كتب غاصب المختار في صحيفة “السفير”:
ضغوط كثيرة يتعرض لها لبنان في هذه المرحلة، باتت باعتراف كبار المسؤولين أكبر من قدرته على التحمل، وهي تبدأ بملف النازحين السوريين والمجموعات الإرهابية النائمة، ولا تنتهي بالتخلي العربي، ولو غير الرسمي، عن دعمه فعلياً ومساعدته على النهوض.
ولعل قرار تصنيف “حزب الله” منظمة “إرهابية” من قبل بعض الدول العربية في المؤتمرات التي عُقدت بين الرياض والقاهرة، ومن ثم الدول الإسلامية في القمة الإسلامية التي عُقدت مؤخراً في اسطنبول ـ برغم بعض التحفظات ـ ليس آخر القرارات التي قد تزيد الضغط على لبنان وحكومته وعلى اقتصاده ومجتمعه.
وثمة أكثر من وزير وفريق من شرائح سياسية مختلفة، يرى أن هذه الضغوط تطال العملية السياسية في لبنان، فتزيد تعقيداتها وتعرقل اكثر المساعي الجارية أوروبياً ولو بخجل، لمعالجة الأزمات القائمة، وأبرزها أزمة الشغور الرئاسي ومشكلة تفعيل عمل الحكومة وعمل المجلس النيابي. وهم يرون أنه طالما استمر الربط العربي بين الصراع السعودي ـ الإيراني وبين الوضع اللبناني، فإن أزمات لبنان تتجه إلى مزيد من التعقيد بدل التسهيل، وثمة من يخشى أن تتجه إلى الانفجار غير المحسوب، لا سيما بعد تراجع العملية السياسية في سوريا لمصلحة تصاعد العمليات العسكرية.
وثمة أيضاً من يقول إنه “إذا لم تكن السعودية وحلفاؤها قادرين أو غير راغبين على مجابهة إيران في أرضها، فمن العبث أن يواجهوها على أرض لبنان، فلا إيران ستهتم كثيراً للتداعيات والانعكاسات، ولا حزب الله سيتأثر كثيراً، بل إن التأثيرات ستقع على غالبية الشعب اللبناني، المنقسم أصلاً بين تيارات ومرجعيات سياسية وحزبية وطائفية، فيتمترس خلفها، ما يزيد حدة الانقسام”.
وتلاحظ مصادر وزارية أنه ما كاد لبنان يخرج من تداعيات الموقف الذي عبّر عنه وزير الخارجية جبران باسيل في مؤتمر وزراء الخارجية العرب حول الموقف من “حزب الله” وإيران، حتى جاء مؤتمر اسطنبول ليعيد المشكلة الى المربع الأول بإدانته ما وصفه “أعمال حزب الله الإرهابية”، لكن هذه المرة بشكل أوسع، مع انضمام معظم الدول الإسلامية إلى الموقف السعودي ـ الخليجي، برغم تحفظ لبنان وبعض الدول.
إلا أن المصادر ترى أن لبنان لم يرد زيادة التأزم في العلاقة مع الخليجيين فاكتفى بالتحفظ على فقرة إدانة “حزب الله” وعلى فقرات أخرى تتعلق ببعض الدول والجماعات الأخرى، ووقف مع الإجماع العربي والإسلامي حول الموقف من إيران.
ولا يخفى أن رئيسي المجلس النيابي والحكومة حاولا كثيراً الفصل بين ما يمكن أن يؤثر على “حزب الله” وما يمكن أن ينعكس على لبنان ومؤسساته الدستورية والأهلية والاقتصادية ولم يوفقا، كما أن بعض الدول الأوروبية الصديقة، لا سيما فرنسا، سعت لتخفيف الضغط الخليجي على لبنان، ولم توفق أيضاً حتى الآن.
وكان الرئيس تمام سلام قد استقبل أمس في إطار مساعيه لترطيب العلاقات مع دول الخليج، سفير المملكة العربية السعودية لدى لبنان علي عواض عسيري. ثم سفير دولة الإمارات العربية المتحدة لدى لبنان حمد سعيد الشامسي، وتم بحث في مختلف الأوضاع والتطورات والعلاقات بين لبنان والبلدين، وذلك قبل مشاركة السفيرين في مؤتمر “إيدال” الذي أقيم في السرايا الحكومية أمس. وتصف مصادر السرايا اللقاء القصير الذي جمع الملك السعودي سلمان بن عبد العزيز بالرئيس سلام في قمة اسطنبول “بالودي والدافئ جداً”. لكن ذلك برأي المتابعين لم يمهد الطريق بعد أمام ترطيب العلاقات بشكل نهائي لتعود إلى طبيعتها الحميمة، برغم كل الكلام الودي والطيب الذي يقوله السفير السعودي عن سلام وعن الموقف من الحكومة، وأن المملكة لن تتخلى عن لبنان.