليس في الواقع عربياً”.
وللنقابة مجموعة من المطالب الأخرى، يلخصها فريجي بمضاعفة الرسم الجمركي للمنتجات الآتية من دول غير عربية، خصوصاً أنَّ العملة البرازيلية تراجعت كثيراً أمام الدولار، شارحاً أنَّ “النقابة لا تستطيع الإستمرار في ظل الأوضاع الراهنة”، ومؤكداً أنَّ مرّبي الدواجن في لبنان يلبون حالياً 50% من حاجة السوق، في حين أنَّهم قادرون على تلبيتها كلها، مستعينين بخبراتهم الواسعة في هذا المجال، والتي تعود إلى العام 1957. ويختم فريجي بالإشارة إلى أنَّ ما يصل إلى 113 مزرعة في عكار مقفلة، في مقابل 68 في البقاع، تستطيع كلّها معاودة العمل وتعزيز الإنتاج المحلي.
وتتمتّع وزارة الإقتصاد بصلاحيات عدّة في هذا المجال، تتيح لها التخفيف عن كاهل العاملين في هذا القطاع. ومن أبرز ما يمكن أن تقوم به، بحسب مستشار وزير التجارة والإقتصاد جورج خوري، التأكد من صحة منشأ البضائع، إذ أنَّ “بعض الدول مشكوك بصحة منشئها، خصوصاً أنَّ البضائع التي تأتي من الدول العربية، والمعفية من الرسوم، يُفترض أن تتمتّع بقيمة مضافة تصل إلى 40%”.
ويقول خوري لـ”النهار” إنَّ الوزارة خاطبت الجهات المعنية في الدول العربية، مطالبة إيّاها بالتزام اتفاق “المنطقة العربية الحرة”، على أن تتخذ الإجراءات اللازمة على ضوء جواب هذه الدول. وهنا، يلفت إلى أنَّ الوزارة مستعدّة لإجراء تحقيق ميداني إذا لم تقتنع بالأجوبة.
ويواجه لبنان في الآونة الأخيرة زيادة غير طبيعية في الواردات. وبحسب خوري، فإنَّ الوزارة قادرة على إجراء دراسة لكشف أسباب هذا الاستيراد الذي يشبه الإغراق، والمطالبة تالياً بزيادة الرسوم الجمركية وفقاً للفارق بين تكلفة الإنتاج المحلي وتكلفة الإستيراد.
ويختم خوري بأنَّ وزارة الإقتصاد معنيّة أيضاً بمراقبة الأسواق منعاً لغش المستهلك، والتأكد من الفصل بين الفراريج المجلدة والطازجة مثلاً، مشدّداً على أنَّها طلبت إلى المجلس الأعلى للجمارك اتخاذ الإجراءات اللازمة في ما يتعلّق بالتهريب، رغم أنَّ هذا الأمر ليس من صلاحياتها.
في هذا الإطار، بحث وزير الاقتصاد والتجارة آلان حكيم مع وفد من نقابة قطاع الدواجن في واقع القطاع والمشكلات التي يتخبّط فيها، خصوصاً حيال المنافسة من الفروج والبيض المجلّد المستورد، وطالب الوفد بحماية الانتاج الوطني.
وعلى اثر الاجتماع، توجّه حكيم الى المعتصمين في الباحة أمام مدخل الوزارة قائلاً: “الوزارة وزارتكم وهي لخدمتكم. مطلبكم واضح وموجود لدينا وهو من الأولويات التي نعمل عليها أنا ووزير الصناعة حسين الحاج حسن، ونحن على اقتناع تام بحماية الانتاج الوطني، الصناعي والزراعي”.
وقال: “قمنا بكل الخطوات اللازمة لحماية القطاع الزراعي وقطاع الدواجن. ندرس حالياً موضوع قرار حماية المستهلك من التزوير والغش مع النقابة لايجاد حل نهائي. توجّهنا والوزارات المعنية هو حماية الانتاج الوطني واعادة تنشيط القطاع الزراعي، ولو كان لدينا قطاع زراعي معافى لما كنا بهذه الحال”.