Site icon IMLebanon

“أوراق بنما”… هل تُلغي السرية المصرفيّة في لبنان؟

panama-papers

موريس متى

فضيحة “أوراق بناما” هزّت العالم… إلاّ لبنان! على الرغم من إدراج أسماء مئات الشخصيات والشركات اللبنانية، لم يتحرّك القضاء اللبناني ولم يفتح أي تحقيق في حين سقطت في دول أخرى رؤوس كبيرة من رؤساء إلى وزراء ومستشارين ومقرّبين ورجال أعمال.

لا تزال تداعيات فضيحة “أوراق بناما” تُلقي بظلالها على العالم، أما في لبنان فلم يفُتح أي تحقيق بالأمر ولم يتم استدعاء أي شركة أو فرد للاستماع الى أقواله والتحقق من المعلومات التي أشارت الى تورط عدد هائل من اللبنانيين بهذه الفضيحة. وما زاد الطينة بلّة، المعلومات الى رجّحت ادراج لبنان في اللائحة السوداء لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OCDE) للدول التي تعتبر من الملاذات الضريبيّة. هذه التطورات وان حصلت، ستكون لها تداعيات خطيرة على القطاع المصرفي اللبناني وما تبقى من سرية مصرفية فيه. تتمّ عملية التهرّب الضريبي التي تحولت جريمة في الأعوام المنصرمة عبر احدى هذه القنوات: التصريح الكاذب، اخفاء الحقيقة، وتغيير النشاط الاقتصادي للأموال. أما وسائل التهرّب فتشمل العديد من الاجراءات، أبرزها: عدم ادخال الأموال الى النظام المصرفي، الاحتفاظ بسبائك ذهب، تغيير جنسية الشخص الى جنسية بلد يجذب بسياسته الضريبيّة، التأمين على الحياة، الحسابات المصرفية والاستثمارات باسم شركات التأمين ما يعفي الشخص من التصريح عن الحساب، عدم التصريح عن صاحب الحق الاقتصادي، استخدام هندسات مالية معقّدة لتعتيم هوية صاحب الحق الاقتصادي، استخدام نظام مصرفي يعتمد السريّة المصرفية، التصريح الكاذب في الجمارك.
نتيجة الضغوط الدولية أقر مجلس النواب في تشرين الثاني من العام الماضي قوانين عدة تتعلّق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب ونقل الأموال عبر الحدود والتهرّب الضريبي. وينص القانون المُعجّل رقم 43 “تبادل المعلومات الضریبیة” على بنود عدة منها الايجاز لوزیر المال عقد أو الانضمام الى اتفاقات ثنائیة أو متعددة الطرف لتبادل المعلومات المتعلّقة بالتهرّب الضریبي أو الاحتيال الضريبي وتحديد صلاحيات وزارة المال بنقطة عبور الزاميّة لأي طلب معلومات تتعلّق بالتهرّب الضریبي على أن يُحوّل الطلب الى “هیئة التحقیق الخاصة” عندما تكون المعلومات المطلوبة مشمولة بقانون السریة المصرفیة أو المادة 151 من قانون النقد والتسلیف. كل ذلك مشروط بأن یستند طلب المعلومات الى حكم مبرم بتجریم المستعلم عنه.
من هنا يستبعد الرئيس السابق لجمعية المصارف الدكتور فرنسوا باسيل أن تعتبر منظمة الـOCDE لبنان دولة غير متعاونة، مشيراً الى أن قانون الاصلاح الضريبي والقوانين التي أقرها مجلس النواب في نهاية العام الفائت خير برهان على مدى التزام لبنان عدم اخفاء أي أموال وتحصين نفسه من أي عمليات مشبوهة قد تساهم في التهرّب الضريبي. ويقول في هذا السياق: “منظمة الـOCDE وافقت على القوانين التي أقرها لبنان ورحّبت بها. لبنان متعاون الى أقصى درجة مع المنظمة وكل الدول تحت سقف القوانين المرعية الاجراء”. ويعتبر أن “السرية المصرفية في لبنان هي سرية مصرفية مهنية بامتياز تحمي المودعين وأموالهم الناتجة من نشاطات مشروعة ومُعلنة، وهي موجودة في جميع الدول وعلى رأسها الولايات المتحدة”.
ويؤكد باسيل لـ”النهار” أن السلطات النقدية والمصرفية ملتزمة القرارات القضائيّة الصادرة في الداخل بما يتعلّق برفع السرية المصرفية عن الافراد والمؤسسات، وذلك تحت سقف قانون “السرية المصرفية”. وفي ما يتعلق بالتعاون مع الدول، فلبنان متعاون أيضاً مع كل القرارات الصادرة عنها وملتزم الاستنابات القضائية الدوليّة شرط مرورها بالآليات القانونيّة المحددة والتي تلاحظها المعاهدات الدوليّة”. ويشير الى أن لبنان لطالما التزم الاحكام القضائية الخارجية في العديد من المجالات، وأهمها ما يتعلّق بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الارهاب وملف التهرّب الضريبي، ضمن أطر قانون السرية المصرفية وقانون الاصلاح الضريبي وتبادل المعلومات الضريبيّة.
ولكن الخبير الاقتصادي والاستراتيجي البروفسور جاسم عجاقة يرى أن القانون الصادر في نهاية العام الماضي، وعلى الرغم من أهميته، لا يستوفي شروط المنظمة الدولية التي لم ترَ فيه تعاوناً كافياً، ما قد يدفعها الى ادراج لبنان في اللائحة السوداء للدول غير المتعاونة أي تلك التي لا تحترم أياً من الشروط الثلاثة: تبادل المعلومات الضريبيّة على الطلب، الاتفاقات المُتعددة الطرف والتبادل التلقائي للمعلومات. ويضيف: “مع الاشارة الى ان الشرط الثالث هو المُشكلة الأساسية التي يواجهها لبنان، والتي في ظل وجود السرّية المصرفية ستجلب له مشكلات أكبر من قدراته”.

