IMLebanon

هذه “وديعة” برِّي لدى السيسي

nabih-berri-abd-fattah-sissi

 

 

كتب طارق ترشيشي في صحيفة “الجمهورية”:

خلافاً لما همس به البعض، لم يكن وارداُ حصول أيّ تواصل أو لقاء بين خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز ورئيس مجلس النواب نبيه بري اللذين تزامن وجودهما في القاهرة الأسبوع الماضي، قبل أن يغادر الأوّل الى تركيا، ويعود الثاني الى بيروت.
المتشائمون يتخوّفون من تأخّر انتخاب رئيس للجمهورية الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية في الخريف المقبل فلدى بري دعوة لزيارة المملكة العربية السعودية منذ بضعة أشهر نقلها اليه سفيرها في لبنان الدكتور علي عواض العسيري، وقد وعد بتلبيتها في توقيت يحدّده هو، لأنه يحرص على أن تحقق النتائج المرجوّة منها لمصلحة البلدين ومجمل الأوضاع في لبنان والمنطقة، ولا يجوز إتمامها من دون ضمانٍ مسبق لهذه النتائج.

ولذلك، بروتوكولياً لم يكن ممكناً حصول أيّ لقاء بين الملك سلمان وبري في العاصمة المصرية، ولكن كان ممكناً حصوله في حال وحيدة لو أنّ الأوّل دعا الثاني الى مثل هذا اللقاء، ولكنّ ذلك أيضاً لم يحصل لإقتناع الجانبين بأنّ أهميته تكمن في المكان الذي ينعقد فيه فضلاً عن الزمان، ما يعني أنّ انعقاده في المملكة يكتسب أهمية كبرى من حيث قربه جغرافياً وسياسياً من القضايا التي سيتصدى لها مشفوعاً بالتوقيت المناسب لهذا التصدي.

ويقول بعض الذين تسنّى لهم الاطّلاع على أجواء زيارة بري الأخيرة للقاهرة ولقاءاته فيها، ولا سيما منها لقاؤه مع الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إنّ الرجل ترك لدى الأخير «وديعة» هي عبارة عن رغبة بأن تبادر مصر بما لديها من علاقات متينة مع الرياض، وكذلك مع طهران، دافعة في اتجاه إقناع البلدين بالدخول في حوار بينهما لتطبيع العلاقات السعودية ـ الإيرانية خصوصاً، والعربية ـ الإيرانية عموماً، لأنّ مثل هذا الأمر يشكل المنطلق الأساس لإنهاء الأزمات في المنطقة ولإنهاء الفتنة المذهبية التي تشهدها المنطقة وتهدّد بتفكك العالمَين العربي والإسلامي.

فبري كان ولا يزال يرى أنّ مفتاح الحلول لأزمات المنطقة هو التقارب بين الرياض وطهران، لأنّ من شأنه إذا حصل أن ينعكس هدوءاً على كلّ جبهات التوتر والنزاع المذهبي، فتتوافر الحلول للأزمات اليمن والبحرين والعراق وسوريا ولبنان، علماً أنّ بري يعتبر أنّ مجرد حصول مثل هذا التقارب من شأنه أن ينعكس أولاً على لبنان، كون أزمته هي الاقل تعقيداً والأسهل حلاً من بين بقية أزمات المنطقة، فمجرد انتخاب رئيس جديد للحجمهورية تنفتح الأبواب لحلّ بقية القضايا اللبنانية الداخلية المختلف عليها بين الأفرقاء السياسيين.

ومن ضمن «وديعة» بري لدى القاهرة أيضاً أن يبادر الرئيس المصري في اتجاه الجانب السعودي لكي تعيد المملكة إحياءَ هبة المليارات الأربعة من الدولارات التي كانت قدمتها للجيش والقوى الأمنية اللبنانية، وأوقفتها قبل أسابيع إثر تصاعد الحملات الإعلامية بينها وبين حزب الله.

