ليو لويس وروجر بليتز
في حلقة عُرضت أخيرا من برنامج تلفزيوني نهاري هو الأفضل مُشاهدة في اليابان، عُرضت على ضيوف من المشاهير كومة من الأوراق النقدية بقيمة مليون ين “9260 دولارا” وطلب منهم تخمين مقدار الفائدة التي سيحصلون عليها بعد عام في البنك.
الابتسامات تحوّلت إلى استهجان عندما وضع ضيف، من قبيل الإجابة، عملة نقدية بقيمة عشرة ينات على الطاولة.
المشكلة بالنسبة إلى اليابان وبالنسبة إلى رئيس الوزراء، شينزو آبي، وبالنسبة إلى الأسواق المالية العالمية هي أن المستثمرين من جميع المشارب يعيشون حالة مماثلة من عدم الثقة والاشمئزاز من سياسة أسعار الفائدة السلبية التي طبّقها بنك اليابان.
التقلّبات التي خلقتها سياسة أسعار الفائدة السلبية يتم الشعور بها عالمياً، وتتضح بشكل تفصيلي أكثر من خلال الارتفاع المتواصل في قيمة الين. كان من المفترض أن تؤدي سياسة أسعار الفائدة السلبية إلى إضعاف الين، لكن منذ الإعلان عنها في 29 كانون الثاني (يناير) ارتفعت قيمة العملة 12 في المائة مقابل الدولار.
وكان مفترضا أن يؤدي اتخاذ بنك اليابان إجراءات نشطة إلى ضعف الين، لكن جيف يو، مختص استراتيجية الاستثمار في “يو بي إس لإدارة الثروات”، يلاحظ “أن الأمر لم يجر بالطريقة التي توقعها بنك اليابان والسوق”. المستثمرون الأجانب يتخلّون عن “الأسهم الثلاثة” في برنامج آبي الاقتصادي، الذي يرمي إلى تحقيق الانتعاش الاقتصادي، من خلال تسييل 5.5 تريليون ين من الأسهم منذ بداية عام 2016، في الوقت الذي تشهد فيه الأموال اليابانية انتقالا غير مسبوق إلى خارج البلاد، بحثا عن السندات العالمية ذات العوائد المرتفعة. أسعار الفائدة السلبية أغرقت انتعاش سوق الأسهم في أواخر كانون الثاني (يناير). وبين نيسان (أبريل) 2015 وكانون الثاني (يناير) 2016، كان مؤشر توبيكس في اليابان يتعقّب مؤشر ستاندرد آند بورز 500 في الولايات المتحدة بشكل وثيق جداً. ومنذ بدء سياسة أسعار الفائدة السلبية في 29 كانون الثاني (يناير)، افترق المؤشران بشكل مذهل. الاستثمارات غير اليابانية لا تزال تعادل نحو 70 في المائة من القيمة المُتداولة اليومية في الأسهم اليابانية. وكانت ذروة حيازاتهم في اليابان في حزيران (يونيو) 2015 ومنذ ذلك الوقت باعوا ما قيمته 10.8 تريليون ين.
أحدهم، مارك هيبس، كبير الإداريين للاستثمار في شركة آداماس لإدارة الأصول، يقول من الصعب العثور على شخص يشعر بالتفاؤل بسياسة بنك اليابان.
ويضيف “نحن تحرّكنا بعد سياسة أسعار الفائدة السلبية لأننا رأينا السياسة كأنها انكماش صريح. دخلنا في كثير من التعاملات الصاعدة خارج اليابان، لأن الأمر بدأ يبدو كثيراً كما لو أن (مُحافظ بنك اليابان هاروهيكو) كورودا لم يُفكّر في الأمر بشكل جيد”.
المتداولون مقتنعون بأن بنك اليابان، عن طريق عمليات شراء الصناديق التي يتم تداولها في البورصة، ومن خلال صندوق استثمار معاشات التقاعد الحكومي القوي، كان يتصرّف بهدوء لدعم سوق الأسهم اليابانية لأن آبي يواجه انتخابات في الصيف ستكون بمثابة حُكم عام على ما حققته سياسته منذ عام 2012.
