IMLebanon

أسابيع ويُدرج لبنان في اللائحة السوداء للملاذات الضريبيّة غير المتعاونة

tax-calculation

موريس متى

ما هي إلاّ أيام على تكشّف تفاصيل فضيحة “أوراق بناما” حتى تأهّب العالم لتشديد قواعد مكافحة التهرب الضريبي من أثرياء وشخصيات نافذة. واحدثت 11,5 مليون وثيقة مسرّبة من مكتب المحاماة البنامي “موساك فونسيكا” حصل عليها “الاتحاد الدولي للصحافيين الاستقصائيين”، زلزالاً في العالم بعد اكتشاف تورّط مسؤولين سياسيين ومشاهير من عالمي المال والرياضة في عمليات تهرّب ضريبي.

أطلقت الدول الأوروبية الكبرى في نهاية الأسبوع المنصرم خطة مشتركة للتصدّي للتهرّب الضريبي، واتفق وزراء المال في بريطانيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا واسبانيا على ضرورة إصدار قائمة سوداء مشتركة لدول الاتحاد الأوروبي تضمّ أسماء الملاذات الضريبيّة في العالم خلال 6 أشهر، في محاولة لإعطاء دفعة جديدة لمشروع وضع قائمة سوداء للملاذات الضريبيّة، بالاضافة الى الاتفاق على تبادل المعلومات التفصيليّة في شأن ملكية الشركات والصناديق والمؤسسات فيما يصعب على الملاّك الفعليين إخفاء ثرواتهم ودخلهم عن سلطات الضرائب. بدورها، أعلنت الولايات المتحدة عن إجراءات جديدة لمنع المجموعات متعددة الجنسية من التهرّب من الضرائب عبر إقامة مقارها في الخارج عبر شراء شركات، علماً أن مجلس النواب الأميركي كان قد أصدر قانون “فاتكا” منذ أعوام قليلة لملاحقة الاميركيين المكلفين خارج الحدود الأميركية والزامهم دفع الضرائب المستحقة عليهم وعلى نشاط شركاتهم ومؤسساتهم. وعلى رغم ذلك، بدأت الأصوات داخل مجلسي النواب والشيوخ ترتفع مطالبة بتشديده أكثر.
ماذا عن لبنان؟
رغم إقراره سلسلة تشريعات في الأعوام الماضية وآخرها ما يتعلّق بالتصاريح عن الأموال المنقولة عبر الحدود والقوانين المتعلقة بمكافحة التهرب الضريبي، يبدو أن الأمور في لبنان لا تتجه نحو الأفضل في المرحلة المقبلة، بحسب المؤسسات الدولية الكبرى. فبعض المعلومات التي حصلت عليها صحف أجنبية كبرى وعلى رأسها صحيفة “لوموند” الفرنسية، توقعت أن تدرج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (ocde) لبنان في اللائحة السوداء للدول التي تعتبر من الملاذات الضريبيّة في العالم وذلك في حلول منتصف تموز المقبل، بتوصية من وزراء المال في مجموعة العشرين، على ان يضاف الى هذه اللائحة كل من بناما وفانواتو (أرخبيل جزير يقع في جنوب المحيط الهادئ). ويبدو أن قرار المنظمة إتخذ بالفعل خلال اجتماعات وزراء المال في مجموعة العشرين التي عقدت على هامش اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين في الولايات المتحدة، واستند قرار المنظمة الى عدم التزام هذه الدول ومن ضمنها لبنان، المعايير التي وضعتها لتحديد مدى التزام الدول نوعية التعاون التي تقوم به في ما يتعلق بالتعاون الضريبي على الصعيد العالمي وعدم وجود ثغر قد يستغلّها بعض الافراد وتستفيد منها الشركات للتهرّب من دفع الضرائب. من أبرز المعايير التي تتأكد من وجودها المنظمة، معاهدة دولية تقضي بتبادل المعلومات الخاص بالأفراد او المؤسسات والشركات التي يتم ملاحقتهم دولياً بتهم التهرّب الضريبي، على أن تلاحظ الدولة المعنية من خلال هذه المعاهدة ضمان تزويد الجهات الدولية المعلومات الصحيحة الخاصة ببعض المكلفين الذين يتم استجوابهم في قضايا تتعلّق بالتهرّب الضريبي. كذلك تدرس المنظمة معياراً آخر يجب على الدول أن تتمتع به لمكافحة هذه “الجريمة” كالتزامها الانتقال الى التبادل التلقائي لتبادل المعلومات في حلول سنة 2018، وهو المشروع الدولي الذي أعادت المنظمة تعزيزه منذ العام 2011 للحدّ من التهرّب الضريبي بطلب من مجموعة العشرين. كما تلزم المنظمة الدول بنظام متطوّر لتبادل المعلومات عن المكلّفين خارج الحدود.
وفي هذا السياق، تشير مصادر ديبلوماسية رفيعة المستوى الى أن لبنان، وعلى رغم كل الخطوات التي اتخذها على الصعيد التشريعي والتعاميم الصادرة عن مصرف لبنان وغيرها من الاجراءات، لم يتمكن من إقناع مجموعة العشرين والمنظمة الدوليّة بامتلاكه كل الأسلحة المناسبة لجبه التهرّب الضريبي، ما يعني أن اعتباره ضمن لائحة السوداء التي تمّ وضعها عام 2011 والخاصة بالدول غير المتعاونة في مجال مكافحة التهرب الضريبي على المستوى الدولي في الأشهر القليلة المقبلة أصبح أمراً شبه مؤكد، وخصوصاً أن لبنان لا يزال حتى اليوم يتمتّع بسريّة مصرفية هي من بين الاقوى في العالم، تسمح لبعض المودعين بالاستفادة من حساباتهم لإخفاء الملايين بعيداً عن أعين السلطات الضريبيّة. وأشارت ارقام غير رسمية إلى أن هناك أكثر من 460 شركة لبنانية لنحو 620 لبنانياً يحملون أسهماً، مُتورطة في فضائح أوراق بناما. وتشير التقديرات الى أن حجم رؤوس الأموال اللبنانية، موضوع الفضيحة، يفوق الـ 100 مليار دولار.

