كتبت مارلين خليفة في صحيفة “السفير”:
وصف الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند ما يتكبّده لبنان من عبء مليون ونصف مليون نازح سوري بـ «الأعجوبة»، لكنّه استطرد، في لقائه مع ممثلي الجمعيات الإنسانية والمنظمات الدولية في زحلة، بقوله: «إن الأعجوبة تدوم عادة لحظة واحدة، لكنها تستمرّ في لبنان منذ 5 أعوام وآن لها أن تنتهي، لأن استقرار لبنان مهم وينبغي الانكباب أكثر لإيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية».
وكان الرئيس الفرنسي انتقل أمس الى البقاع، حيث زار مخيّماً للنازحين في منطقة الدلهمية يحمل الرقم (061)، واجتمع بعائلتين سوريتين على حدة ستحظيان بإقامة جديدة في فرنسا الى جانب ألف عائلة أخرى سوف تعيش في فرنسا من أصل 3 آلاف ستنتقل تدريجياً الى بلاده حتى السنة المقبلة.
وزار هولاند مدرسة داخل المخيّم تديرها منظمة «اليونيسيف» حيث استقبله الأطفال السوريون بالتصفيق والأغنيات وتحاور مع النازحين مصغياً الى معاناتهم. ورافق هولاند وزيرا الدفاع الفرنسي جان ـ إيف لودريان واللبناني سمير مقبل والسفير الفرنسي في بيروت إيمانويل بون وعدد من الوزراء الى وفد إعلامي فرنسي قوامه زهاء 30 صحافياً.
وكان المخيّم المذكور قد عاش منذ صباح أمس «حظر تجوّل» في خيمه الـ98، ومنعت 123 عائلة من الخروج من خيمها، في حين اصطفّ الصحافيون اللبنانيون، الذين دعاهم المكتب الإعلامي في السفارة الفرنسية في بيروت، في «مربّع» صغير قرب «خيمة الشاويش»، ولم يسمح لهم إعلام «الإليزيه» التحرّك ولا حتى الاقتراب من مخيّم النازحين أو التحدّث مع سكانه، وانحصر دخول المصوّرين على «وكالة الصحافة الفرنسية».
وقد سألت «السفير» مسؤولة الإعلام المرافقة للرئيس الفرنسي من «الإليزيه» ماري فرانكولان عن سبب الحظر على الصحافيين والمصورين اللبنانيين، فأجابت: «دعيتم الى هنا بالأساس لتستمعوا الى تصريح الرئيس فحسب، وهنالك ضرورات لوجستية تحتّم علينا ذلك، وإذا كان من اعتراض فراجعوا سفارتنا في بيروت».
بالمحصّلة، فإن ما حصل عليه الصحافيون بعد ساعات هو تصريح لهولاند شدّد فيه على «التزام فرنسا بمساندة لبنان في موضوع تعليم السوريين»، وأعلن مجدداً عن «وضع مبلغ 50 مليون يورو في تصرّف لبنان والمؤسسات الإنسانية فيه لتحسين شروط الاستقبال على المستويات التعليمية والصحية ولإعطاء الأمل لهؤلاء الأولاد». وأعلن هولاند من الدّلهمية أنّ فرنسا «استقبلت زهاء ألف نازح سوري عام 2015 وستستقبل ألفين هذه السنة وفي السنة المقبلة». وقال إنّ «ما تطلبه العائلات النازحة ليس السفر الى الخارج إنما العودة السريعة الى ديارها وإعمار بلدها». واضاف: «إن العودة هي الأولوية، وهذا ما يتمناه اللبنانيون أيضاً، إنهم لا يريدون توطين هذه العائلات، اللبنانيون أظهروا كرماً كبيراً في الضيافة، لكنهم لا يريدون أن يروا بعد أعوام عدة مخيمات في بلدهم».
