تقرير رولان خاطر
تحمل مدرسة القديس فرنسيس للآباء الكبوشيين في الحمرا إرثاً ثقافياً مميّزاً، فقد شكلت نموذجاً فريداً للعيش المشترك بين المسيحيين والمسلمين. هذه المدرسة الذي يعود تاريخ إنشائها إلى عام 1950، والتي ذاع صيتها الجيد في أرجاء الحمرا، اتخذت الرئاسة العامة للرهبنة الكبوشية قراراً بإقفالها، وصدّقت الإدارة العامة للرهبنة في روما على القرار.
حتى الساعة، لم تتوضح أسباب الإقفال الحقيقية. فعلى الرغم من أن القيّمين على المدرسة يعزون السبب للعجز المالي المتراكم منذ سنوات، إلا ان ثمة أسئلة عن صفقة مالية تحت الطاولة، إضافة إلى سوء إدارة أوصل المدرسة إلى الإقفال، علما أن مستوى العلم ونسب النجاح فيها يحصلان على علامة “ممتاز”.
مدير المدرسة الأب عبد الله النفيلي أكد لـIMLebanon، أن قرار إقفال المدرسة يعود لأسباب مادية بحتة، وأي قرار لاستثمار المدرسة لاحقاً، يعود البتّ فيه إلى الرهبنة الكبوشية وعلى أعلى المستويات، من بعبدات وصولا إلى روما.
ويسأل الأب النفيلي: “هل لأننا كنّا “رحومين” مع الأهالي نُتّهم اليوم بسوء الإدارة؟ المدرسة لم تعاقب يوما أي تلميذ نتيجة تخلّفه عن سداد القسط كما تفعل باقي المدارس إيماناً منّا بالرسالة التي نحملها، فهل هذا سوء إدارة؟
وفي وقت، حصل موقع IMLebanon على معلومات موثوقة أن الإدارة تأخرّت في تسجيل العديد من الأساتذة في صندوق التعويضات، حاجبة عن آخرين حقوقهم بعد تركهم العمل لديها تحت مبرّرات عدة وحجج واهية، يؤكد الأب النفيلي أنّ الأساتذة جميعاً تبلغوا أن حقوقهم ستُعطى لهم بالكامل، وكافة تعويضاتهم سيحصلون عليها حتى آخر “قرش”، مشدداً على أن إدارة المدرسة لم تظلم يوماً أي أستاذ، ولم “تأكل” حقوق أحد.
النائب الرسولي للاتين في لبنان المطران بولس دحدح، أكد لموقعنا ما جاء على لسان الأب النفيلي، فأشار إلى أنه تبلغ من الرئيس الاقليمي أن حقوق الاساتذة ستعطى لهم بالكامل، ولن يكون هناك ظلم في الرعية، خصوصاً ان بمقدور الأساتذة التقدم بشكوى امام المراجع الرسمية في حال لم تُعط لهم تعويضاتهم.
أما بخصوص الطلاب، ففي حين، أوضح المطران دحدح أن الإدارة تحاول تأمينهم في مدارس أخرى، أعلن الأب النفيلي أن 90% من الطلاب تم إيجاد حلول لوضعهم. فالادارة اتصلت بالمدارس المحيطة في المنطقة، مثل charite، مدرسة القديس يوسف، الحكمة، مار الياس، وغيرها، والجميع أبدوا تجاوباً، واكدوا تفهمهم وفتحوا أبوابهم للطلاب.
الأب النفيلي الذي لم ينف لدى سؤالنا إيّاه عمّا إذا كان سبب إقفال المدرسة هو لتأجيرها أو استثمارها كتحويلها إلى ناد رياضي مثلا، مكتفياً بالقول إن أي إجراء تقرره الرهبنة العامة، قال: “حاولنا وضع خطط كثيرة لتفادي قرار الاقفال، إلا أن الظروف الاقتصادية في البلد لم تساعدنا، إضافة إلى تخلّف الأهالي عن دفع الأقساط، والتراجع المتكرر كل سنة في عدد الطلاب”.
من جهته، أشار المطران دحدح إلى أنه سمع الكثير من الأخبار عن أن المدرسة ستقفل بسبب إما بيع العقار، أو هدمه لبناء مجمّع تجاري مكانه، أو لتحويله إلى ناد رياضي، لكنه أوضح أنه تبلغ من الرئيس الاقليمي للرهبنة الاب طانيوس رزق أن المدرسة ستقفل لأسباب مادية ولارتفاع حجم العجز المالي، وليس لأسباب أخرى.
