كتبت منال شعيا في صحيفة “النهار”:
عندما يصبح السكوت من ذهب، موقفا، معنى ذلك أن لا تقدّم في جولات حوارية تكاد تختصر الجمود السياسي.
“مكانك راوح”: كلمتان تختصران الواقع. من التشريع، مرورا بالانتخابات الرئاسية، الى تفعيل عمل المؤسسات. بنود ثلاثة من الحوار، ولا تقدّم في أي محور. تلك هي المحصّلة من جولة الحوار الـ18 في عين التينة أمس.
وإذا كان رئيس “اللقاء الديموقراطي” النائب وليد جنبلاط حضر بعد انقطاع عن جلسات سابقة، فإن أي جديد لم يخرق رتابة الجلسة. وحده رئيس “تكتل التغيير والاصلاح” النائب العماد ميشال عون لا يزال يواظب على التمنع، فينوب عنه رئيس “التيار الوطني الحر” الوزير جبران باسيل، يرافقه النائب ابرهيم كنعان.
لا كلام بين جنبلاط والرئيس فؤاد السنيورة، ولا حدّية سجّلت بين الرجلين، على الرغم من التراشق الاخير. أما المرشح رئيس “تيار المردة” النائب سليمان فرنجية فاختار الجلوس في “المقلب الدرزي”. توسّط جنبلاط ورئيس الحزب الديموقراطي اللبناني النائب طلال أرسلان. دردش مع الاول، وضحك مع الثاني. والاثنان غادرا قبل انتهاء الجلسة. جنبلاط ابتعد عن الكاميرات ولم يصرح. وفرنجية اكتفى بالقول: “السكوت من ذهب”.
مبادرة بري
في هذه الاثناء، كانت الجلسة تغوص في معضلة التشريع. بري يريد أن يشرّع، وفي الوقت نفسه يريد أن يفتح باب مجلس النواب برضى الجميع. إلا أن هذا الرضى بقي يصطدم بمواقف الكتل المسيحية. الكتائب لا تزال على موقفها المبدئي الرافض أي تشريع قبل انتخابات الرئاسة. و”التيار” و”القوات” لا يزالان يريدان قانون الانتخاب بابا للتشريع.
ووفق معلومات “النهار”، عرض بري خلال الجلسة التقرير الذي سلمته اللجنة المكلفة البحث في قانون الانتخاب، وقرأ أمام المتحاورين جزءا منه. بيّن الآراء المعروفة لكل طرف، وأوجز أن المساحة المشتركة كانت النظام المختلط.
وتلاه نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، فقال إنه “مع التشريع الكامل لأنني أعرف أن عدم التشريع لن يؤدي إلى انتخاب رئيس جمهورية، ولو كان انتخاب رئيس مرتبطاً بتعطيل التشريع لكنت أول المعطلين”، لكنه تدارك: “مستجدات عدة حصلت من تعهد الحريري ومن اجتماع لجنة الانتخاب، لذلك، إذا أردنا البحث في التشريع فينبغي أن نناقشه مع قانون الانتخاب، لا على حدة”.
ثم عاد بري الى توصية سبق أن أقرها مجلس النواب خلال جلسة التمديد للمجلس. يومها، انعقدت هذه الجلسة في غياب “التيار الوطني الحر”، فأعاد بري التذكير بأن الهيئة العامة سبق أن أقرّت بأن انتخاب الرئيس سيكون قبل إقرار قانون الانتخاب، “وبالتالي لا يستطيع المجلس اليوم تجاوز هذه التوصية قبل رفع الحظر عنها”.
فتدخّل كنعان مذكرا بري بأنه “بعد تلك الجلسة، وخلال جلسة التشريع الاخيرة، ربط مجلس النواب بين أولويتي انتخاب الرئيس ووضع قانون انتخاب، وان الامر الذي ينضج قبلا يقرّ”.
بقي بري مصرّا على موقفه، وقرأ محضر جلسة التمديد والتوصية. وهنا، تحفظ كنعان، وأشار الى أن “التوصية أصلا غير ملزمة”.
بعدها توالت المواقف. فاعتبر مكاري ان “النقاط المختلف عليها ينبغي إنهاؤها بالإقناع أو بالتصويت خلال جلسة للهيئة العامة. لذا، فلنعط قانون الانتخاب الأولوية ولنخصص الأسبوعين المقبلين له كي نزيل الحظر”.
