عادت مطالب عمال النفط بالكويت إلى نقطة البداية .. وعاد قادة نقاباتهم للتفاوض من جديد مع الحكومة بعد نهاية مفاجئة وغامضة إلى حد كبير لإضراب عمالي غير مسبوق في دولة خليجية دام ثلاثة أيام.
كان هدف الإضراب الذي نظمه اتحاد عمال البترول وصناعة البتروكيماويات في الكويت هو الضغط على الحكومة من أجل استثناء عمال النفط من مشروع قانون “البديل الاستراتيجي”.
وترغب الحكومة في تطبيق هذا القانون على جميع العاملين في الدولة من أجل تحقيق “العدالة” وترشيد الإنفاق بينما ترى فيه النقابات النفطية انتقاصا لحقوق أعضائها المالية ومزاياهم الوظيفية.
وقبل نحو خمس ساعات من إعلان إنهاء الإضراب دعا الاتحاد لمؤتمر صحفي مساء الثلاثاء احتشد فيه عشرات الصحفيين والإعلاميين وسط آلاف من العمال المضربين في مقر الاتحاد بمدينة الأحمدي حيث ترقب الجميع خبرا وصفته قيادات العمال بأنه “مهم للغاية وحاسم” بشأن الإضراب.
وكانت المفاجأة أن يعلن المتحدث الرسمي باسم الاتحاد فرحان العجمي استمرار الاضراب حتى تحقيق جميع مطالب العمال في لهجة حماسية ووسط صيحات التأييد من آلاف العمال الغاضبين الذين ظلوا يرددون عبارات “لن نساوم .. لن نساوم” و”مستمرين .. مستمرين.”
وقال العجمي “الإلغاء مرتبط بإلغاء القرارات الصادرة من مؤسسة البترول التي انتزعت الحقوق المكتسبة للعمال واستثناء القطاع النفطي من البديل الاستراتيجي ثم العودة لطاولة المفاوضات.”
وخلال المؤتمر الصحفي تلا سيف القحطاني رئيس الاتحاد بيانا رد فيه على بيان لمجلس الوزراء صدر في وقت سابق من يوم الخميس وفند فيه ما اعتبره تهديدا من الحكومة للعمال المضربين مؤكدا في لهجة لا تخلو من تحد أن الاتحاد “سوف يتخذ كافة الإجراءات ضد أي ظلم يقع على العامل وضد أي مسؤول يخالف نصوص القانون.”
وفي الليلة ذاتها وعقب المؤتمر الصحفي قال وزير النفط الكويتي بالوكالة أنس الصالح في مقابلة تلفزيونية إنه لن يجلس إلى طاولة المفاوضات مع النقابات النفطية في ظل الإضراب مؤكدا أن الإضراب يجب أن يتوقف أولا ثم تبدأ المفاوضات.
المؤتمر الصحفي الجماهيري للاتحاد وتصريحات الوزير بعثت برسالة للجميع بأن الأزمة وصلت إلى طريق مسدود.
لكن فجأة ودون توقع خرج رئيس اتحاد عمال البترول سيف القحطاني في منتصف الليل تقريبا ليعلن عبر موقع تويتر إنهاء الإضراب “إكراما لمقام حضرة صاحب السمو أمير البلاد المفدى.”
أوحى بيان القحطاني بأن الأمر تم بترتيب وتنسيق مع الديوان الأميري وعزز من هذا التوجه بعض مقاطع الفيديو التي انتشرت في وسائل التواصل الاجتماعي ويشير فيها قادة الاضراب إلى وعد من مدير مكتب أمير الكويت بتحقيق مطالب النقابات في حال إنهاء الإضراب.
إلا أن الديوان الأميري سارع بعد ساعات قليلة لينفي حدوث أي اتصال بين مدير مكتب الأمير وقادة النقابات وهو ما زاد الأمر غموضا وتعقيدا.
ونقلت ثلاث صحف كويتية يوم الخميس عن مصادر لم تذكرها أن أحد أعضاء الأسرة الحاكمة نقل رسالة ادعى أنها من مدير مكتب أمير الكويت لقيادات العمال وحمل مضمونها “الموافقة على مطالبهم شريطة إعلان فض الإضراب.. وعلى ذلك اتخذ قرار العودة عن الإضراب.”
