كارين ستروهيكر
يتزايد عدد الدول الناشئة التي تتوجه إلى مواطنيها المغتربين لتدبير سيولة مالية من خلال تسويق “سندات الشتات” التي تمثل استراتيجية تمويل كانت الهند وإسرائيل من روادها وحققتا نجاحا كبيرا في هذا الصدد من الصعب في بعض الأحيان محاكاته.
وتوضح بيانات البنك الدولي لعام 2013 أن حوالي 250 مليون نسمة أي نحو ثلاثة في المئة من مجموع سكان العالم يعيشون خارج بلدانهم الأصلية. ويمثل هؤلاء مصدرا مهما لتمويل أوطانهم. ففي العام الماضي حولوا إلى بلادهم نحو 440 مليار دولار أي ما يزيد عن ثلاثة أمثال مساعدات التنمية العالمية.
ويمثل ما جمعته الحكومات من أموال من خلال التسويق المباشر لأوراق مالية لمواطنيها المغتربين في الخارج نسبة ضئيلة من هذا المبلغ لكن الشواهد تشير إلى أن هذا الاتجاه يتنامي وذلك من خلال ما أعلنته عدة دول في الآونة الأخيرة.
وقد أعلنت مصر عن إصدار شهادات إيداع مقومة بالدولار واليورو بغرض تخفيف حدة نقص العملة الصعبة.
أما كوسوفو التي تقدر أن ثلث المنحدرين من أصول كوسوفية يعيشون في الخارج فقد اقترحت إصدار سندات للمغتربين الشهر الماضي. وبحثت سريلانكا إصدار سندات مماثلة في العام الماضي وحاولت نيجيريا إحياء خطط لإصدار سندات للمغتربين من أبنائها بعد أن وقع اختيارها على جولدمان ساكس وستانبيك كمستشارين للإصدار في مقترح طرحته عام 2014.
لكن النجاح ليس مآل كل ما يبذل من جهود من هذا النوع. إذ تبالغ دول كثيرة في تقدير سخاء مواطنيها في الخارج. ومن أبرز الأمثلة في هذا الصدد اليونان التي ثبت عجزها عن تدبير ما كانت تأمله من جمع ثلاثة مليارات دولار من الجالية اليونانية في الولايات المتحدة البالغ عدد أفرادها مليون شخص في ذروة أزمة الديون التي تعرضت لها عام 2011.
وفشلت محاولة إثيوبية عام 2009 لتمويل سد لتوليد الكهرباء لأسباب أهمها أنها لم تستطع إقناع المستثمرين بأنها سترد الدين. كما اعترض البعض أيضا على المشروع لأسباب بيئية.
وفي عامي 2009 و2010 جمعت نيبال نسبة هزيلة من المبلغ الذي كان تستهدفه عندما عرضت عوائد تقل عن عشرة في المئة على سندات خمسية بالروبية وهو ما كان يقل كثيرا عن العوائد المحلية في ذلك الوقت.
كما قررت مولدوفا عدم إصدار سندات للمغتربين واستنتجت أن مواطنيها المغتربين الراغبين في الاستثمار بالعملة المحلية سيفضلون على الأرجح الحسابات المصرفية المحلية التي يبلغ سعر الفائدة عليها 25 في المئة.
وقالت ليل ريدل الاستاذة بجامعة جورج واشنطن والتي درست التمويل من خلال المغتربين “تحتاج حكومات كثيرة في الواقع للنظر إلى نفسها في المرآة لمعرفة الصورة التي كانت عليها علاقتها التاريخية بالمغتربين واستخدام هذا الواقع في حساباتها عندما تطرح استثمارات.”
الاستفادة من السيولة
والإغراء الذي يمثله المواطنون في الشتات كأداة للاستثمار جلي.
ويقول فيليب راثا مدير وحدة الهجرة والتحويلات في البنك الدولي والذي يقدم النصح للحكومات فيما يتعلق بالتمويلات من المواطنين في الخارج إن المستثمرين الذين تربطهم صلة شخصية ببلد ما أسعد في كثير من الأحوال من الغرباء الذين يقبلون المخاطرة بالاستثمار في عملة محلية وبأسعار عائد أقل.
وأضاف أنهم أكثر استعدادا لتحمل أي أزمة طارئة ما من الصناديق الاستثمارية الكبرى التي تهيمن على سندات الأسواق الناشئة.
وقال “عندما يكون لديك مئات من مستثمري المؤسسات … فالاحتمال كبير أن تسود عقلية القطيع. فما أن تلمح شيئا مفزعا حتى تعدو خارجه.”
وقال إن هذا لا يمثل مشكلة عندما يكون عدد كبير من المستثمرين من المغتربين المنتشرين في مختلف أنحاء العالم.
وبوسع الحكومات التي تحلم بتمويل رخيص من مواطنيها المخلصين في الأوقات الصعبة التطلع إلى المثال الهندي.
فقد انتشلت أموال المغتربين الهند من أزمة ميزان المدفوعات عام 1991 عندما جمعت 4.2 مليار دولار عام 1998 لتعويض أثر ما فرض عليها من عقوبات دولية بعد أن أجرت تجارب نووية وكان هذا المبلغ مثلي المبلغ الذي طلبته في البداية.
أما إسرائيل فقد جمعت أكثر من 40 مليار دولار من سندات الشتات منذ عام 1951 وشهدت ارتفاعا كبيرا في مبيعات السندات خلال حرب 1967.
وقالت ليل ريدل إن بعض الدول بذلت جهودا كبيرة لإقامة روابط عاطفية دائمة يمكن ترجمتها ذات يوم إلى استثمارات وسلطت الضوء على جورجيا التي أنشأت وزارة لشؤون المغتربين وتنظم لقاءات منتظمة في العاصمة تبليسي للمغتربين في الخارج العائدين لزيارة وطنهم.
وتجمع هذه اللقاءات بين البرامج الترفيهية والرياضية والعروض الاستثمارية. بل إن الوزارة تطوعت بتوزيع أيقونة مسيحية خاصة بها على المغتربين لاستخدامها في الصلاة عند عودتهم إلى الوطن.
وتختلف مبادرات أخرى حسب الظروف. ففي غضون ثلاثة أشهر من فرض العقوبات النووية عام 1998 جمع المسؤولون الهنود بين الجراحين المغتربين في الخارج ومديري صناديق الاستثمار في أحد المطاعم في مانهاتن.
وليست الحكومات وحدها التي تسعى وراء أموال المغتربين. فقد قالت ريدل إنها عقدت اجتماعات مع عدة شركات كبرى لإدارة الأصول تفكر في إصدار سندات موجهة لدول بعينها على أن يتم تسويقها بين المغتربين في الخارج.
وقد جمعت هومسترينجز وهي منصة إلكترونية أُنشئت لإطلاع المستثمرين المحتملين في الشتات على الفرص الاستثمارية أموالا لمشروعات في مجال البنية التحتية في كينيا كما أنها تتيح لمواطني مقدونيا الذين يعيشون في الولايات المتحدة فرصة الاستثمار في المشروعات الصغيرة في وطنهم الأم.
وتقول ريدل إن استثمارات المغتربين ستتزايد بالتأكيد في ضوء انخفاض تكاليف التحويلات والتطور التكنولوجي وحركة انتقال الناس التي لا تبدي أي بادرة على التراجع.
وتضيف “مشاركة المغتربين – نفسيا واجتماعيا واقتصاديا بل وسياسيا – أكبر بكثير مما كانت عليه قبل خمس سنوات. وبدأ المغتربون يصبحون عاملا فاعلا متجاوزا للحدود الوطنية.”