كتب الان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:
مرة جديدة تأخذ معركة الحدث طابعاً مختلفاً عن بقية المعارك على إمتداد قرى لبنان، نظراً لما تمثّل هذه البلدة من ثقل سكّاني في قضاء بعبدا المتنوّع طائفيّاً وحزبياً، إضافة الى الصبغة السياسية التي تأخذها المعركة، على رغم الوجود القوي للعائلات.مَن يراقب مجريات إنتخابات الحدث، يكتشف أنّ القوى الأساسية في البلدات تستطيع أن تؤلّف لوائح وتجذب إليها الأحزاب والعائلات، وإذا نظرنا إلى عمق المعركة نرى الرئيس الحالي للبلدية جورج عون قد نجح في كسب تأييد «التيار الوطني الحرّ» ونواب تكتّل «التغيير والإصلاح» في قضاء بعبدا، بينما تركت «القوّات اللبنانية» الحرية لناخبيها ومحازبيها لأنها لا تريد أن تدخل في مواجهة مع «التيار» بعد مصالحة معراب، فيما يستمرّ رئيس اللائحة المقابلة أنطوان كرم في المعركة.
«التيار» يحسم
للحدث رمزية خاصّة عند المسيحيين، فهي البلدة التي كانت محبّبة على قلب الرئيس الراحل كميل شمعون، كذلك، فإنها شكّلت أهم معاقل «التيار الوطني الحرّ». ويستعدّ نحو 13500 ناخب مسجّلين على لوائح الشطب بينهم نحو 700 ناخب سنّي و700 شيعي للتوجّه الى صناديق الإنتخاب لإختيار مجلس بلديّ مؤلّف من 18 عضواً.
وقد شهدت إنتخابات عام 2010 معركة شرسة بين لائحة عون المدعومة من «التيار» ولائحة كرم المدعومة من «القوّات» و«14 آذار» وإنتهت المعركة بفوز لائحة عون.
اليوم، وبعد أخذ وردّ ومحاولات توافق، يبدو أنّ الأمور تتّجه نحو معركة حتميّة تحسمها الصناديق، مع العلم أنّ أسهم عون إرتفعت بعد حصوله على التأييد العوني. وفي هذا الإطار التقى «تضامن شباب الحدث»، مع نواب بعبدا في «التيار الوطني الحر» ونائب رئيس حزب التيار للشؤون الادارية رومل صابر، في حضور لائحة «التضامن للاستحقاق البلدي» برئاسة عون والمخاتير وممثلين عن أحزاب البلدة وفعالياتها.
وقدّ أكّد النائب حكمت ديب أنّ «الالتزام من قبل «التيار الوطني الحر» بتضامن شباب الحدث واضح وصريح، ونحن لا نحارب اشخاصاً بل نقف في وجه نهج كان سائداً قبل العام 2010 وضرب الحدث وأملاكها». في وقت شدّد النائب ألان عون على «أننا نجدد ثقتنا بهذا الفريق وهذه البلدية التي نجحت ورفعت رأس الحدث و»التيار الوطني الحر» وتستحق أن تجدّد ثقتنا بها».
عون
بعد موقف «التيار» ونواب بعبدا، يبدي رئيس البلدية جورج عون إرتياحه لمجريات المعركة، وهو قد حرّك ماكينته الإنتخابية منذ مدّة، ويقول لـ«الجمهوريّة»: «الإنتخابات في الحدث مثل كلّ إنتخابات، وموقف «التيار» بات معروفاً، وهو مع «تضامن الحدث» ويؤيّدنا، وقدّ وقف معنا في انتخابات 1998 و2004 و2010، والنواب جدّدوا الثقة بنا، وهم يدعمون برنامجنا الإصلاحي والإنمائي، فنحن نخوض الإنتخابات على أساس برنامج إنتخابي يطوّر الحدث».
ويلفت عون الى أنّ «محاولات التوافق مع «القوّات» فشلت لأننا تفاوضنا معهم، وشكّلت اللائحة منذ شهر ونصف الشهر وضمّت قوّاتياً هو روجيه الشرتوني، لكنّ منسّق «القوّات» في البلدة إختار أن يترشّح على لائحة كرم».
«القوّات»
تحتاج كلّ معركة بلديّة الى تجميع أكبر عدد من القوى السياسيّة الى جانبها، على رغم طغيان العامل العائلي، وفي حين لم يصدر حتّى الساعة أيّ موقف رسمي لـ«القوّات» من المعركة البلدية، يشرح إبن الحدث الوزير السابق طوني كرم موقف «القوّات»، ويؤكّد لـ«الجمهوريّة» أنّ «الحزب إقترح أن يبقى الرئيس عون على رأس البلديّة ويختار 5 أعضاء، فيما يمنح 6 اعضاء للعائلات غير الممثلة في الأحزاب، و6 أعضاء لـ«القوات» والكتائب و«الأحرار» على أن تعلن اللائحة من منزل كرم ليكون الجميع راضياً، لكن يبدو أنّ الامور لم تسر في هذا الإتجاه، لذلك نحن لا نريد أن ندخل في معركة مع «التيار» أو أيّ قوّة اخرى، وتركنا الحرّية للناخبين، خصوصاً أنّ «القوّات» هي فوق المحاصصات ورفضت الدخول الى الوزارة لكي لا يحصل تقاسم للحصص»، موضحاً: «إما توافق او لن ندعم أحداً، وعلى رغم أن المرشّح كرم هو من أقربائي إلّا أن لا موقف رسمياً من الحزب يدعمه لأنني أفصل القرابة عن السياسة، خصوصاً أننا على تفاهم مع «التيار».