وقالت صحيفة الرأي إن “الشيخ المذكور تلقى لوما شديد اللهجة على فعلته مقرونا بإجراءات سيتخذها مجلس الأسرة الحاكمة في حقه.”
وجدت قيادات العمال نفسها في مرمى العمال لاسيما مع اتساع رقعة النقد في مواقع التواصل الاجتماعي لاسيما موقع تويتر شديد الانتشار في الكويت.
والتقى اتحاد عمال البترول والنقابات النفطية يوم الخميس رئيس الوزراء الكويتي الشيخ جابر المبارك الصباح الذي قالت وكالة الأنباء الكويتية إنه “استجاب” لطلب هذه القيادات “وناقش سموه مع الحضور الآثار السلبية المترتبة على الإضراب وتعطيل الإنتاج.”
وأكد رئيس الوزراء أن الحكومة لن تستجيب لأي مطالب “تحت الضغط” وأنه “لا سبيل لفرض الرأي مهما كانت حجته ومبرراته” في إشارة إلى مطالب النقابات.
بيان رئيس الوزراء تلاه بيان آخر من الاتحاد قال فيه إنه “يثمن هذا اللقاء الأبوي.. وإننا على ثقة كاملة بحرص سموه على رعاية حقوق ومطالب أبنائه من الطبقة العاملة.”
ولم يرق بيان الاتحاد لكثير ممن شاركوا في الإضراب حيث وجه أحد الذين شاركوا في الاحتجاج اللوم للاتحاد على إنهاء الإضراب بدون الحصول على ضمانات مكتوبة.
وقال أبو خالد في حديث مع رويترز “لقد أنهوا الاضراب دون الحصول على توقيع رسمي (حكومي) بالاستجابة للمطالب وبدون جمعية عمومية لاتحاد النقابات وبدون أن يأخذوا حتى رأي العمال.”
وأضاف موجها حديثه لرئيس الاتحاد “أنت تعلن الإضراب بجمعية عمومية ثم تنهيه بكيفك.. هذا لا يجوز .. هناك استياء بين العمال وما زال مستمرا حول طريقة انهاء الإضراب.”
واشتعل موقع تويتر بتغريدات ساخنة مثل “انتقل إلى رحمة الله تعالى اتحاد عمال البترول والعزاء في تويتر” و”بيان ضعيف لا يرتقي للحدث واقسم بالله أنكم خذلتونا.. وإن دعيت لإضراب ثاني ما راح استجيب.”
وكتب آخر على تويتر يقول “ست ساعات من الانتظار لهذا البيان الهزيل الذي لا يحمل في طياته أي حق من حقوق إخوانكم العاملين الذين وثقوا بكم ثقة عمياء .. يا للأسف!”
وقال الدكتور فيصل بو صليب أستاذ العلوم السياسية في جامعة الكويت لرويترز إن من الواضح أن مطالب العمال لم تتحقق معتبرا أن إيقاف الإضراب يمكن أن يساعد على الوصول لحل وسط مع الحكومة التي وصف موقفها بأنه كان “ثابتا” بأنها لن تتفاوض في ظل الإضراب.
وتابع قائلا “العمال حققوا هدفا رئيسيا وهو إيصال رسالة بأنهم قادرون على توصيل صوتهم بشكل فاعل.”
“إذا كان العمال يريدون أن يصلوا لتسوية عليهم أن يكونوا براجماتيين.. السلطات في كل دول العالم لا تحب لي ذراعها.. إنها مسألة نفسية للأنظمة وخصوصا في دولنا العربية.. النظم لا تحب أن تظهر بأنها خضعت لإضراب هنا أو اعتصام هناك لأن هذا يشجع على تحدي قرارات الحكومة.”
واعتبر بو صليب أنه وبعد انتهاء الإضراب أصبح لدى الحكومة قدرة أكبر على تطبيق قراراتها.
وقال “هذا تكرر في قضايا مختلفة منها حتى قضايا غير شعبية.. واضح أن من يتسيد المشهد السياسي في الدولة حاليا هو السلطة التنفيذية مع تراجع السلطة التشريعية وقدرتها على معارضة السلطة التنفيذية.”