كتب محمد صالح في صحيفة “السفير”:
يتوقع ان تشهد عاصمة الجنوب صيدا (عدد الناخبين فيها 66.634 ناخباً) واحدة من أشرس المعارك البلدية في لبنان بعد أن ارتسمت معالم الخريطة السياسية للمنازلة بين تيار المستقبل ومعه الجماعة الإسلامية من جهة، وبين التنظيم الشعبي الناصري ومعه اللقاء الوطني الديموقراطي الذي يمثل شخصيات وفاعليات صيداوية من جهة ثانية. وما زال الدكتور عبد الرحمن البزري يدرس خياراته المتمثلة إما بالتحالف مع التنظيم الشعبي، أو غير ذلك من خيارات قد تتاح في اللحظات الأخيرة لكن المحسوم أنه لن يترشح شخصياً لرئاسة البلدية على غرار العام 2004.
وإذا كان تحالف النائبة بهية الحريري والرئيس فؤاد السنيورة و “الجماعة الإسلامية” قد حسم اسم “الرئيس” مع إعلان رئيس البلدية الحالي محمد السعودي الترشح لولاية ثانية من دارة الحريري في مجدليون، فإن “المبايعة” الفورية من بعض الهيئات الفاعلة في صيدا، بمن فيها مفتيها الشيخ سليم سوسان لهذا الترشح من دون التشاور مع بقية المكونات السياسية في المدينة كرست التعاطي من السعودي كطرف سياسي ربما كانت المعركة، وهو أيضاً، بغنى عنه، في ظل المعطيات التي تفيد أن المواجهة في عاصمة الجنوب لن تكون سهلة.
في المقابل “إن إعلان السعودي أزاح عن الحريري عبئاً ثقيلاً حيث كانت حتى الأمس القريب تبحث عن مخارج لاختيار الرئيس، كما شكل قارب نجاة من دون تحميلها أعباءً على المستويات كافة. في هذا الوقت يؤكد السعودي أمام زواره ما يفيد بـ: “أنا لست في جيب أحد وأنا مرشح عن كل صيدا، وليس لي عداوة مع أحد ولست خصماً، وقرار ترشحي اتخذته بعد سيل من الضغوطات التي تعرضت لها من أعلى المراجع”.
إلا أن الأمين العام للتنظيم الشعبي الناصري أسامة سعد تعامل مع ترشح السعودي من دارة الحريري كرسالة وقرار سياسي موجّهيْن ضده بالدرجة الأولى، وعليه راح يستعد للمعركة.
ويُجمع المراقبون أن معركة صيدا اللدية لاستحقاق العام 2016 لن تكون سهلة. اعتادت عاصمة الجنوب على المعارك السياسية المنسجمة مع موقعها ودورها وأهميتها، وخصوصاً تنوعها السياسي والحزبي وتخمر كل تلك التجربة على مرّ سنوات طويلة تعود إلى ما قبل الحرب الأهلية وخلالها وما بعدها، وصولاً إلى جمهورية الطائف والحريرية السياسية.
وإذا كانت النائبة الحريري تعتبر أن عنوان المعركة “إنمائي”، مستندة إلى ما تعتبره نجاح البلدية الحالية في بعض الملفات الإنمائية للمدينة، فإن هذا الكلام بالنسبة لخصومها “لا يتم صرفه إلا بالسياسة”، مشددين على ان “الحريرية السياسية تريد احتواء قرار المدينة السياسي والإنمائي، والتفرد بالنفوذ والسيطرة ونقل المدينة من ضفة إلى أخرى”. ويشير هؤلاء الى أن الحريري و “بعد أن حصدت صيدا النيابية وفق قانون 1960، تعود اليوم لتحاول تكريس الهيمنة على البلدية بعد أن حسمت إسم نائب الرئيس عبر تبني إعادة ترشيح نائب الرئيس الحالي ابراهيم البساط من قبلها أيضاً”.
وإذ تعتبر الجماعة الإسلامية؟، من جهتها، أن تجربتها البلدية الحالية “ناجحة ومشجعة”، يؤكد مسؤولها في الجنوب بسام حمود أنه “أول من دعا السعودي للاستمرار في تحمل المسؤولية والترشح مرة ثانية”.
لكن في المقابل فإن “الجماعة بتحالفها مع الحريري تضع شروطاً وتصر على حصص تحصل عليها”، لكن عينها دائماً على نيابة الرئيس انطلاقاً من اعتقاد القيمين عليها “أن وضعها يؤهلها لهذا المنصب”، إلا أن للنائبة الحريري رأياً آخر، وهي حسمت الأمر وكرست المكرَّس وقطعت الطريق على الجماعة.
في المقلب الآخر ينقل زوار عن سعد قوله “إن ربيع صيدا آت وسنخوض معركة القرار السياسي بعدما سبق ورفضنا ونرفض احتواء المدينة واحتكارها من أية جهة سياسية بمفردها ولن نقبل بجعلها ملكية خاصة”، مؤكداً المباشرة بالاستعداد للمواجهة.
وعقدت الهيئات القيادية في “الناصري” سلسلة لقاءات مع “القوى الصيداوية” و “اللقاء الوطني الديموقراطي” لإبلاغها الموقف بأن سعد “انطلق في الاستعداد للمعركة نظراً لعدم إمكانية حصول أي توافق مع “المستقبل”، وهي معركة كرامة صيدا السياسية والخيارات الوطنية، وهي عناوين تشكل بمضمونها مشروعيْن متناقضيْن، لا يلتقيان”.
أما الدكتور عبد الرحمن البزري فكشف عن عدم رضاه عن طريقة إعلان السعودي ترشحه والمكان الذي اختاره لهذا الإعلان، مضيفاً “لم يكن السعودي مضطراً لوضع نفسه في الواجهة في معركة كهذه لأنه بذلك انحاز بالكامل لخيار سياسي”. البزري كان يفضل إعلان السعودي ترشحه من بيته أو من البلدية وليس من دارة الحريري و “كان هذا أسلم له ولصيدا، ويترك الخيار للمكونات السياسية في المدينة تأييده أو رفض ترشحه”.
ويعلن البزري “أن السعودي لم يكن مضطراً لنسف خطوط التواصل التي كانت قائمة بينه وبين مع معظم المكونات السياسية في المدينة”، متسائلاً “لماذا كل هذا الاستعجال في الانحياز لطرف أو مكون سياسي بحد ذاته؟”.
ويبقى “للمستقلين” في عاصمة الجنوب رأيهم وصوتهم في المعركة بعد أن قرروا قول كلمتهم بصوت عال في كل المجالات المتعلقة بالبلدية وملفاتها ترشحاً واقتراعاً.
في المحصلة، توحي أجواء المدينة بالاستعداد لمعركة مقبلة ومختلفة، بينما تعمل الأطراف فيها على تجميع أوراقها والتحضر للمعركة. وهنا يسأل المواطن الصيداوي: هل من برامج انتخابية لدى المتنافسين، سياسيين كانوا أم تابعين لهم؟.