الوزير ميشال فرعون أشار الى عدم إمكان تجاوز آراء الكتل المسيحية، فيما اعتبر الوزير بطرس حرب ان “اي تدبير لتفعيل عمل مجلس النواب يجب ألا يشجع من يعطل نصاب انتخاب رئيس للجمهورية، وانتخاب الرئيس ينبغي ان يسبق اقرار قانون الانتخاب”.
أما فرنجية فأيد التشريع، لكنه أكد في الوقت نفسه “ضرورة الحفاظ على الأعراف والتوازنات، على الرغم أن لا مشكلة عندنا في التشريع”.
وهنا توجه باسيل بسؤال الى السنيورة: “ماذا عن التعهد السابق للرئيس سعد الحريري بعدم حضور أي جلسة اشتراعية جديدة، من دون ادراج قانون الانتخاب في جدولها؟”.
فأجاب السنيورة: “نحن مع الاتفاق والتعهد، انما اليوم نمر بظروف استثنائية، ولا يجوز ان نخرّب البلد وان نترك مصلحة المواطن. ثم الى أين نذهب؟ إذا لم يحصل اتفاق على قانون الانتخاب، او اذا لم يقرّ، فماذا نفعل بالتشريع؟ هل نبقى نجمّده الى اجل غير محدد؟”.
ولاقاه الرئيس نجيب ميقاتي معتبرا أن “إقرار قانون الانتخاب ينبغي ان يتم بعد انتخاب رئيس”.
هكذا، بدت الطريق غير معبدة امام قانون الانتخاب. فكانت “مبادرة شكلية” من بري تقوم على أن تجتمع هيئة مكتب المجلس قريبا لتحدد جدول اعمال جلسة تشريعية يفترض ان يدعو اليها مطلع أيار المقبل، وخلال الجلسة، تبحث الهيئة العامة في القرار الذي سبق أن اتخذته بأولوية انتخاب الرئيس قبل القانون.
بقي بري مصرا على موقفه، وأمهل الأطراف الآخرين حتى نهاية الاسبوع للرد على هذا الطرح، وقال: “إذا ما مشيتو، أنا سأدعو الى جلسة، أتمناها ان تكون في حضور الجميع، لكنني سأذهب بها الى النهاية”.
ويبدو أن الاطراف لم ينتظروا حتى نهاية الاسبوع للرد، فما ان خرجوا حتى توالت بعض الآراء.
وعلّق باسيل: “لم نتفق على شيء. إن منطق العدالة بين اللبنانيين فقد”.
وتلاه كنعان: “قانون الانتخاب أولوية دستورية وميثاقية. والتيار يتحفظ عن كل هذه المبادرات”.
أما عضو كتلة “الوفاء للمقاومة” النائب علي فياض فلفت الى ان “المواقف لا تزال متباعدة جدا في شأن القانون الانتخابي”.
مطالعات رئاسية
لم يكن التشريع الطبق الوحيد على طاولة الحوار. إذ سبقته “مطالعات رئاسية”، وتجديد حول التعجيل في انتخاب رئيس، بعد عامين على الشغور. وبرزت مداخلة رئيس حزب الكتائب النائب سامي الجميل الذي اقترح “انتخاب الرئيس بأكثرية الثلثين في الدورة الاولى، وبأكثرية النواب الحاضرين في الجولات الاخرى”.
الجميل تحدث عن “الثلث الخاطف للرئاسة”، فرد باسيل: “هناك أكثرية خاطفة للتمثيل المسيحي منذ 1990”.
اقتراح الجميل رد عليه جنبلاط، معتبرا انه ينبغي احترام الاعراف والحفاظ عليها، كما ان بري اعتبر ان هذا الامر لا يجوز، وذكّر بجلسة انتخاب الرئيس بشير الجميل، “إذ على رغم الظروف الامنية الخطرة يومها، بقي النواب في المجلس ينتظرون، تحت القذائف، اكتمال نصاب الثلثين لإتمام عملية الانتخاب”.
بدوره، عاد حرب وذكر باقتراحه حول آلية انتخاب الرئيس، والاقتراح الذي يعدّ حاليا، ويطالب بأن “يكون النصاب في الدورتين الاولى والثانية الثلثين، أما في الدورة الثالثة فيصبح النصف زائدا واحدا”.
بقيت هذه الافكار… ورفعت الجلسة الى 18 أيار المقبل. وحتى آخر أيار، ستفتح أبواب المجلس للتشريع، أي قبل انتهاء العقد العادي الاول. فهل سيكون من مفاجآت، ام ان السكوت سيبقى سائدا؟