وردّا على سؤال «السفير» عن المبلغ الذي ستخصصه فرنسا لتسليح الجيش اللبناني أجاب هولاند: «من الواجب ضمان الأمن للبنانيين ولذلك أعلنت (أمس الأول) مساعدة فرنسية للجيش، تعلمون بوجود اتفاق بين المملكة العربية السعودية وفرنسا من أجل مساعدة الجيش وقد تمّ تعليقه، لكنّ فرنسا ستستمر في المطالبة بأن يستعيد هذا الاتفاق فاعليته، وبالانتظار سوف نقدم مساعدات عسكرية للبنان».
«الأعجوبة اللبنانية»
ومن الدلهمية انتقل الرئيس هولاند الى زحلة، حيث اجتمع مع هيئات الأمم المتحدة والجمعيات الأجنبية واللبنانية التي مثلها رئيس «جمعية أطباء العالم» نيكولا بيزيس ورئيس الهيئات الوطنية ورئيس «مؤسسة جبل عامل» الدكتور كامل مهنّا الذي روى لـ «السفير» أن المعنيين عرضوا لمأساة النزوح السوري، وأشار مهنا الى أن هولاند أصغى بإهتمام الى الصرخة القائلة بأنّ لبنان يتحمّل عبء النزوح الفلسطيني منذ نحو 68 عاماً، ويستوعب عبء النزوح السوري منذ أكثر من 5 أعوام قد تتمدد هذه الأزمة 5 أعوام أخرى، وأن ثمة 150 ألف تلميذ سوري يتلقون التعليم فيه، في حين أن الآخرين لا يستفيدون من أية برامج تعليمية ما يجعل منهم مرشحين للتطرف. وعرض المجتمعون أوضاع المنظمات الإنسانية مشيرين الى أن المساعدات هي اقل من الاحتياجات.
وعبّر الرئيس هولاند عن مفاجأته مما عاينه ميدانياً وتحدّث عن «الأعجوبة اللبنانية» التي تتيح الاندماج بين شرائح مختلفة. وأخبره وزير الدفاع اللبناني سمير مقبل اثناء الاجتماع بأنّ ثمة 70 ألف ولادة سورية سنوياً في لبنان. فأشار هولاند بأن الحل يكمن في حلّ سياسي جذري للأزمة السورية. وفي انتظار اكتمال مسار الحلّ ينبغي تقديم الدّعم للبنان لأنه يستحقّ ذلك. ورفض هولاند أية أفكار عن توطين للنازحين في لبنان، مشيراً الى أن هؤلاء ينبغي أن يعودوا الى سوريا فور توقف الحرب.
ووافق هولاند على مقولة إن «لبنان يحمي أوروبا»، وغمز، في حديثه مع المنظمات الأهلية، من قناة تركيا وكيف أنّها تفيد من مأساة النازحين للضغط على أوروبا، في حين يتحمّل لبنان هذا العبء بصبر كبير وهو يستقبل أعداداً هائلة بالرغم من عدد سكانه القليل، حسب ما نقل لـ«السفير» مسؤولون في هذه المنظمات.
وقال هولاند، بحسب ما نقل عنه، إنّ «لبنان يبقى بنظر فرنسا والعالم نموذجاً للعيش المشترك»، ووعد بأنه سيقوم بعد انتهاء زيارته الى لبنان بالضغط أكثر على الاتحاد الأوروبي ليقدم المزيد من الدعم والتضامن للبنان.
وكان هولاند قد وعد في خطاب له بأن تقدم فرنسا في غضون الأعوام الثلاثة المقبلة مبلغ 100 مليون يورو للنازحين السوريين في لبنان ستدفع منها فوراً مبلغ 50 مليون يورو. ولفت هولاند الى هذا المبلغ غير كاف، لكنّه يحفّز دولاً أخرى على التضامن مع لبنان.
وفي نهاية جولته البقاعية ركز هولاند، بحسب مواكبين لزيارته، على 3 نقاط: ضرورة توفير التعليم للتلامذة السوريين، ضرورة تدريب الراشدين من السوريين من أجل إيجاد فرص عمل، وضرورة التركيز على المساعدات الصحية.
ولفت الى أن أزمة النزوح الى لبنان لا ينبغي أن تستمر طويلاً لأن استقرار لبنان على المحك.