كريستوفر ديمبيك، محلل اقتصادي لدى ’ساكسو بنك‘
قد نخطئ في الاعتقاد بضرورة الإسراع في التوصل إلى اتفاق ضمن اجتماع الدوحة المزمع عقده في أبريل الجاري 2016. وستكون نتائج هذا الاجتماع غير ذات صلة، ولن تستعيد أسعار النفط مكاسبها بشكل فوري أو كاف لتحقيق التوازن في المالية العامة للغالبية العظمى من الدول المنتجة للنفط. وعلى الرغم من الانخفاض الملحوظ في أسعار النفط منذ منتصف عام 2014، إلا أنه لا يزال، وعلى نطاق واسع، فوق سعره المتوسط على المدى الطويل. ومنذ عام 1861 وحتى اليوم، يقدر متوسط السعر الحالي لبرميل النفط بنحو 33.90 دولاراً. وتتيح التحليلات التاريخية لنا استنتاج أن الفترة الحالية لا تعد مرحلة شذوذ على الإطلاق، وإنما هي الفترة بين عامي 2011 و2014. ولم تكن العائدات على النفط ثابتة منذ انطلاق الثورة الصناعية.
ويعتبر وجود تقارب في المصالح عنصراً مهماً في التوصل إلى اتفاق، وهو أمر لم يتحقق بعد. وتخوض إيران والعراق مساعٍ حثيثة لإعادة اكتساب حصتهما في السوق. ولم نتفاجأ بارتفاع مستوى الإنتاج الشهري بنسبة 13% في إيران بالمقارنة مع يونيو 2014، وبنسبة 32% في العراق خلال الفترة نفسها. ويبيّن ذلك عدم استعدادهما لتجميد الإنتاج. وعلى المدى القصير، يركز السوق على إيران، ولكن، وعلى المدى الأبعد، تشكل الزيادة في الإنتاج العراقي معظم الأخطار المحدقة على العرض. وتتحمل دولتان بلا منازع تكاليف استراتيجية التحكم بالسوق التي أطلقتها المملكة العربية السعودية والدول الأخرى في دول مجلس التعاون الخليجي: وهما فنزويلا والجزائر. وعجز قطاع النفط في الحالتين عن التكيف مع انخفاض الأسعار، مما أدى إلى انخفاض الإنتاج الشهري بمعدل 0.3% في فنزويلا وبنحو 6.7% في الجزائر بالمقارنة مع يونيو 2014. وتواجه هاتان الدولتان خطراً شديداً يتمثل في إمكانية لجوئهما لاتخاذ تدابير مالية استثنائية على المدى المتوسط (تخفيض قيمة العملة، تجميد الأسعار، فرض ضوابط على رأس المال) فضلاً عن المساعدات الدولية على المدى الأبعد.
وفي سياق متصل بأسعار النفط المنخفضة على المدى البعيد، يمكن تلخيص مدى حاجة الدول المنتجة في نقطتين: أولاً، ينبغي على أسعار برميل النفط أن تغطي تكاليف الإنتاج، وهي الحال الراهنة، بما في ذلك فنزويلا حيث تكون النسب هي الأعلى عند عتبة 23.50 دولاراً للبرميل؛ وثانياً، ينبغي تحقيق التوازن في أسعار النفط لتمكين هذه الدول من الانتقال اقتصادياً في ظل أدنى حد من الظروف المواتية. وقد بدأت هذه العملية للتو. وبادر أعضاء ’أوبك‘ إلى دمج الحاجة إلى تنويع مصادر عائداتهم لبيع الأصول لمن يستطيع، أو اللجوء إلى القروض الدولية في بيئة أسعار فائدة منخفضة. وبالنظر إلى قدرة دول الخليج على التكيف والاستراتيجيات الوطنية المتأصلة في إيران والعراق، تتملص المنظمة من لزوم توصلها إلى اتفاق بأي ثمن على المدى القصير.
