عزة الحاج حسن
أحدثت “أوراق بنما” التي كشفت تورط مسؤولين سياسيين ومشاهير حول العالم في عمليات تهرب ضريبي، عاصفة من المواقف والإجراءات في عدد من الدول، وتم التعامل مع الأوراق على أنها فضائح “جرمية”، استُتبعت بسلسلة استقالات من مناصب رفيعة.
بالنسبة الى لبنان ورغم تسرب معلومات عن ورود اسماء 462 شخصاً وشركة “متورطين” في التهرب الضريبي، غير أن مفهوم التهرب الضريبي لا يمكن مقاربتها لبنانياً بالطريقة نفسها التي تتم فيها مقاربة الفضيحة في كل من الولايات المتحدة الأميركية أو فرنسا على سبيل المثال.
من حيث المبدأ يعد التهرب الضريبي – تحديداً في أميركا وأوروبا – جريمة، وقد استحدثت الولايات المتحدة الأميركية قانون الإمتثال الضريبي “فاتكا” ويهدف أساساً إلى منع التهرب الضريبي من قبل دافعي الضرائب الأميركيين من خلال استخدام المؤسسات المالية غير الأميركية وأدوات الاستثمار في الخارج، وتسعى أوروبا الى تطبيق قانون غاتكا المشابه لقانون فاتكا ولكن على المستوى الأوروبي.
ولكن في لبنان التهرب الضريبي لا يعد جريمة، وفق المدير التنفيذي في شبكة المنظمات العربية غير الحكومية للتنمية، زياد عبد الصمد. فعدم تصريح المكلّف عن أمواله داخل لبنان وتخلّفه عن دفع الضرائب يعد جريمة أما في حال استثمار المكلّف في أفريقيا أو اي منطقة أخرى من العالم، فإن ذلك لا يعد جريمة رغم اعتباره تهرباً ضريبياً، وكذلك الأمر في حال عدم تصريح المكلّف عن أمواله المتواجدة خارج لبنان في بنما مثلاً أو جنيف أو اي ملاذ ضريبي آخر فلا يحق للدوله التدخل ولا يعد بالتالي تهربا ضريبيا أو مخالفة قانونياً، ويرد عبد الصمد السبب، في حديثه الى “المدن”، إلى وجود ثغرات في القانون وليس بالأشخاص لاسيما غياب قانون ينظم مسألة التهرب الضريبي على غرار الولايات المتحدة الأميركية.
ويكمن الخلل الضريبي في لبنان في نظام ضريبي يكرّس اللا عدالة الإجتماعية من جهة ويدفع رؤوس الأموال الى ملاذات ضريبية منتشرة في العالم من جهة أخرى، ولا بد من إعادة توزيع الثروات عبر استحداث نظام ضريبي عادل في بلد لا يتجاوز حجم اقتصاده 50 مليار دولار اميركي ودين عام يفوق 70 مليار دولار في مقابل ارتفاع في موجودات المصارف الى مستوى 180 مليار دولار، فالحل وفق عبد الصمد، يكون في نظام ضريبي يضمن اعادة توزيع الثروات “ومع الأسف ما زلنا في لبنان ننظر الى النظام الضريبي على انه مورد مالي أساسي للدولة ولكن هو بالحقيقة يجب ان يكون مدخل لاعادة توزيع المداخيل بموازاة تعزيز مداخيل الدولة والطريقة هي توسيع قاعدة المكلفين ولكن بنسب متفاوتة”.
وليس عدم اعتبار التهرب الضريبي بـ”المفهوم اللبناني” جريمة، يعني تشريعه وتشجيعه، بل على العكس، يسلّط الضوء على كيفية تفاديه وتوفير الكم الكبير من المداخيل الضريبية لحساب الخزينة العامة، فالتهرب الضريبي يحرم الدولة جزءاً من ايراداتها، وبالتالي تتقلّص خدمات الدولة، وتقع في خطأ التقصير تجاه المواطن، وبالنتيجة، يؤدي ذلك الى زعزعة الثقة بين الدولة والمواطن ما يدفعه الى تجنب القيام بواجباته المالية تجاه الدولة، فيدخل النظام في حلقة مفرغة من عدم الثقة وعدم الاستقرار الضريبي.