كتب حكمت عبيد في صحيفة “السفير”:
امتنعت رئيسة المحكمة الخاصة بلبنان إيفانا هيرلدشكوفا عن التعليق على الخبر الذي نشرته صحيفة «روز اليوسف» المصرية من أن المدعي العام لدى المحكمة نورمان فاريل بدأ البحث مع السلطات اللبنانية في إجراءات طلب تسليم الأمين العام لـ«حزب الله» السيد حسن نصرالله، في إطار مسؤوليته عن اغتيال الرئيس رفيق الحريري.
واكتفت هيرلدشكوفا بالإشارة الى أنها لا تعلّق على افتراضات أو تكهنات صحافية، وأضافت في مقابلة مع «السفير» أن مصدر المعلومات المتعلّقة بالمحكمة هو الموقع الإلكتروني أو ما يصدر عن المتحدّثة الرسمية.
وعن نتائج عمل المحكمة بعد 7 سنوات على تأسيسها و11 عاماً على اغتيال الحريري، تؤكّد أنّ «الأفضل أن تتمّ المحاكمة بفترة قصيرة بعد الأحداث، والأولوية الآن معطاة لتحسين سرعة المحاكمة، ولكن إذا أخذنا بعين الاعتبار العدالة الدولية فهي ليست دائما بالسرعة المرغوبة».
وسألت: «هل نفضل محاكمة سريعة وراء أبواب مغلقة حيث إن الحقوق المعطاة لاستجواب الشهود وتقديم الأدلة محدودة، أو نفضل محاكمة شفافة وعادلة علنية وتعطي الدفاع كل الحقوق كإجراء الاستجوابات المضادة والتوصل في النهاية إلى قرار قضائي مستقل؟».
وذكّرت هيرلدشكوفا بأنّ المحكمة الخاصّة بلبنان عرفت تطوّرات كبيرة بالأدوات المتوفرة لها، لا سيما أنّها اعتمدت فكرة المحاكمة الغيابية وإن كانت «ليست بالفكرة المثالية»، معتبرة أنه «من الأفضل أن يمثل المتهم أمام المحكمة، ولكن إن كان ذلك غير ممكن وإذا ما كانت كل المعايير متوفرة، فيمكن المباشرة بالمحاكمة الغيابية، والمحكمة الخاصة بلبنان هي المحكمة الأولى بعد نورمبيرغ التي سمحت بإجراء المحاكمات الغيابية».
وشدّدت هيرلدشكوفا على «أنّنا نعمل بجهد كي ننهي إجراءات المرحلة الأولى من قضية الرئيس الحريري ضمن الولاية الحالية للمحكمة والتي تنتهي في شباط 2018، لكن حتى الآن لا نستطيع أن نقول شيئاً أكيداً، إذ إنّ الادعاء يتابع تقديم قضيته المتوقعة حتى نهاية العام، ثم سيقدم المتضررون قضيتهم لنحو ثلاثة أو أربعة أشهر، ومن ثم يأتي دور فرق الدفاع».
وعن إصرار المدعي العام لدى المحكمة في المضي باتهامه طرفاً سياسياً لبنانياً بأدلة يرقى اليها الكثير من الشك، وتجاهله لفرضيات أخرى ومؤشرات تتصل بأدوار لمجموعات إرهابية كفّرت واغتالت وأقدمت على عمليات إبادة وقتل جماعي، شدّدت رئيسة المحكمة على أنّه «في المحاكمات العادلة، يمكن التشكيك في الإثباتات التي يقدّمها الطرف الآخر، وفي هذه الحالة نحن في المحكمة الخاصة بلبنان وصلنا الى مرحلة يقوم فيها المدعي بتقديم إثباتاته. وعليه أن يقرّر أياً من الإثباتات سيقدم من أجل دعم القرار الاتهامي، وبالطبع يحق لفرق الدفاع أن تطعن في الأدلة أو الإثباتات التي يقدمها المدعي العام، ويمكنها أن تقوم بالاستجواب المضاد للشهود. وعندما سينتهي المدعي العام من تقديم أدلته ونتوقع أن يحصل ذلك بنهاية هذا العام، ستسنح فرصة للمتضررين لعرض قضاياهم، وبعدها يبدأ دور الدفاع».