العقوبات المحتملة
في حزيران عام 2000 نشرت منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية لائحة أولى ضمّت 35 ملاذاً ضريبيّاً لا تتعاون معها. ومع مرور الأعوام أضيفت أسماء عدة الى هذه اللائحة وحذفت منها أسماء أخرى بعد التزامها المعايير الدولية المطلوبة بهذا الشأن. ولا شك في أن إدراج أي دولة أو منطقة في العالم ضمن هذه اللائحة سيؤدي إلى فرض إجراءات وعقوبات ذات طبيعة ضريبيّة تشمل فرض ضريبة على استثمار الأموال في المناطق المدرجة في اللائحة أو الغاء الاتفاقات الضريبيّة الثنائيّة الموقّعة مع الدول الأعضاء في المنظمة، مع ترك باب التفاوض مع هذه الدول مفتوحاً وصولاً إلى اقناعها بضرورة احترام مبادئ الشفافيّة وتبادل المعلومات بشكل فعّال وتلقائي.
وقد ورد في بيان اجتماع مجموعة العشرين الذي وصف بشديد اللهجة، تأكيد على ضرورة معاقبة الملاذات الضريبيّة استناداً الى التقرير الذي سيصدر عن منظمة OCDE في حلول تموز المقبل، ومما جاء في البيان: Defensive measures will be considered by G20 members against non-cooperative jurisdictions” if progress toward tax “goals is not made (تجدون البيان على الرابط التالي: http://www.imf.org/external/np/cm/2016/041616.htm)
وتشير المعلومات أيضاً الى أن المنظمة الدولية تتجه إلى إضافة أسماء جديدة الى لائحتها الرمادية التي تضمّ دولاً لا تراعي معياراً أو معيارين من المعايير الثلاثة المطلوبة لمكافحة التهرّب الضريبي. وهذه اللائحة تضمّ حتى اليوم عدداً من الدول مثل البحرين، سلطنة بروناي الامارات، ليبيريا، نورو، برموداـ جزر ساموا وغيرها.