تتجه الصين للتخلي تدريجياً عن الدولار ضمن خطة متكاملة لفك ارتباط عملتها بالدولار. وقالت مصادر غربية أمس إن الصين تعكف على تنفيذ خطة لتقليل هيمنة الدولار على التجارة العالمية، والتمهيد لفك ارتباط عملتها (اليوان) بالدولار، عبر المتاجرة في الذهب باليوان من جهة، وزيادة احتياطاتها من الذهب من جهة أخرى.
وقال الخبير الصيني هو هونغ في تعليقات لتلفزيون بلومبيرغ أمس، إن تحول بورصة الذهب في بكين وشنغهاي لتسعير الذهب باليوان خلال الأسبوع الماضي، يعتبر تنفيذاً لخطة اعتمدتها الحكومة الصينية قبل عامين للتخلي عن الدولار وتهميش دوره في التجارة العالمية. وحسب تعليقات هونغ، فإن الصين ترغب في إنهاء سيطرة الدولار على تجارة ثلاث سلع رئيسية وهي النفط والذهب والفضة.
وأضاف أن خطوة تسعير الذهب باليوان في الصين، هو الهدف الأول لحماية احتياطاتها من الذهب من تقلب الدولار. وكانت الصين قد ضاعفت احتياطاتها من الذهب خلال العام الماضي.
وفي ذات الصدد حث المستشار السابق للبنك المركزي الصيني يو يونغ دينغ والمعروف بانتقاداته القوية لسندات الخزينة الأميركية الزعماء الصينيين على اتباع قدر أكبر من التنويع في الموجودات لحمايتها من هيمنة الدولار.
وحذر دينغ في تصريحات أطلقها قبل عامين، من أن ديون الولايات المتحدة، التي تستثمر فيها الصين بكثافة، ستتعرض لسلسلة من المتاعب.
ومن بين المؤشرات التي يعتمد عليها خبراء النقد في لندن، أن الصين تتّجه نحو فك ارتباط اليوان بالدولار، الخسائر التي تكبدتها خلال العام الماضي في سبيل التحرير المالي والاقتصادي. أولى هذه الخطوات التحرير الجزئي لليوان وزيادة هامش تحركه مقابل الدولار. وهي خطوة كلفت الصين حوالي 280 مليار دولار من رصيدها الأجنبي خلال العام الماضي، حيث ظل البنك الصيني يتدخل طوال العام الماضي في سوق الصرف من أجل الحفاظ على استقرار اليوان ضمن “الهامش المحكوم”.
أما الخطوة الثانية فهي قيام الصين بتنفيذ مشتريات ضخمة من الذهب خلال العامين الماضيين، فقد رفعت احتياطاتها من الذهب إلى 1054 طناً بنهاية أغسطس/آب الماضي.
أما الخطوة الثالثة، فهي فتح أسواق المال الصينية أمام المستثمرين الأجانب. وهذه الخطوات أدت إلى هزة كبرى في السوق الصيني، كادت أن تقود لانهيار أسواق المال، لولا الرصيد النقدي الضخم الذي يملكه البنك المركزي الصيني والبالغ أكثر من 3.6 ترليونات دولار.
ويلاحظ أن المصارف الصينية بدأت بتقليل حيازاتها من الدولار. وحسب وكالة شينخوا، أظهرت نتائج بيانات رسمية صدرت عن مصلحة الدولة للنقد الأجنبي في بكين أمس أن البنوك الصينية سجلت 36.4 مليار دولار من صافي مبيعات النقد الأجنبي في مارس/آذار الماضي، بزيادة طفيفة عن فبراير/شباط الماضي، إلا أنه لا يزال أقل بكثير عما كان في يناير/كانون الثاني وديسمبر/كانون الأول الماضيين.
وذكرت المصلحة في بيان لها أن البنوك الصينية اشترت ما قيمته 117.7 مليار دولار من العملات الأجنبية في الشهر الماضي، فيما باعت 154 مليار دولار، ما أدى إلى حدوث عجز للشهر التاسع على التوالي.
وقالت وانغ تشون يينغ المتحدثة باسم مصلحة الدولة للنقد الأجنبي في مؤتمر صحافي أمس إن الأرقام تشير إلى أن ضغوط تدفقات رأس المال إلى الخارج خفت تدريجياً. وهذه الأرقام تدل كذلك على أن حاجة البنوك الصينية للدولار بدأت تقل خلال الشهور الماضية مقارنة بما كانت عليه في الأعوام السابقة.
ولكن يرى خبراء نقد غربيون أن تنفيذ خطة التخلي عن الدولار كلياً ستكون مكلفة بالنسبة للصين التي تملك أصولاً تفوق 3 ترليونات دولار، من بينها 1.2 ترليون دولار في سندات الخزينة الأميركية. ورغم أن الصين تواصل منذ العام الماضي البيع التدريجي لجزء من احتياطاتها الأجنبية بالدولار، فإنها لا تزال المستثمر الأكبر في العملة الأميركية.
ويقول اقتصاديون إن تخلي الصين عن الدولار أو التوجه نحو اعتماد “يوان مقيم بالدولار” ربما يؤدي إلى إفلاس المصارف الصينية ما لم تسبقه خطة متكاملة للإصلاح النقدي والمصرفي الصيني.
وعلى صعيد تجارة النفط العالمية يلاحظ أن الصين سعت إلى تنفيذ صفقات النفط والغاز الكبرى مع روسيا عبر نظام المبادلة السعرية بين اليوان والروبل الروسي، في نظام شبيه بنظام المقايضة، كما أبرمت العديد من الصفقات التجارية خلال العامين الماضيين باليوان.
لم تخف الصين رغبتها في أن تحلّ عملتها، اليوان، محل الدولار كعملة للتجارة العالمية، خاصة في ظل تنامي تجارتها العالمية. وأبرمت الصين على مدى الأعوام الخمسة الماضية اتفاقيات مقايضة عملة بين بنوكهما المركزية، لتسيير التجارة بينها وبين البرازيل، كما أبرمت صفقات مماثلة مع كل من الهند والأرجنتين وروسيا وجنوب أفريقيا ومجموعة من الدول الأخرى.
ويرى مصرف الاستثمار الأميركي “بانك أوف أميركا ـ ميريل لينش”، أن ارتفاع قيمة الدولار وتداعياته على السوق الصينية ستكون مكلفة للاقتصاد الصيني، الذي غرقت شركاته في الاستدانة بالدولار الرخيص خلال الأعوام التي تلت أزمة المال في عام 2008. وتوقع المصرف في تقرير صدر في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي، أن تتخذ الصين في أعقاب إدخال عملتها ضمن عملات صندوق النقد الدولي، خطوة فك الارتباط بين اليوان والدولار.