أمراض كثيرة تهدّد الزراعة، فقد اكتشفت مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية وجود مرض فطري خطير جداً في لبنان، ينتشر بواسطة التربة، هو فرتيسيليوم (Verticillium dahliae). يؤدي هذا المرض الى موت الأشجار، ولا سيما أشجار الزيتون واللوزيات. كذلك أظهرت الأبحاث انتشار مرض سل الزيتون الذي يساعد في انتشاره الأساليب البدائية لقطف الزيتون
غادة حيدر
مرض فطري خطير يدعى فرتيسيليوم (Verticillium dahliae)، يهدد الزراعة في لبنان وينتشر عبر التربة، اكتُشف أخيراً من خلال تحاليل مخبرية أجراها فريق من الخبراء لدى مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية.
يستوطن هذا المرض الفطري التربة لفترات طويلة، وفق ما يقول الباحث والخبير الزراعي لدى مصلحة الأبحاث العلمية الزراعية، الدكتور ايليا الشويري. ومن علاماته يباس الشجر من جهة معينة لينتقل الى كل الشجرة ويقتلها، تلوّن داكن في الأوعية الجهازية مع يباس في الاوراق وذبول في الطرود والأغصان، وظهور الأعراض في فترة نهاية الربيع – بداية الصيف. يختلف المرض بحسب العزلات، منه ما يتعايش مع الأشجار والنباتات، ومنه ما هو قاتل ويتسبب بيباس مفاجئ وسريع للأشجار ويصيب بصورة رئيسية الأشجار الفتية.
استناداً الى نتائج التحليل المخبري، يقول الشويري، أن “المرض القاتل موجود في التربة، وقد أظهرت النتائج المخبرية انه يصيب أنواعاً متعددة من الزراعات، منها أشجار الزيتون واللوزيات بشكل خاص، بالإضافة الى عائلة الباذنجيات، مثل البطاطا والباذنجان والبندورة وغيرها، وكونه من الأنواع الفطرية التي تعيش في التربة لفترات طويلة، لا يمكن اكتشافه إلا من خلال الفحص المخبري”.
عناصر ملوّثة عديدة باتت تهدد الزراعات في لبنان، لكن هذا المرض الفطري، خطير جداً وسريع الانتشار، إذ ينتقل عبر نقل التربة العشوائي الملوث، أو من خلال اعتماد شتول مصابة أو مزروعة في أراض مصابة من دون معرفة مسبقة بإصابتها. يتواجد هذا المرض في عدد كبير من مناطق لبنان المعروفة بزراعة الزيتون أو بأشجار اللوزيات، كما تشير نتائج الأبحاث إلى انتشاره في حقول زراعة البطاطا.
إضافة إلى هذا المرض الفطري المنتشر في بساتين الزيتون، تشير الدراسات والأبحاث المتعلقة بأمراض النباتات إلى انتشار حديث لمرض سل الزيتون التي تسببه بكتيريا (Pseudomonas savastanoi pv. savastanoi) والذي يسبب ظهور درنات على الأغصان الرئيسية والفروع، ما يؤدي إلى ضعف في الحالة الصحية وفي الإنتاج. الأساليب البدائية لقطف الزيتون باستخدام العصي والآلات الحادة تتسبب بجروح للأغصان ما يسهُل معها انتشار هذه البكتيريا، لا سيما في مواسم البرد والجليد، الأمر الذي يؤدي حكماً الى تدهور الانتاج الزراعي.
يستشهد الشويري بما جرى أخيراً في جنوب إيطاليا للتحذير مما يواجهه لبنان، حيث أصاب مرض بكتيري معروف باسم “مرض التدهور السريع للزيتون”، تسببه بكتيريا تدعى Xylella fastidiosa، وكانت النتيجة يباس وموت سريع لما يزيد عن مليون شجرة ومنها أشجار زيتون معمرة. انطلاقاً من هذه الواقعة، قام مختبر وقاية النبات في تل العمارة بالتعاون مع مختبر الأمراض الفطرية في الفنار ومختبر زيت الزيتون وفريق عمل من وزارة الزراعة بمسح ميداني لأهم مناطق زراعة الزيتون في لبنان، وتم أخذ عينات من الأشجار التي تحمل أعراضاً شبيهة إلى حد ما بتلك الناتجة عن مرض التدهور السريع للزيتون، إضافة إلى عينات أخرى من بعض أنواع نباتات الزينة والدفلة وغيرها المعروفة بأنها من العوائل الطبيعية لهذا المرض. خضعت هذه العينات في مختبرات وقاية النبات التابعة لمصلحة الأبحاث العلمية الزراعية للتحاليل المخبرية المعتمدة في الدول الأوروبية، إذ تبين عدم وجود هذا المرض في كافة العينات المختبرة، وهذا ما يطمئن حتى تاريخه، لأنه في حال دخول هذا المرض القاتل، فإنه قد يفتك بأشجار الزيتون المعمرة في لبنان ويؤدي إلى خسائر اقتصادية كبيرة لا تعوض. ولكن الشويري يشدد على ضرورة اتخاذ التدابير الوقائية من قبل المزارعين والمسؤولين الرامية الى وقف نقل التربة غير الخاضعة للفحوص المخبرية، واستخدام آلات حديثة في قطاف الزيتون، وتعقيم الآلات المذكورة وأدوات التشحيل قبل استخدامها، واعتماد مواد نباتية “شتول موثقة” والاتصال بالمختصين عند ظهور أعراض مشتبه بها للتمكن من التشخيص الصحيح للمرض. ويلفت في هذا السياق الى أهمية تبني الدورة الزراعية بحيث يتم تنويع المواسم في الحقل نفسه واعتماد زراعة النجيليات والبقوليات وغيرها، وعدم الاكتفاء بزراعة منتج معين وثابت في كل المواسم، وهذا ضروري لمواجهة مرض الفرتيسيليوم.
