IMLebanon

تحويل «الشراكة» إلى مطلب جماهيري

Leb-streets
كثرت في الآونة الأخيرة ورش العمل والمؤتمرات التي تنظمها مؤسسات «المجتمع المدني» عن أهمية الشراكة بين القطاعين العام والخاص. فجأة، بات موضوع الشراكة «مطلبا جماهيريا» أقرب إلى «trend» عالمي. سر هذه «الهجمة» يكشف الخلل الرئيسي الذي يعانيه «المجتمع المدني» جراء التطويع الذي خضع له على يد النيوليبرالية، إذ بات «يلهث» خلف التمويل وعلى اساسه يطوّع برامجه لتتناسب مع «أجندة» المموّل عوضا عن حاجات المجتمع، تماماً كما يحصل مع «مطلب» الشراكة. يفتح هذا الأمر باباً نحو مشكلة أكبر، فبسبب الفراغ الإعلامي الحاصل وغياب النقد والمواجهة، تصبح المطالب التي يطرحها هؤلاء اولوية اعلامية لا تخضع للمساءلة والنقد، ما يساعد على تصويرها بأنها مطالب الناس

إيفا الشوفي

منذ أيام، نظّمت شبكة المنظمات العربیة غیر الحكومیة للتنمیة والجمعیة اللبنانیة لتعزیز الشفافیة لا فساد وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي في لبنان وتحالف المجتمع المدني لفعالیة التنمیة ورشة عمل بعنوان «تطبیق أجندة 2030 للتنمیة المستدامة: مساءلة الجھات الفاعلة».

تناولت الورشة موضوعین أساسیین: الاول هو دور الشراكات المتعدّدة الأطراف ما بین الحكومات والممولین والقطاع الخاص في عملیة تطبیق أجندة 2030 التنمویة، التي ركّزت على أهمية الشراكة مع القطاع الخاص والشراكات الدولية، والثاني الحاجة لتعزیز المساءلة المتبادلة بين مؤسسات المجتمع المدني والجهات المانحة.

لماذا يطالب المجتمع المدني بالشراكة؟

منذ سنوات لم تكن مسألة الشراكة مع القطاع الخاص «مطلباً أساسياً» بالنسبة لمؤسسات «المجتمع المدني»، ما عدا تلك التي تختبئ خلف ستار المجتمع المدني إنما هي عبارة عن تجمع لرجال الأعمال، لكن منذ أيلول 2015 اختلفت البرامج وتبدّلت «الأجندات»، مع إطلاق الأمم المتحدة «خطة التنمية المستدامة لعام 2030» التي تضم 17 هدفاً اعتمدتها بالإجماع 193 دولة. أعلنت الأمم المتحدة آنذاك أنه «في 1 كانون الثاني 2016، يبدأ رسميا نفاذ أهداف التنمية المستدامة الـ17»، التي يجب ان تعمل البلدان على تحقيقها خلال السنوات الخمس عشرة المقبلة.
تلقّف لبنان بحماسة هذا الأمر منذ بداية العام وبات المجتمع المدني «مسخّراً» لخدمة هذه الأهداف لسبب بسيط: التمويل اليوم مخصص لهذه الخطة. بدوره، استغل القطاع الخاص أهداف الخطة فوجّه جهود مؤسسات «المجتمع المدني» إلى الهدف الرقم 17 الذي يحمل عنوان «تعزيز وسائل التنفيذ وتنشيط الشراكة العالمية من أجل التنمية المستدامة»، والذي يطالب «بتشجيع وتعزيز الشراكات العامة بين القطاع العام والقطاع الخاص وشراكات المجتمع المدني الفعالة، بالاستفادة من الخبرات المكتسبة من الشراكات ومن استراتيجياتها لتعبئة الموارد». نجح القطاع الخاص في إقحام الجمعيات بالضغط من أجل إقرار قانون الشراكة بين القطاعين العام والخاص المجمّد منذ 9 سنوات، وتسويقه على أنه «السبيل الوحيد لتحريك العجلة الإقتصادية»، ليصوّر القانون لاحقاً على انه «مطلب شعبي» مثل قانون حماية المرأة من العنف الأسري.