معلومات التصريح التلقائي
في التصريح التلقائي تقسم المعلومات الى قسمين: المعلومات المُعرّفة والمعلومات المالية. تتضمّن الأولى رقم المُصرّح الضريبي(GIIN: Global Intermediary Identification Number)، الأسم، والعنوان؛ رقم الوكيل الضريبي (GIIN)، الأسم، والعنوان؛ الرقم الضريبي للوسيط المالي (GIIN)، الأسم، والعنوان؛ للأشخاص: رقم صاحب الحساب (GIIN)، الأسم، العنوان، تاريخ الميلاد؛ وللشركات: الرقم الضريبي (GIIN)، اسم المؤسسة، الرقم المالي، العنوان. أمّا المعلومات المالية فتضمّ أرقام الحسابات، قيمة الحسابات، قيمة عقود التأمين على الحياة، قيمة معاشات التقاعد، الفوائد، عائدات الأسهم، وعائدات أخرى. وبما أن العمل بالسرّية المصرفية لا يزال قائماً في لبنان، فان اعطاء هذه المعلومات يُشكّل مخالفة للقانون بحسب عجاقة، وتاليا فانه من شبه المُستحيل الاشتراك في الاتفاقات الدولية. ويقول: “من هنا الضغط على الطبقة السياسية لالغاء السريّة المصرفية”.

تداعيات الالغاء على لبنان
في هذا السياق، يعتبر عجاقة ان هرب رؤوس الأموال الى أماكن تتمتع بمردود أعلى كالولايات المُتحدة الأميركية هو على رأس هذه التداعيات، كونها المُستفيدة الأولى من حالة المصارف السويسرية. في وضع لبنان ومع خصوصية زبائن المصارف اللبنانية، من المُتوقع ألا يكون هناك تأثير كبير على ودائع القطاع المصرفي لأن الامتثال للقوانين الدولية سيزيد من الثقة بالنظام المصرفي ويفتح آفاقاً جديدة مع مزيد من الانفتاح على المصارف المراسلة. وفي حال لم ترفع السرية المصرفية في لبنان، يتوقع عجاقة أن يتمّ ادراج البلاد في اللائحة السوداء للبلدان غير المُتعاونة في المجال الضريبي، ما سيفرض ضرائب على الأموال المُتجّهة من لبنان واليه كنتيجة لعدم الشفافيّة في هذا المجال. كذلك ستخضع الاستثمارات الوافدة الى لبنان لمزيد من الضرائب، على أن تصل هذه الضرائب الـى 30 % من قيمة الأصول المُستثمرة.
كان الأجدى بالدولة اللبنانية أن تطلب من القضاء فتح تحقيق في فضائح “أوراق بناما” خصوصاً أن شركات الأوف شور اللبنانية هي تحت المجهر والتداعيات السلبية قد تكون كارثيّة. فاذا كانت سويسرا قد رضخت للضغوط الدولية، فهل يستطيع لبنان أن يصمد؟