كتب داود رمال في صحيفة “السفير”:
لم تخرج زيارة الرئيس الفرنسي فرنسوا هولاند الى لبنان عن سقف التوقعات التي سبقتها، لا بل انها زادت الغموض غموضا في ملف الاستحقاق الرئاسي، وبالتالي كرر هولاند مواقف بلاده لجهة النازحين السوريين والاستقرار ودعم الجيش اللبناني.
أما الأجواء التي يمكن رصدها عبر مصدر قريب جدا من أجواء الزيارة، فإنها تنطلق من مقولة انه لم يكن بمقدور الرئيس الفرنسي عدم زيارة لبنان في جولته العربية، «لأنه سيقال عندها ان لبنان لم يعد موجودا على سلّم الاهتمامات الدولية وحتى على الخريطة الدولية».
في قراءة نتائج الزيارة تسجّل ثلاثة أبعاد يمكن تلمسها بين سطور المواقف التي أعلنها هولاند في كل محطاته:
يتمثل البعد الأول في أن هولاند يحضّر شخصيا لعقد مؤتمر دولي للسلام في الشرق الاوسط. واذا كانت قوة الدفع أميركية، فهذا يعني دوراً متقدماً وكبيراً لفرنسا في المنطقة، فالموقف الفرنسي المعروف والمعلن هو أن لبنان، كما سوريا، لن يغيبا عن خريطة الحل في المنطقة، وسيكون لبنان موجودا في أي عملية تفاوض تنتج من إعادة إحياء مسار التسوية السلمية للصراع العربي ـ الإسرائيلي. ويرى المصدر القريب من أجواء الزيارة أنه «لن يكون هناك أي حل على حساب لبنان، وبالتالي يمكن الاستثمار على الخراب العربي، ولا سيما السوري، في تسريع عقد مؤتمر كهذا وربطه بتسوية كل ملفات المنطقة التي استجدت في السنوات الخمس الأخيرة».
البعد الثاني يشير الى أن هولاند لم يقدم موضوع النازحين السوريين من زاوية إبقائهم في لبنان خشية قدومهم الى أوروبا، انما من زاوية عدم وجود مؤامرة لتوطينهم في لبنان، بالتوازي مع تلبية حاجاتهم وحاجات الدول التي تستضيفهم الى حين إنجاز الحل السوري، مع التشجيع على موقف مشترك لكل من لبنان والاردن وتركيا يبلور توجهاً حول العودة الآمنة لهؤلاء النازحين.
أما البعد الثالث فيتمثل في موضوع الإرهاب، وهو الخطر الذي يتهدد العالم بأسره، وما إعلان الدعم للجيش اللبناني وللأجهزة الأمنية إلا ترجمة عملية لرغبة فرنسية مستمرة في التعاون لمجابهة هذا الخطر، خصوصا أن لبنان يمتلك الخبرات والتجارب الكبيرة والناجحة في هذا المجال، ما يعني رفع درجة التنسيق الى أعلى مستوى بين لبنان وفرنسا في مواجهة وردع هذا الوباء، لا سيما عبر العمل الاستباقي.
في ما خص ملف الرئاسة، يلفت المصدر نفسه الانتباه الى أن الكلام الفرنسي، المعلن أو الذي قيل في الجلسات، أكد المؤكد لجهة ان الرئاسة لا تزال تدور في الحلقة ذاتها من عدم التسهيل والتسيير. ولا يزال في الإمكان إتمام الاستحقاق بتفاهم لبناني ـ لبناني «والفكرة الخلاقة لإنضاج هذا التفاهم متروكة للبنانيين».
سمع الرئيس الفرنسي في بيروت أكثر من مرة طلباً لبنانياً عبّر عنه عدد من المسؤولين بوجوب أن تلعب فرنسا دورا توفيقيا لإعادة الحرارة الى العلاقات اللبنانية ـ الخليجية، ولا سيما مع السعودية، خصوصاً في موضوع الهبة للجيش اللبناني، لكون فرنسا الطرف الأساسي في صفقة التسليح لان السلاح فرنسي التصنيع. ويشير المصدر المتابع الى ان هذا الطلب جاء بعدما أخفقت كل المحاولات للقاء مسؤولين لبنانيين مع مسؤولين سعوديين، وكان آخرها اللقاء العابر الذي جاء وقوفا واقتصر على المجاملات بين الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز ورئيس الحكومة تمام سلام، بينما كان المأمول أن يكون لقاء رسميا وموسعا».
ويؤكد المصدر «أن الحسابات الفرنسية تقدمت على الأولويات اللبنانية في زيارة الرئيس الفرنسي، وسيعود لبنان الى الانشغال بملفاته الداخلية الحكومية منها والنيابية وايضا البلدية مع تمدد الفراغ والشلل الى كل المؤسسات، باستثناء المؤسسات العسكرية والامنية التي لا يجد الغرب مكاناً للاستثمار إلا فيها، وفي مقدمها الجيش اللبناني».