يقلل الدكتور الشويري من تأثير تراكم النفايات والأدوية والمبيدات في ظهور مرض الفرتيسيليوم، لكنه يلفت الى خطورة النفايات والمبيدات والأسمدة الكيميائية على البيئة وصحة الإنسان وتسببها بأمراض سرطانية. يقول إن “المبيدات أيضاً تلّوث التربة والخطورة في النسب العالية التي تعالج بها المزروعات، بحيث أن الزراعات المختلفة تأخذ ما تحتاجه من الأدوية المستخدمة والأسمدة، أما الباقي فيذهب الى التربة ويتسرب إلى المياه الجوفية مثل النترات، الذي بلغ كميات كبيرة وتحوّل الى سبب يضر بالصحة، وهو بحاجة الى سنين عديدة ليتفكك”.
يرى الشويري أنه لا بد من تكثيف حلقات التوعية “والأهم عملية المتابعة والملاحقة من قبل الإدارات المختصة، وعدم التهاون في إلزام المزارعين اعتماد المعايير الصحية والبيئية. تبذل وزارة الزراعة جهوداً في هذا الاتجاه لكن الأمر يحتاج الى خطة طوارئ وطنية حقيقية وإخضاع الجميع للمساءلة والمحاسبة حيال أي تقصير”. ويرى أن “السجل الحقلي” هو شكل من أشكال الوقاية المسبقة ويتضمن تسجيل معلومات عن المعاملات الزراعية كافة المعتمدة في الحقول أو البساتين، كما يساعد اعتماد هذا السجل على تنظيم قطاع الزراعة، وبالتالي التمكن من القيام بالتحاليل الدورية للمبيدات الزراعية من عينات الإنتاج الزراعي من خضار وفاكهة ومعرفة الأخطاء والأخطار، نظراً الى نظام التتبع الناتج عن هذا السجل الحقلي، ويساعد اعتماد التسجيل الحقلي على تنظيم وتحسين قدرة البيع والمدخول للمزارع اللبناني.
يشكو الشويري انه “تم تقديم الاقتراح من دون أن يلقى تجاوباً تطبيقياً حتى الآن، وأؤكد أن تطبيقه يجب أن يستحوذ على أولوية المعنيين بالشأنين الزراعي والصحي”.
ينتقد الشويري غياب التخطيط العمراني السليم “ففي البقاع تنقرض السهول وتتحوّل الى مناطق عمرانية سكنية، وتشهد المنطقة فوضى عمرانية باتت تهدد الزراعات التي ميّزت البقاع تاريخيا، مع استثناء بسيط في منطقة زراعة العنب في البقاع الغربي”. كما ينتقد غياب التخطيط الزراعي، ويحذر من ظاهرة رمي كميات زيوت السيارات المتلفة أو النفايات الكيميائية المضرة في الأنهار التي قد تحتوي على بعض المعادن الثقيلة والتي بدأت تتسبب بأضرار كبيرة، خاصة مع الانخفاض المتزايد لمعدلات الأمطار السنوية. وينوّه بقرار وزارة الزراعة توزيع شتول جديدة للمزارعين من “المشاتل الموثوقة”، ففي ذلك ضمان للإنتاج الزراعي شرط الالتزام بكامل التوجيهات وتدابير الوقاية والتحصيل.
يختم الشويري بضرورة تشديد الرقابة على عدم التداول أو تهريب المبيدات الممنوعة دولياً والمضرة بصحة الإنسان والبيئة، وهذا أمر تحاول وزارة الزراعة تطويقه. ويشدد على ضرورة اعتماد المبيدات المناسبة بعد التشخيص الدقيق والصحيح للآفات الزراعية واحترام توقيت الرش والنسب المعتمدة وفترة أمان المبيدات وتوقيت القطاف، ولا بد من دق ناقوس الخطر المحدق بالزراعة في لبنان، إذا لم يتم الانتباه إلى هذه النقاط كافة.
ذبول شتول البطاطا
أظهر التقرير السنوي الأخير الصادر عن مصلحة الأبحاث العملية الزراعية أنّ الـ Verticillium هي المسبب الأساسي لذبول شتول البطاطا بنسبة 77% من الحقول المصابة، تلاها الـ fusarium , colletotrichum , وrhizoctonia ، وذلك استناداً الى نتائج مسح ربيع وصيف 2015 الذي شمل 120 حقلاً في كل مناطق زراعة البطاطا في لبنان. وقد تبيّن أنّ نسبة الإصابة بالـ Verticillium تبلغ 52% في عكار و96% في البقاع.