اللائحة المنافسة
يُجمع معظم المراقبين على أنّ المعركة ستكون محتدمة في الحدث، لكنّ إتفاق «التيار» و«القوّات» قد برّد الأجواء، إذ إنها لم تعد معركة سياسيّة. وعلى رغم حسم «التيار الوطني الحرّ» لموقفه الى جانب عون، وبقاء «القوّات» على الحياد وترك الحرية للناخبين، وتأييد الكتائب للائحة كرم، يؤكّد المرشّح لرئاسة البلدية انطوان كرم الإستمرار في المعركة، ويوضح لـ«الجمهوريّة» أنّ «لائحته تضمّ 5 مرشّحين من «التيار الوطني الحرّ» و4 من «القوّات اللبنانية» و2 كتائب والآخرين من العائلات»، معتبراً أنّ اللائحة أُفرزت من تجمّع عائلات الحدث والأحزاب، فمنسّق «القوّات في البلدة فادي خليفة معنا، وهناك المنسق العام لـ»التيار الوطني الحرّ» في الحدث سابقاً جوزف ونيس معنا». ويسأل: «ألا يكفي هؤلاء لأن تكون القوى السياسيّة الى جانبنا؟».
ويشير الى انّه «وعلى رغم دعم «التيار» للائحة عون، فإنه يتّكل على العائلات الكبرى وأهالي البلدة الذين يقفون الى جانبنا»، مرجِّحاً «ولادة اللائحة السبت المقبل».
«الكتائب»
وبما أنّ الوجود الكتائبي في منطقة بعبدا تاريخي، فقد اتخذ الحزب موقفاً واضحاً من مجريات المعركة، إذ أعلن تأييده لائحة كرم لأسباب عدّة، أبرزها «أنّ عون يخوض الانتخابات تحت شعار سياسيّ، وقدّ ألّف لائحة مغلقة وطلب من الجميع دعمها، كذلك فإنّ عائلة كرم هي عائلة حليفة لحزب الكتائب تاريخيّاً، من هنا ذهبنا الى خيار دعم أنطوان كرم على رغم انّ علاقتنا جيّدة بالرئيس الحالي عون».
سلك عون مسافة كبيرة لعودته الى رئاسة البلديّة مجدّداً بعد نيله دعم اكبر قوّة مسيحيّة في الحدث، في حين أنّ الكلمة الفصل تبقى ليوم الإنتخاب، والجميع يستعدّ لهذا اليوم المفصلي ولمفاجآته.
فالشعارات التي ترفع في البلدة تدلّ الى أنّ المواجهة الإنتخابية تتداخل فيها عوامل عدّة ولا تقتصر على البعد العائلي الصرف، ويسجّل في الحدث إنقلاب المشهد السياسي بعد تفاهم «القوّات اللبنانيّة» و»التيّار الوطني الحرّ»، فالمعركة الشرسة التي حصلت عام 2010 تحوّلت الى انتخابات هادئة سنة 2016. والتطاحن على البلديات والإنتخابات الطالبية والنقابية بين هاتين القوتين، لإثبات من يمثّل مسيحيّاً أكثر، لم يعد موجوداً في ظل اتفاق معراب الأخير.
ويبدو أيضاً، حسب تحليل البعض، أنّ هناك إتفاقاً ضمنياً بين «القوّات» و»التيّار» على أن يؤلف الحزب الأقوى لائحة واحدة في المناطق التي لم ينجحا فيها بالتوافق. فعلى سبيل المثال، إذا اختلفا في إحدى بلدات الشمال المسيحية، يترشّح لرئاسة البلدية شخص قوّاتي نظراً لثقل «القوّات» في الشمال، بينما يترك «التيار» الحريّة لناخبيه. وإنّ مثل هذا الأمر حصل في الحدث، حيث فشل الإتفاق، فدعم «التيار» عون فيما تركت «القوّات» الحريّة لناخبيها.
ومن هذا المنطلق، تتجه بلدات قضاء بعبدا إمّا الى التوافق، او إلى معارك لا تحمل في معظمها طابعاً سياسياً، فيما حسم تحالف «حزب الله» وحركة «أمل» ميزان القوى في بلديات الضاحية الجنوبية التابعة لقضاء بعبدا، مع عدم إنكار وجود قوى مرجّحة داخل البيئة الشيعيّة والتي أثبتت وجودها وقوتها في انتخابات عام 2010، خصوصاً أنّ العائلية تغلب في معظم المناطق، ولا تسلم منها أيّ بلدة أو مدينة.