وتبدو الخيارات محدودة على نحو متزايد، فقد تراجع الين قليلاً إلى 108 ينات مقابل الدولار أواخر الأسبوع، لكنه يبقى أقوى بكثير مما يمكن أن يرتاح إليه بنك اليابان ـ ويظل في قلب أزمة الثقة الحالية.
يقول ستيفن جين، وهو مدير صندوق تحوّط مقره في لندن، عاد للتو من طوكيو، “إن قوة الين تعد بمثابة حُكم إدانة من السوق لبنك اليابان”، مضيفا أن “سياساته لم تعُد تتمتع بالفاعلية”.
ويتابع جين أن “الثرثرة في طوكيو تدور حول إلقاء أموال التحفيز المالي من “طائرة مروحية” ردّاً على قوة الين، وتدور أيضا حول خطوة صادمة محتملة من كورودا في اجتماع البنك المركزي في 28 نيسان (أبريل) الجاري. وستكون مثل هذه الخطوة منسجمة مع أسلوب مُحافظ بنك اليابان. يقول جين “إنه لن يستسلم، ولن يتنازل، ولا يُمكن أن يكون في موقف دفاعي”.
نيكولاس سميث، مختص استراتيجية اليابان في CLSA في طوكيو، يقول “إن كثيرا من الإشارات مُرعبة قليلاً، ولم يعُد المستثمرون الأجانب على استعداد لمنح قصة اليابان فائدة الشك”. ويُضيف أن “هناك مصدرين من مصادر القلق الكبيرة.
الأول، أن المال المؤسسي الياباني المحلي ذو سمة سلبية بشكل كبير، وبالتالي عندما يعيد الأجانب أموالهم إلى أوطانهم فليس هناك تجمّع رأس مال، مع خبرة وقناعة، لتقرير ما إذا كان السعر مناسباً”. ويضيف “الأسهم عموماً لا ترتفع إلا إذا عاد الأجانب”.
لكن هناك عاملا آخر من المُحتمل أن يؤدي إلى زعزعة الأسواق، وهو أن بنك اليابان يتعرّض لضغط مباشر من مكتب رئيس الوزراء من أجل “فعل شيء” بشأن الين القوي والأداء الضعيف للأسهم اليابانية في الوقت الذي يستعد فيه للانتخابات في فصل الصيف.
إذن، هل التدخل أمر مُحتمل؟ الضغط من أجل التدخّل للمرة الأولى منذ عام 2004 قد يكون أكبر، إذا ـ كما يتوقع بعضهم ـ ارتفعت قيمة الين إلى نحو 105 ينات مقابل الدولار.
تايسوكي تاناكا، من “دويتشه بانك”، كتب في مذكرة للعملاء أن اليابان قد تشعر بالإغراء لاستغلال اجتماع وزراء المالية في مجموعة العشرين هذا الأسبوع، للجدال بأن الين القوي يُمكن أن يُلحق الضرر بمشاعر السوق ليس فقط في اليابان بل على الصعيد العالمي. إذا لم ينجح هذا، فقد تعتمد اليابان على الولايات المتحدة للاعتراف بالحاجة إلى تحقيق استقرار سعر الدولار مقابل الين.
ووفقا لسايمون ديريك، المحلل الاستراتيجي للعملات الأجنبية في بنك “بي إن واي ميلون”، السلطات اليابانية كانت منذ منتصف 1993 تتدخل في المتوسط مرة كل 20 يوم تداول.
ويقول “هناك ارتباط كبير بين أداء الين وبين ضعف الأسهم اليابانية. إذا لم يعملوا الآن على تفكيك هذا الارتباط، فإنهم سيعانون مشكلة حقيقية بحيث إن سوق الأسهم وبرنامج آبي الاقتصادي سيختفيان اختفاء تاما بصورة مفاجئة”.