كتب الان سركيس في صحيفة “الجمهورية”:
يبدو أنّ الحديث عن التوافق في جونية قدّ تراجع بعدما كان قد عبر مرحلة متقدّمة، وسط التساؤل عن موقف «التيّار الوطني الحرّ»، مع إستمرار رئيس البلدية السابق جوان حبيش في ترشيحه، وتأكيد «القوّات اللبنانية» إلتزامها وتحالفها مع رئيس «المؤسّسة المارونيّة للإنتشار» نعمة افرام.الغموض الذي يطغى على المشهد الانتخابي في جونية، ليس ضبابياً بالشكل الذي يتناوله بعض الناشطين على الأرض. كما أنّ إضفاء صفة البرودة على مجريات التحرّكات، ليس دقيقاً بالتأكيد.
وتُعتبر المرحلة الحالية هي زمن تظهير الأوزان في المدينة، فترصد العائلات وسياسيّوها كلّ ثغرة ممكنة في خضمّ الضغط «التوافقي» الهابط عليهم، وذلك، من أجل تثبيت مواقعهم من جهة، ولإبعاد شبح الأحزاب قدر الإمكان عن مدينتهم.
ستحقّق الأحزاب في طبيعة الحال مكسباً معنويّاً كبيراً إذا نجح التوافق، لا سيما في مدينة هي عاصمة قضاء كسروان- الفتوح و»عاصمة الموارنة» في لبنان، خصوصاً أنها تشكّل مختبراً أساسياً لمفاعيل التحالف بين «القوات اللبنانية» و»التيّار الوطني الحر» تجاه بقية الأفرقاء المسيحيين والمكوّنات الاخرى على الصعيد الوطني.
العائلات التقليدية في المدينة لا تصرّح كثيراً، لكنها تتمنّى ضمناً فشل التوافق في جونية والذي تمّ التوصل إليه في اجتماع معراب الأحد الماضي بين «القوات» و»التيار». فأين موقعها لو رفع «التيار» الغطاء عن المرشح جوان حبيش وحوّله إلى عضو ورشحه الى رئاسة إتحاد القضاء؟
ومَن هو الرئيس التوافقي المجهول حتى تاريخه الذي سيترأس المجلس البلدي ولو قبل افرام تحويل مرشحه فادي فياض من الرئاسة إلى نيابة الرئاسة على أن يعود رئيساً بعد ثلاث سنوات؟
هذه العائلات وعلى رأسها النائب السابق منصور غانم البون والنائب السابق فريد هيكل الخازن، إضافة إلى بعض الفاعلين من عائلات صربا وغيرهم، يرون في هذا التوافق لو تحقّق انتصاراً عليهم اليوم وفي المستقبل خصوصاً في الاستحقاقات المقبلة.
ليس من تعبير يرتسم على وجوه هؤلاء يمكن أن يُستشف منه موقف ما عند سؤالهم عن إمكانية التحالف مع حبيش، فهل يمكن للخازن «عديل» افرام والذي استقبل في منزله في جونية النائب سليمان فرنجية أن يضع يده بيد «التيار» ومرشحه؟
وهل يمكن للبون «عميد التكتيكات والمناورات» والذي هدّد لائحة العماد ميشال عون في الانتخابات النيابية الأخيرة بخرق واضح أن ينقلب على ذاته؟ لا أجوبة، لكنهم يتحدثون عن هشاشة هذا التوافق الذي لا يقع مطلقاً تحت مظلّة «المصالحة المارونية» بل إنه إلغاء واقعي لهم تحت حجج الإنماء وتحاشي الصراعات.
في الوقت عينه، لا يختلف أحدٌ في المدينة حول رغبة افرام الواضحة في المصالحة ونيّته تجنيب المدينة المزيد من الانشقاقات. وهذا الموقف يريح عائلات المدينة والأحزاب المسيحية والمراجع الروحية. فافرام لا يفتش عن انتصار، بل عن التزام إنمائي واضح وصريح من قبل الجميع. لكنّ كثيرين يؤكدون أنّ هذا المسعى لن يسير بل سقط، والأفضل للجميع كشفَ أوراقهم باكراً.
في المقابل لم يهزّ حبيش اتصال «التيار» الذي أبلغه فحوى التوافق. فقدّ دخل المعركة منذ اليوم الأول ولن يتراجع. فهل يتراجع «التيار» عن التزامه مع «القوات» وافرام، وكيف ستكون تداعياته؟
وتشير المعلومات في هذا الإطار الى أنّ فعاليات «التيار» في المدينة طلبت مرتين خلال هذا الأسبوع موعداً مع العماد عون لم يُحدّد بعد حتى الساعة.
والواضح أيضاً أنّ قيادة «التيار» تواجه ضغطاً من قاعدتها غير المتفقة أصلاً مع التوجّهات التحالفية. فهناك قسم لا يريد التوافق مع «القوات» وافرام ويرفع لواءَ المعركة إلى جانب حبيش، وهناك مفارقة حسب المعلومات أنّ قسماً لا يُستهان به من العونيين يرتبط بتوجيهات القيادة رغم وجود ثنائية فيها داخل جونية تسير مع افرام.
يقول مقرّبون من حبيش إنه تمّ رفع شعار «الكلّ ضدّنا والعدرا معنا» في الانتخابات البلدية السابقة، أما اليوم فالكلّ ضدّنا والعدرا و»التيار» معنا، وسنربح».
لكنّ الجدير ذكره، أنّ حبيش لم يخض المعركة وحيداً حينها، وكان الفارق 724 صوتاً مع آخر الناجحين في اللائحة المقابلة، وهو يريدها اليوم معركة إعادة إعتبار أكانت مباشرة عبر ترشيحه أو عبر شقيقه، وهذا واضح.
لكن لا «التيار» المحرَج تماماً أمام «القوات» وافرام وأمام الخريطة التحالفية الكبرى في المناطق قال كلمته أمام انتفاضة حبيش، ولا الخازن الذي يتواصل مع حبيش وافرام ويطرح اسم الدكتور ملحم عضيمي إلى رئاسة المجلس، وكذلك البون الذي رشح فؤاد بواري والذي من عادته الانتظار حتى اللحظة الأخيرة.
من جهتها، «القوات» مستاءة جداً ممّا يحدث على الأرض وهي تؤكّد تحالفها مع إفرام، كما أنّ افرام ذاته قادر على قلب كلّ الموازين فيما لو سقط التوافق نهائياً وتبدّلت التحالفات.
وفي المحصّلة، ينتظر الجميع الإتجاه النهائي للترشيحات، وما إذا كانت جونية ستتّجه نحو معركة حتمية أم إنّ تحالف «القوات» و«التيار» سينجح في تاليف لائحة إئتلافية مع افرام، أو إنّ الإنفصال سيقع حتماً نتيجة الحسابات الكسروانية؟