مصدر متابع للمؤتمرات الدولية ومواكب لعملية إطلاق الخطة يخبر أنّ «الأمم المتحدة رأت أن الدول فشلت في القيام بدورها، وبالتالي آن الأوان ليستلم القطاع الخاص ادوار الدولة ومن هنا كانت أجندة التنمية لعام 2030».
بصراحة، أعلن منظمو ورشة العمل أنّهم يسعون لتطبيق اجندة 2030 وأنّ الجلسة الأولى تستند بشكل أساسي الى الهدف 17، كما ذكرت ورقة الخلفية التي وُزّعت. هذه الورشة منظمة «بالتنسيق مع «المنتدى العالمي للمجتمع المدني حول فاعلية التنمية»، وهذا الأخير هو الإطار الدولي الذي نشأ منذ أربع سنوات لكي يقوم بتنظيم مشاركة المجتمع المدني في المفاوضات التي تدور حول فاعلية التنمية بين مختلف الشركاء التنمويين من منظمات دولية وحكومات وقطاع خاص».
في الواقع، لم تكن ورشة العمل عبارة عن تصفيق وتهليل للقطاع الخاص، إذ حصل نقاش جدير بالإهتمام بين الحاضرين يقوم على التوفيق بين الشراكة وحقوق الإنسان، ونقد لعمل القطاع الخاص، ما دفع مستشار وزير الاقتصاد جان طويلة، المكلّف الحديث عن دور القطاع الخاص في التنمية، إلى بدء مداخلته بالقول «نحن معاً ضد الطبقة السياسية فلا تخطئوا بالتصويب على القطاع الخاص». تحدّث طويلة عن «فظائع القطاع العام»، ومعدل النفقات الإستثمارية للدولة في البنى التحتية المنخفض، ليعلن أنّ «لبنان بحاجة الى 6.2 مليارات دولار استثمارات في البنى التحتية، بحسب المجلس الاعلى للخصخصة، ما يؤدي الى زيادة بنسبة 4.25% من الناتج المحلي وخلق 210 الاف فرصة عمل. لذلك يجب ان نعمل مع المجتمع المدني للضغط من اجل اقرار قانون الشراكة». يعرض طويلة مثالاً عن الشراكة في قطاع الكهرباء، وكيف يصبح «كل تكسير الراس» في انتاج الكهرباء على القطاع الخاص لينهي بخلاصة فريدة: «إذا وصلنا للشراكة فكل ما نراه من فساد وهدر وعمولة يختفي». غابت عن طويلة نتائج عقود مقدمي الخدمات في الكهرباء المكلفة وغير المجدية والشراكة مع «سوكلين» المدعى عليها من قبل النائب العام المالي.

في المناقشة رأى المدير التنفيذي لـ»شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية» زياد عبد الصمد ان «المدخل المطروح للاضاءة على دور القطاع الخاص هو من خلال الحاجة للإستثمار لتعزيز النمو، لكن لم يثبت حتى اليوم ان هناك علاقة سببية بين النمو والتنمية، وبالتالي بات من الواجب البحث عن نوعية الإستثمار الذي يحقق التنمية وليس أي استثمار، فالنمو يمكن أن يكون أثره سلبيا ويولّد لامساواة وفقرا. لذلك يجب التنبه عند الحديث عن صيغة تشريعية للشراكة يجب الّا تكون على حساب الحقوق، والاتفاق على معايير مقيّدة لرجال الاعمال تستند الى حقوق الانسان». نماذج الشراكة المبطّنة الموجودة لدينا تتمثّل على سبيل المثال لا الحصر في هيمنة القطاع الخاص شبه الكاملة على القطاع الصحي، وما نراه من موت للناس على أبواب المستشفيات لعدم امتلاكهم مبلغاً من المال يخوّلهم الدخول الى المستشفى. هذا لا يعني أنّ القطاع العام يقدّم أفضل الخدمات، لكنّ تصوير الأمر على أن القطاع الخاص هو المنقذ فيه الكثير من الخداع. فالقطاع الخاص، وفق ما أعلن الأمين العام للمجلس الأعلى للخصخصة زياد حايك، «دوره ليس اصلاح البلد انما الربح لذلك يجب وضع ضوابط على القطاع الخاص، أمّا إصلاح البلد فهو دور المجتمع المدني».