علماً أنّ بري فاتح الجانب المصري في ما يمكن أن يقدّمه الجيش المصري من مساعدة ودعم للجيش اللبناني في مختلف المجالات، خصوصاً في ظلّ المعركة التي يخوضها ضدّ الإرهاب في الداخل وعلى الحدود اللبنانية ـ السورية، وهي المعركة نفسها التي يخوضها الجيش المصري في سيناء وغيرها من المناطق المصرية التي تنتشر فيها الجماعات الإرهابية والتنظيمات المسلّحة المتطرّفة.

سينتظر بري ومعه اللبنانيون ما يمكن للجانب المصري أن يقوم به من تحرّكات في اتجاه الرياض وطهران في قابل الأيام والأسابيع، ولكن ليست هناك أيّ أوهام لدى أحد في أنّ شيئاً دراماتيكياً سريعاً سيحصل قريباً بين هاتين العاصمتين الكبريين والمؤثرتين جداً في أوضاع المنطقة والأزمات التي تشهدها، لكنّ تطوّر الأحداث الجارية في الساحات اليمنية والعراقية والسورية في هذه الأيام تشي بأنّ ساعة التفاوض الفعلي بين المتنازعين لم تعد بعيدة وأنّ المسألة بدأت تُحتسب بالأشهر بعدما كانت تُحتسب بالسنوات.

الرئاسة الأميركية

على أنّ المراقبين ينقسمون في النظرة الى مستقبل الأوضاع في لبنان والمنطقة الى فريقين:

ـ الفريق الأوّل، يتوقع تطوّرات دراماتيكية في اتجاه إنتاج المعالجات والتسويات للأزمات الاقليمية لتكون جوازَ مرور جديد للحزب الديموقراطي الى البيت الأبيض في الانتخابات الرئاسية المقرّرة الخريف المقبل، حيث تنتهي ولاية الرئيس باراك أوباما الثانية ويحلّ مكانه رئيسٌ آخر من حزبه قد يكون وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون زوجة الرئيس الأميركي الديموقراطي السابق بيل كلينتون.

ويدرج هذا الفريق «التعاون المثمر» القائم بين أوباما والرئيس الروسي فلاديمير بوتين على معالجة أزمات المنطقة وتبريد بؤر التوتر في غير منطقة من العالم في إطار «استراتيجية ديموقراطية» للفوز بالرئاسة الأميركية لولاية جديدة في مواجهة الحزب الجمهوري الذي اتسمت سياساته التي اعتمدها الرؤساء الذي ينتمون اليه بشنّ الحروب ما ألحق أضراراً فادحة في الاقتصاد الأميركي والعالمي.

ولذلك فإنّ هذا الفريق من المراقبين يتوقع أن تتماثل أزمات المنطقة الى الحلّ، أو الاندراج على سكة الحلول تباعاً خلال الأشهر الفاصلة عن موعد الانتخابات الرئاسية الأميركية.

ـ الفريق الثاني، يتوقع استمرارَ أزمات لبنان والمنطقة في دائرة المراوحة حينا، والتوتر، أو التفجّر أحياناً، الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأميركية وظهور سيد «البيت الابيض» الجديد في ضوء نتائجها. ويتخوّف هذا الفريق من أن تطول هذه الأزمات أكثر في حال فوز مرشح الحزب الجمهوري بالرئاسة الأميركية، إذ إنّ هناك دولاً وقوى إقليمية ودولية تراهن بقوة على عودة الجمهوريين الى البيت الابيض معتقدة بأنّ هذه العودة ستغيّر قواعد اللعبة التي تشهدها المنطقة لمصلحة مشاريعها السياسية التي تخوض حروباً لتحقيقها في هذه الدولة أو تلك، لأنّ في ظلّ رئاسة أوباما «الديموقراطي» والسياسة التي ينتهجها إزاء أزمات المنطقة وكان شعارها ولا يزال الانسحاب العسكري وعدم خوض حروب جديدة، علماً أنّ أوباما اعتمد سياسة ما سُمي «الحرب الناعمة» بديلاً من «الفوضى الخلّاقة» التي استخدمها الجمهوريون أيام الرئيس الأميركي السابق جورج دبليو بوش.

وفي هذا السياق يتشاءم هذا الفريق ولا يرى حلّاً لأزمة لبنان ولا انتخابَ رئيسٍ للجمهورية اللبنانية قبل انتخابِ رئيس الولايات المتحدة الأميركية؟!