وكشف في هذا السياق أن أيَّ إجراء سيتخذ في الممتلكات الكنسية من قبل أيِّ كان، يتطلب وضع ملف كامل بشأنه لدى السفارة البابوية التي بدورها ترفعه إلى روما التي تمنح الاذن. وبالتالي، فإن الحديث عن إقفال المدرسة لأسباب غير مادية، امر “لا يؤمن به”، مع العلم أن لا مانع بالنسبة إليه من الاستفادة من مبنى المدرسة بعد الاقفال، وهذا أمر يقرّره القيّمون عليها والرهبنة العامة، وبالتالي هو لا يملك الصلاحيات للتدخل في شؤون كهذه، وحتى في قرار منع الاقفال، لأن “الكبوشية بحسب المطران دحدح، هي رهبنة حبرية لديها نوع من الاستقلالية”.
رئيس “حركة الارض” طلال الدويهي أشار لـIMLebanon إلى أنه نتيجة تواصله مع إدارة المدرسة، ومع المطران بولس دحدح ومراجعته للسفارة البابوية، لم يلمس وجود نية لبيع العقار، وإقفال المدرسة تم لأسباب مادية، لكنه أكد أنه سيستمر بالتعاطي مع هذا الملف بحذر، والتصدي لكل مشروع استثماري في المستقبل ينزع عن المدرسة طابعها المعتاد.
من جهته، الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار، الذي أعرب عن حزنه لقرار إقفال مدرسة الكبوشيين في الحمرا، لم يعط أي نفحة ايجابية أو يفتح نافذة أمل ربما للعودة عن القرار.
وقال الأب عازار لـIMLebanon: “إن هذا القرار اتخذته الرهبنة الكبوشية لأن إدارة المدرسة وصلت إلى طريق مسدود، امام العجز المالي الكبير، والكسور في الأقساط نتيجة امتناع الأهل عن دفعها لأسباب عدة، إضافة إلى تراجع عدد الطلاب المسجّلين في المدرسة”.
عازار بدوره، أكد أنه لا يملك الصلاحيات للتدخل لجعل الإدارة تعود عن قرارها، كما ان لا مصادر تمويلية لديه لدعم مدرسة الكبوشيين في محنتها.
وقال ردا على سؤال: “نحن نريد تدخلات من الدولة لأن تؤمّن حرية التعليم وتمنح البطاقة التربوية ليتمكن كل الطلاب من نيل التعليم، والمدارس من ان تكمل في رسالتها”.
وفيما تمنى الأب عازار ان يتم إيجاد وسيلة توفر مخرجا يعمل على تسديد الأقساط وسدّ العجز المالي كي تبقى أبواب المدرسة مفتوحة، علّق المطران دحدح على الوعود التي قطعتها لجنة الأهل لجهة الالتزام بدفع الأقساط ووضع خطط جديدة لاستقطاب طلاب جدد، فقال: “هذا اعتراف واضح أن الأهل كانوا يتخلفون عن دفع متوجباتهم، وبالتالي ما هي الضمانة بأنهم سيدفعون هذه المتوجبات في المستقبل في حال لم تقفل المدرسة؟
أمام هذا الواقع، يبدو ان لا حلول في الأفق، والقرار اتخذ. يبقى العديد من الأسئلة التي يطرحها عدد من الأساتذة المتوجسين والخائفين على مستقبلهم، ألم يكن قرار الاقفال ناتج عن سوء في الإدارة؟
في العديد من المدارس، هناك أهل يتخلفون أو يتأخرون في دفع أقساط أولادهم، وبالتالي هل هذا هو السبب الحقيقي فعلا لقرار الاقفال؟
هل سيحصلون على كافة تعويضاتهم بعد مواقف عدة تعرضوا لها من قبل الإدارة تحجب عنهم حقوقهم وتتهرب من دفع تعويضاتهم؟
هل هناك من يسعى إلى صفقات معينة فاتخذ قرار الاقفال؟.
أسئلة عدّة في “الجعبة”، الأيام المقبلة ستكون كفيلة بإيضاحها.
إشارة، إلى انه حرصاً منا على الصدقية والموضوعية، وللتأكد من صحة ما بتم تداوله بشأن قرار الاقفال، اتصل موقع IMLebanon بدير الرهبنة الكبوشية في بعبدات للاطلاع على رأي رئيسه الأب طانيوس رزق الذي يتابع القضية، على مدى ثلاثة أيام، إلا أن الجواب من قبل غرفة الاستقبال كان دائما الامتناع عن إعطائنا رقم الأب رزق، تحت حجة أنه ممنوع عليهم ذلك.
فما كان منّا في اليوم الثالث، أن طلبنا أن يتواصلوا معه هم شخصياً ويستأذنونه لإعطائنا رقم هاتفه بهدف مقابلته، إلا أن الساعات كانت تمرّ من دون أي جواب. فعاودنا الاتصال، فكان الجواب محاولة “استغباء” واضحة لنا، “لا نملك رقم هاتف الأب رزق”. لذلك، نأسف لهذا الأسلوب بالتعاطي مع الصحافة، التي لا يمكن إلا ان تكون الوسيلة الوحيدة اليوم ومنبرا للدفاع عن قضايا الحق والحقيقة.