الركض خلف التمويل

لكن ماذا عن واقع جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الدولية؟ هل هي أفضل من الدولة والقطاع الخاص؟ الإجابة أتت على لسان من هم في صلب هذه المؤسسات.
عندما فُتح النقاش بعد جلسة الإفتتاح طرح سعيد عيسى، عضو المكتب التنفيذي في جمعية لا فساد، سؤالاً يوصّف واقع الحال: ماذا يفعل المجتمع المدني ليكون فعالا سوى أنه يركض خلف التمويل؟ أين الرقابة عليه كي لا يتحول إلى «بزنس»؟ يؤكد أحد الحاضرين التحوّل الذي طرأ على الجمعيات: «عندما يريد المجتمع مدني ان يقوم بمشروع ما إذا لم يجد تمويلاً له، يغيّر كل أجندته بما يتناسب مع التمويل الموجود وبالتالي يغير خطته الانمائية لأن التمويل مخصص لمشروع اخر غير آبه بحاجات المجتمع الفعلية!». فهل الشراكة هي حاجة فعلية للمجتمع المحلي اليوم؟
يقول الباحث في التنمية أديب نعمة إنّه «آن الآوان لأن يبحث المجتمع المدني بعمق عن كيفية التحرر من التأثير السلبي للمانحين على عمله، فبناء القدرات لا يجري بالتمويل او التدريب». يضيف نعمة ان «المطلوب من المجتمع المدني ان يقدّم دورا نوعيا عبر المساءلة. وكي يقوم بهذا الدور عليه ان يكون جريئا وذلك عبر استقلاليته عن مصادر التمويل».
في مداخلته يطرح سامر عبدالله أسئلةً جوهرية: من يساءل المجتمع المدني؟ الحكومة او المانح او من؟ بالمقابل ما هي آليات مساءلة المجتمع المدني للمانح؟ ماذا عن تمويل منظمات المجتمع المدني؟ ما هي الجمعيات التي تعرض ميزانيتها على موقعها؟ هل تراجع المنظمات مشاريعها؟ هل تقيس اذا ما كانت الأموال التي صرفت حققت أثرا مستداماً أم لا؟ يقول عبدالله «لينجح المجتمع المدني في القيام بدوره يحتاج الى ثقة لا تتعزز سوى بالشفافية والمساءلة»، أمّا لماذا نساءل منظمات المجتمع المدني؟ «لأنها قادرة على الحصول على أموال عامة. لأنها تتبنى قضية أو يوكل المجتمع لها قضية، وبالتالي لديها دور»، لكن «المجتمع المدني بات يتماهى مع القطاع الخاص والدولة والمانحين الذين يصعب مساءلتهم».

لا دور للدولة

الحديث عن ضعف مؤسسات المجتمع المدني وتخبّط الدولة لا يلغي مسؤولية الجهات المانحة والمنظمات الدولية التي «سيطرت» على مسار أزمة اللاجئين التي واجهها لبنان من دون أن تقيم أي اعتبار للدولة اللبنانية. في مداخلته تحدّث مستشار وزير الداخلية خليل جبارة عن المشاكل التي واجهت الدولة مع هذه المنظمات، إذ «كانت الـ UNDP الأكثر فعالية من بين المنظمات في موضوع تنمية المجتمعات المضيفة، أمّا وجود الدولة فلم يكن باعتبارها طرفاً اساسياً يدير النقاش وقد تُرجم هذا الأمر في خطة لبنان للاستجابة للأزمة السورية التي قادتها المنظمات الدولية. وعندما حاولت الحكومة أن تلعب دوراً وجدت أن لا مكان لها ضمن الجهات الفاعلة». ويضيف أنّ «ورقة لندن كانت المرة الأولى التي تقوم الحكومة بنفسها بوضع رؤيتها وخططها في مسألة اللاجئين». كذلك علّق الباحث أديب نعمة على تبني المفردات المستخدمة من قبل المنظمات الدولية مثل مصطلح «المجتمعات المضيفة»، معتبراً أنّ «مفهوم المجتمعات المضيفة خطير ورديء جدا لأنه يقول إن تأثير اللاجئين يمكن قياسه ضيعة ضيعة لكن في لبنان لدينا دولة مضيفة. هذا المفهوم يسمح للمانحين والدولة بأن يتدخلوا بشكل انتقائي في البلديات».