وأضافت: «نحن الآن في مرحلة يقدم الادعاء قضيته ويشكك الدفاع بأدلة المدعي العام، ولاحقاً ستقدم فرق الدفاع قضيتها وسيشكك المدعي العام بأدلتها»، مذكرةً بوجود «خمسة متهمين ولكل واحد منهم فريق من محامي الدفاع، ومحامو الدفاع نشيطون للغاية، ويحمون حقوق المتهمين».
وعما إذا كان ثمة طرق من داخل المحكمة أو خارجها للتعويض على الزميلة كرمى خياط وشركة «الجديد» بعد قرار التبرئة الصادر عن هيئة الاستئناف لدى المحكمة، لفتت هيرلدشكوفا الانتباه إلى أنّ «المدعي العام يباشر التحقيق فور توفر أدلة أولية. فإذا ما كانت الإثباتات كافية فعندها يمكن عرض القضية على المحكمة فيقوم القضاة المحايدون بتقييم هذه الإثباتات كي يتوصلوا الى قرار مستقل، إما بالتبرئة أو بالإدانة، من المهم أن نفهم هذا المبدأ وأن نفهم دور القاضي في هذا الإطار».
وأوضحت أنّ «القرار الاتهامي أو القرارات الاتهامية لا تؤدي بالضرورة الى الإدانة، وإلا لما كنا بحاجة الى محكمة. أما بالنسبة لقضية التعويض، فإن المحاكم الوطنية تنصّ على سبل التعامل مع مثل هذه الحالات. إذا كان هناك استنكاف عن إحقاق الحق، فيحق لأي شخص أن يطالب بالتعويض وفقاً للتشريعات. لكنّ الحق بالتعويض ليس حقاً تلقائياً إذا ما كان هناك استنكاف الحق، فيمكن المطالبة بالتعويض والحصول على تعويض».
وأشارت إلى أنّه «في قواعد الإجراءات والإثبات يتحدثون عن الاستنكاف عن إحقاق الحق، وفي هذه المرحلة يجب أن تتوفر معايير أخرى للمطالبة بالتعويض، إذاً التعويض لا يأتي تلقائياً».
وعن مستوى العلاقة مع القضاء اللبناني وما إذا كانت تعتبره ذا أهلية للإمساك بقضايا كبيرة؟ رأت أنّ «العلاقة بين المحكمة والسلطات أساسي لعملها، لكن لا يمكنها تقييم النظام القضائي اللبناني أو أي نظام قضائي آخر».
ورداً على ما يعتبره بعض القضاة اللبنانيين من أن مجرد وجود المحكمة أمر ينتقص من مكانتهم وأهليتهم، خصوصاً أنّ ملفّ المدّعي العام بأجمعه قد استند إلى ما حقّقه القضاء العسكري اللبناني والأجهزة الأمنية اللبنانية، أكّدت هيرلدشكوفا أنّ «الهدف من إنشاء المحكمة الخاصة بلبنان كان المساهمة في تعزيز دور القضاء وليس تقويض دور القضاء. فهناك أربعة قضاة من أصل أحد عشر قاضيا هم من القضاة اللبنانيين المميزين، وباعتقادي أن المجتمع اللبناني يستطيع الاستفادة من عمل المحكمة»، مشيرة إلى أنّه «من المهم أن نعرف أن قرار إنشاء المحكمة لم يأت من المحكمة بحد ذاتها، والدور الأساسي الذي تضطلع به المحكمة هو دور قضائي وليس سياسيا».
وعن مدى تعاون بعض الجهات اللبنانية مع فرق الدفاع وطلب إحدى الفرق تنظيم محضر قضائي بعدم التعاون لعرضه على مجلس الأمن، قالت هيرلدشكوفا: «لا أستطيع أن أعلّق عليها لأنني قاضية في هيئة الاستئناف. والمادة 20 من القواعد التي تشرح بالتفصيل دور القضاة ودور الغرف ودور الرئيس، ولكن إذا عرضت عليّ هذه القضية فسوف أعالج الموضوع بطريقة مستقلة وغير منحازة مع الزملاء القضاة».