ثلاثة سيناريوهات ممكنة في الدوحة:
– عدم التوصل إلى اتفاق على الإطلاق. وفي هذه الحالة الافتراضية، يمكن أن يهبط سعر برميل النفط بسرعة كبيرة ليتراوح بين 30-33 دولاراً على المدى القصير جداً بعد الإعلان، وذلك قبل العودة مجدداً في المدى المتوسط لنطاق تداوله على مدى الأسابيع القليلة الماضية بين 35-40 دولاراً. وهو سيناريو محتمل جداً نظراً إلى المعلومات المتوفرة حالياً وأساسيات السوق. وقد تكون الدوحة في نهاية المطاف فعالية محبطة الآمال بالنسبة للمستثمرين. ويمكن أن تتوصل دول ’أوبك‘ إلى اتفاق عالمي في شهر يونيو المقبل؛
– اتفاق بالحد الأدنى والذي قد يتمثل في تجميد للإنتاج في العديد من الدول المنتجة تحت نفس الخطة ووفقاً لاتفاق فبراير. ولن تسهم مثل هذه النتائج في حل مشكلة العرض في السوق واستمرار الضغوطات نحو تخفيض الأسعار. وعلاوة على ذلك، ينبغي أن تكون مسألة الامتثال لشروط الاتفاق من قبل جميع أصحاب المصلحة جاهزاً وعلى الطاولة. وفي الواقع، بادرت روسيا – وبشكل متحرر نوعاً ما – إلى تفسير قرار تجميد الإنتاج في فبراير والمشاركة فيه. وقد واصل الإنتاج الروسي ارتفاعه في مارس ليصل إلى أقصى حد له منذ نهاية الحقبة السوفييتية عند 10.91 مليون برميل في اليوم. وأخيراً، لا يصب اتفاق الحد الأدنى بوضوح في مصلحة المملكة العربية السعودية لأنه يتمثل في إعطاء شيك على بياض لإيران لاسترداد أسهمها في السوق؛
– التوصل إلى اتفاق عالمي يشمل إيران. ويمكن أن يتضمن بنداً خاصاً يمنح طهران فرصة تأخير إضافية للوصول إلى مستوى أعلى من إنتاج النفط قبل التجميد الكامل. ويعتبر هذا السيناريو الأقل سوءاً بالنسبة لكافة الدول المنتجة للنفط، ولكنه يعني ضرورة تطبيق ضغوطات قوية على إيران للقبول. وهي الطريقة الافتراضية الوحيدة التي تستطيع رفع أسعار النفط وصولاً إلى القيمة المستهدفة عند 50 دولاراً للبرميل، والتي حددتها منظمة ’أوبك‘ على المدى المتوسط. ولن يكون التوصل إلى مثل هذا الاتفاق سهلاً، وقد ينطوي على رقابة صارمة على أسعار السوق من جانب ’أوبك‘. وبالفعل، لا يمكن للمنظمة أن تتحمل عودة الأسعار إلى 50-60 دولاراً للبرميل لأنه في مثل هذا المستوى، سيستفيد منتجو النفط الصخري في أمريكا مرة أخرى ويمكنهم إغراق السوق بإمداداتهم.
وحتى في حال التوصل إلى اتفاق عالمي، ستقف ’أوبك‘ عاجزة عن كبح جماح الظهور الذي لا مفر منه للتهديد المزدوج من الإنتاج العراقي والنفط الصخري والتي تنخفض تكاليفها التشغيلية بشكل سريع، وذلك بفضل التقنيات المبتكرة. ويدرك أعضاء ’أوبك‘ قدرتهم على كسب الوقت وينبغي عليهم الاستفادة من هذه الحالة لتنويع اقتصادهم، والمبادرة في بعض الأحيان إلى إصلاح نظمهم الاجتماعية رديئة التكيف مع عصر أسعار النفط المنخفضة.