IMLebanon

جنبلاط وحكم التاريخ (بقلم هيثم الطبش)

walid-jumblatt

 

كتب هيثم الطبش:

ليس عابراً في لبنان أن يحضّر وليد جنبلاط إستقالته للخروج من الحياة السياسية طوعاً مرة وللأبد تعبيراً عن مستوى القرف الذي وصل إليه. صدّق أو لا تصدّق ثمة سياسي لبناني قرر الخروج والتنحي جانباً، لكنه قرر قبل ذلك فتح الملفات “الممكنة”، لأنثمة ملفات قد تكون أكثر خطورة إنما غير وارد التطرق إليها.

من نيرانه إستثنى جنبلاط صديقه وحليفه القديم نبيه بري، الذي ثبّت الحفاظ على صداقته دون الآخرين، وسواء كان حلف الميليشيات أم هي صداقة “البزنس على ظهر الدولة” القاسم المشترك، أم الاثنان معاً لا يهم، لأن الأساس هو أن تقرر شخصية بحجم وليد جنبلاط التقاعد، وبوصلة الحديث لا يجب أن تحيد عن ذلك.

خلال إطلالته عبر “كلام الناس” صوّب جنبلاط على كثيرين من العماد جان قهوجي في الملف الرئاسي وصولاً إلى الوزير نهاد المشنوق في أكثر من ملف بقوله “عندما تعود الداخلية إلى عهد كمال جنبلاط وعصام أبو زكبي يمكن أن أثق بها” مروراً بالرئيس سعد الحريري الذي “لطشه” قائلاً “أعرف كيف كانت السرايا تفي الماضي وكيف أصبحت، “عبارات لا بأس من التوقف عندها.

أما أن يقول جنبلاط من ضمن ما قال إن الأمين العام لـ”حزب الله” السيد حسن نصر الله مسؤول عن البلد وليس فقط عن منظومة الصواريخ فهي خطيئة لا تغتفر، إن كان قصده المعنى المباشر للعبارة، وهي خطأ أكبر إن كانت زلة لسان تفضح مكنونات نفسه وعقله الباطن.

أغلب الظن أن الجزء الأكبر من اللبنانيين لن يكون منزعجاً أو آسفاً على ذهاب جنبلاط إلى خيار”القوقعة”، وهناك من يكثف الدعاء حتى تشمل هذه النزعة سياسيين آخرينوتمتد لكل هذا الطقم الحاكم فالكيل طفح حقاً والبحث عن قيادات جديدة أصبح أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى، قيادات تفرزها الكفاءات العلمية والثقافية لا المحسوبيات والانتماءات الحزبية العمياء إن لم نقل الطائفية والمذهبية.

ليس مهماً أننقرن إسم جنبلاط بملفات فساد هنا أو هناك ففي هذه الطبقة السياسية ليس هناك من أطهار،حتى الذين لم تمتد أيديهم مباشرة إلى مال الدولة فقد شملتهم عطايا الخدماتالمجانية والمكاسب المعنوية. وزعيم المختارة بخروجه هذا وإن لم يطوِ معه أوراقتجارة النفط والترابة والنفايات والمحاصصات والتقلّبات، والادارة المدنية وحروب الشوارعفي بيروت إلا أنه يعطي مثالاً يستحق نظرة إلى رجل قرر أن يقول لنفسه”قف”، كلاعب كرة قدم فضّل الإعتزال لأنه يريد التفرج من المدرجات.

كنا نرغب من “البيك” أن يغادر المسرح مع تحية يتلقاها من الجمهور لا أن يخرج من مجلس نيابي ممدد لذاته، وفي جلسة لتشريع الضرورة قد لا تعقد أصلاً أو قد تشوبها شهبات ميثاقية إخترعها صديقه، كنا نتمنى أن يودعنا وليد جنبلاط وهو في المقلب الوطني الواضح من المعادلة الداخلية وليس في صيغة “إجر بالبور وإجر بالفلاحة”، كم تمنينا أن يتقاعد “أبو تيمور” وفي البلاد رئيس ماروني للجمهورية ولا أن يسمي نصرالله مسؤولاً عنها.

خروجك يا بيك بملء إرادتك لا شك يجب أن يكون نموذجاً يُحتذى من كثيرين وعلى رأسهم صديقك نبيه بري وغريمك ميشال عون، لكننا كنا نتمنى توقيتاً أفضل تكون الحياة السياسية فيه أكثر انضباطاً وأن يتم ذلك بعد فتح كل الملفات التي يجب أن تفتح لا ما يُنتقى منها، نقدر فيك هذه الرغبة ولا نستبق حكم التاريخ عليك… فهل تنال البراءة؟