كتب راجح الخوري في صحيفة “النهار”:
تفيد تقارير ديبلوماسية عليا ان وزير الخارجية الأميركي جون كيري فوجئ خلال زيارته الأخيرة لموسكو عندما قدم له نظيره الروسي سيرغي لافروف مسودة دستور سوري جديد، وطلب منه درسه وإبداء الملاحظات عليه، تمهيداً للتوصل الى مسودة مشتركة تقوم كل من موسكو وواشنطن بتسويقها لدى حلفائهما!
هذه المعلومات ظلّت موضع شكوك وتساؤلات، الى ان جاءت تصريحات لافروف الخميس 14 نيسان لتؤكّدها عندما أعلن في مؤتمر صحافي مشترك مع نظيرته الأرجنتينية سوزانا مالكورا انه “من المتوقع ان يتفق الأطراف السوريون المتفاوضون في جنيف على مسودة دستور جديد، وان ذلك الدستور سيُعتمد كأساس للإنتقال الى النظام الجديد، على ان يتم تنظيم إنتخابات جديدة مبكرة”!
من الضروري الإنتباه الى ان هذا الكلام جاء وقت كان الرئيس السوري بشار الاسد يجري أول الخميس انتخابات نيابية، اعتُبرت مسخرة المساخر في نظر المعارضة والأمم المتحدة وعدد كبير من الدول، بما يعني إنها لن تلبث ان تفقد معناها الدستوري والتمثيلي، وخصوصاً بعدما تحدث لافروف صراحة عن انتخابات مبكرة، بما يعني ان الإنتخابات التي اجراها الاسد مجرد إجراء مرحلي هدفه عدم السماح بحصول فراغ في السلطتين التشريعية والتنفيذية.
أكثر من مسخرة المساخر، ان تكون مسودة الدستور السوري الجديد كتبت في روسيا وان “الشركاء” الأميركيين تسلموا نسخة عنها لإبداء الملاحظات تمهيداً لتسويقها لدى حلفائهم، ولا يهمنا هنا ماذا سيكون رأي الاسد الذي لن يقدم او يؤخّر، بل ماذا سيكون رأي الإيرانيين الغارقين في الوحول السورية، إلا اذا كان الأمر سيوفّر لهم حجة للخروج من المأزق المتزايد الذي يواجههم!
ما هو أكثر من المسخرة ان يواصل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والجوقة السياسية سواء في موسكو أو في طهران الحديث عن حق الشعب السوري في تقرير مصيره، في حين يقوم الروس بكتابة مسودة دستوره الجديد نيابة عنه ويتولى الأميركيون وضع الملاحظات عليها تمهيداً لتسويقها والأصدق لفرضها على السوريين.
في هذا السياق لست أدري ما الفرق بين بشار الأسد عندما يجري انتخابات المسخرة، ولافروف الذي يكتب دستور المسخرة وكل ذلك بإسم الشعب السوري ونيابة عنه، وقت بات أكثر من نصف الشعب السوري إما في القبور وإما في اللجوء.
الشعب السوري هو الذي يقرر مصيره وهو صاحب الحق الوحيد في هذا الشأن، صحيح تماماً ولكن أين هو الشعب السوري اليوم، مليونان ونصف مليون في تركيا، ومليونان في لبنان، و٨٠٠ ألف في الاردن، وأكثر من أربعة ملايين في التيه داخل سوريا، والاسد يجري انتخابات نيابة عن الشعب ولافروف يكتب الدستور لهذا الشعب… ويحدثونك حرام عن حق السوريين في تقرير مصيرهم!