Site icon IMLebanon

السعودية – أميركا.. ماذا عن إتفاق “النفط والأمن مقابل الدولار”؟

obama-salman

حسن يحي

يأتى مشروع القانون الأميركي الذي يتيح لعائلات ضحايا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر مقاضاة الحكومات الأجنبية ليزيد التوتر في العلاقات السعودية- الأميركية. واندفعت السعودية إلى التهديد ببيع أصولها وسندات الخزينة الأميركية التي بحوزتها في حال إقرار القانون.

هذا التهديد دفع الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى التلويح باستعمال حق النقض (الفيتو) في وجه قانون كهذا، مؤكداً أن إقراره سيعرض مواطني الولايات المتحدة في الخارج للخطر وسيكبد الخزينة الأميركية بلايين الدولارات على شكل تعويضات عن قضايا سترفع ضدها.
ولعل التهديد السعودي بحد ذاته لا يُعتبر دافعاً مباشراً للرئيس الأميركي للتلويح باستعمال الفيتو على القانون، وخصوصاً أن العديد من الإقتصاديين وخبراء الأسواق أكدوا في مناسبات عدة أن السوق الأميركي سيتمكن، ولو بصعوبة، من امتصاص هذه الصدمة. ولكن “الفيتو” الرئاسي جاء تأكيداً على متانة العلاقات الإقتصادية التاريخية بين السعودية والولايات المتحدة، وإدراكاً منها أن السعودية تلعب دوراً رئيساً في الحفاظ على استقرار الإقتصاد الأميركي. وهذا ما بدا جلياً في تصريح المتحدث باسم البيت الأبيض جوش أرنست، الذي قال: “أنا واثق من إدراك السعودية بأن لدينا مصلحة مشتركة في الحفاظ على إستقرار النظام المالي العالمي، ودولة ذات إقتصاد كبير كالمملكة لن تستفيد من زعزعة إستقرار السوق المالي العالمي ولا الولايات المتحدة”.

لفهم هذه المعادلة، تجدر العودة إلى أوائل سنة 1970 وتحديداً إلى مفهوم “البترودولار”. إذ اتفقت منظمة الدول المصدرة للنفط “أوبك” مع الولايات المتحدة الأميركية على استعمال “أوبك” للدولار كعملة وحيدة في تسعير وبيع نفطها، مقابل تأمين أميركا الحماية العسكرية والدعم التقني لهذه الدول. ومن المعلوم أن السعودية تستحوذ على المركز الأول في حجم الانتاج في المنظمة، ولديها تأثير فاعل وواضح في صوغ سياسات المنظمة الاقتصادية.

ومن خلال هذا الاتفاق، ساهمت الدول النفطية في تعزيز إستقرار الطلب على الدولار في العالم، ما ولّد استمرارية في الطلب العالمي على الدولار الأميركي والأوراق المالية المقومة بالدولار كسندات الخزينة على مدار السنوات الماضية. وهو ما بدأ بإثارة حفيظة دول الخليج عموماً إثر توتر العلاقات الخليجية الأميركية. وبدا ذلك جلياً في مقابلة أجرتها صحيفة “فاينانشال تايمز” مع رئيس الوزراء ووزير الخارجية القطري السابق الشيخ حمد بن جاسم آل ثاني، الذي اعتبر أنه “لم يكن هناك توازن في العلاقة بين دول الخليج وأميركا. تحكمت دول الخليج وعلى رأسها السعودية بأسعار النفط لمصلحة الغرب لمدة 30 عاماً، ولكن ماذا كسبنا في المقابل؟ عندما انخفضت الأسعار بشكل كبير قالوا تحكموا بها، وعندما ارتفعت الأسعار ارتفع صراخهم ووصفونا بالمنظمة الاحتكارية”.

بالعودة إلى الدولار، فان هذا الثبات في الطلب هو ما يبقي الولايات المتحدة واقتصادها متماسكاً، وخصوصاً ان دينها العام يصل إلى 16 ترليون دولار أميركي تغطيه من خلال إصدار سندات خزينة مقومة بالدولار، والتي يحوز الأجانب على النسبة الأغلب منها بتفوق واضح للصين بـ3.2 ترليون دولار، تليها اليابان بـ1.2 ترليون، ثم السعودية بـ750 بليون دولار.

ومن هنا تحافظ الولايات المتحدة على علاقاتها الإقتصادية والسياسية مع دول الخليج بشكل عام والسعودية بشكل خاص، إذ تساهم الأخيرة في الحفاظ على الاستقرار النقدي للدولار وتمكينه من البقاء كعملة العالم الاحتياطية.

ونتيجة لمكانة الدولار المتميزة في العالم والاعتماد الواضح عليه، تستطيع الولايات المتحدة تجاوز إيرادات ضرائبها وصرفها على تمويل مختلف القطاعات. وتستطيع أن تطبع ما تشاء من الدولارات من دون الخوف من التضخم نظراً إلى قدرتها على تصديره إلى مختلف دول العالم. ويتضح ذلك جلياً من خلال تصريح الرئيس السابق للاحتياطي الفيدرالي الأميركي آلان غرينسبان، الذي أجاب عن سؤال عما إذا كانت سندات الخزينة الأميركية “آمنة للاستثمار” بالقول: “إن الولايات المتحدة الأميركية تستطيع تغطية أي دين خارجي، لأنها تستطيع طباعة المال اللازم لتغطية هذا الدين”.

ولكن التخلي عن هذه الاتفاقية سيقلص الطلب بشكل كبير على الدولار الأميركي ويزعزع مكانته في الاقتصادات العالمية أمام الذهب، ما سيضع الولايات المتحدة في أزمة ديون قاسية قد لا تستطيع تجاوزها، وخصوصاً مع لجوء دول عدة كالصين وروسيا والاتحاد الاوروبي على تخفيف ارتباطها بالدولار.

تأتي “الانتفاضة” السعودية لتزيد الضغوط على الولايات المتحدة ودولارها، وخصوصاً بعد استلامها زمام المبادرة في الشرق الأوسط من خلال “عاصفة الحزم” في اليمن وتبنيها المعارضة في سوريا، ووقوفها في وجه إيران سياسياً وعسكرياً، إضافة إلى التحالفات العسكرية والاقتصادية التي أقامتها وما زالت تقيمها في المنطقة.

وساهمت هذه الانتفاضة في تقليص الارتباط السعودي مع الولايات المتحدة على الصعيد السياسي والعسكري، فقد حل انفاقها العسكري العام الماضي في المرتبة الثالثة عالمياً بعد الصين، متفوقة على روسيا، ما يسمح لها بالتخلي عن “الحماية الأميركية” العسكرية وضرب اتفاق “البترودولار” ما يعني خض الإقتصاد الأميركي وإزاحة الدولار عن عرشه العالمي.