كتبت صحيفة “الأنباء” الكويتية: مضى وقت طويل لم نر فيه الزعيم الدرزي وليد جنبلاط في إطلالة إعلامية متلفزة. فهو منذ أشهر يهوى “التويتر” والتغريدات السياسية المقتضبة والبليغة التي يمكن التحكم بها وتصل الى الجمهور والرأي العام بسرعة وسهولة، وغالبا ما يكون وقعها وتأثيرها أفعل وأوضح. أمس الأول قرر جنبلاط الخروج من “غرفة التحكم التويتري” للإدلاء بحديث مسهب ومتنوع متنقلا من موضوع الى آخر من دون ترابط. الحديث بدا مفككا والى حد ما مملا، فلم يحمل جديدا وافتقد الى عنصر التشويق والمباغتة. وجنبلاط بدا فيه “مشتت الذهن والأفكار” ومكبلا بواقع سياسي وسلطوي لم يسبق أن شهده وتعاطى معه طيلة حياته السياسية. مع ذلك، لا يخلو الأمر من إشارات ورسائل سياسية لافتة ومعبرة أبرزها اثنتان:
1- “مغازلة” جنبلاط لحزب الله (بموازاة انتقاداته اللاذعة الى تيار المستقبل من دون أن تشمل رئيسه سعد الحريري)، وحيث انه بعث بأكثر من إشارة في هذا الاتجاه:
الإشادة بدور النائب حسن فضل الله في إدارة ملف الإنترنت غير الشرعي والعمل الجيد الذي يقوم به.
قوله: “أكدنا أكثر من مرة عدم القدرة على اتهام حزب الله بالإرهاب، وإذا كان علينا اتهام الحزب بالتعطيل في الملف الرئاسي فيجب علينا أن نتهم أنفسنا في الانتظار”.
تأكيده أنه لا يشارك في جلسة رئاسية يتأمن فيها النصاب، لا يكون حزب الله مشاركا فيها لأنه فريق أساسي ونحن نتمسك بالعرف السياسي.
دعوته السيد حسن نصرالله الى تسوية رئاسية وفق الثوابت التي تريح حزب الله، مؤكدا عدم ممانعته من اللقاء بالسيد نصرالله، رافضا تصنيف حزب الله إرهابيا ومعتبرا أن السلاح يستوعب سلميا.
من المؤكد أن هناك صلة بين “المغازلة” المتعمدة و”التسوية” المقترحة. جنبلاط يتودد الى حزب الله لتشجيعه على الذهاب الى التسوية. من جهة جنبلاط بات مقتنعا بأنه لا إمكانية لانتخاب فرنجية أو عون وأن الانتقال الى “رئيس التسوية” غير ممكن من دون حزب الله. من جهة ثانية جنبلاط، مثل بري، “يضغط” باتجاه لقاء الحريري نصرالله.
2- إعلان جنبلاط، وهذه المرة بطريقة مؤكدة ونهائية، أنه يهيئ لإنهاء مساره السياسي والانسحاب من المسرح السياسي تدريجيا، وأنه أعد كتاب استقالته من مجلس النواب وسيطرحه في أول جلسة نيابية.
جنبلاط كان راغبا بالاستقالة من مجلس النواب منذ عام، وهو أبلغ قراره هذا الى الرئيس نبيه بري الذي دعاه الى التريث لأن الوقت غير مناسب لمثل هذه الخطوة في مرحلة سياسية حساسة وأزمة رئاسية خانقة له دور أساسي فيها، ولأن الانتخاب الفرعي في الشوف للإتيان بنجله تيمور نائبا وتجيير المقعد النيابي إليه كان متعذرا قبل عام وكان سيؤدي حكما الى إجراء الانتخاب الفرعي في جزين (المقعد الذي شغر بوفاة النائب ميشال الحلو).
يرى جنبلاط الآن أن الانتخاب الفرعي في الشوف بات متاحا في حال إجراء الانتخابات البلدية والانتخاب الفرعي في جزين، ويعتبر أن الأزمة الرئاسية طويلة، مثل الأزمة السورية، ولا يمكنه الانتظار أكثر. هو يعترف بأنه تعب وقرف، وقد أخذ قراره بـ “التقاعد السياسي” والمسألة باتت فقط مسألة توقيت وإخراج..
جنبلاط قطع شوطا متقدما، ومستفيدا من الوقت السياسي الضائع، في تهيئة الانتقال الهادئ والسلس للزعامة وعملية التسلم والتسليم بينه وبين نجله تيمور الذي صار منذ سنة يجلس على أريكة والده في رواق قصر المختارة، ويستقبل الوفود التي تقصدها كل يوم سبت. وبذلك أصبح على علاقة مباشرة مع عينات قاعدة الزعامة الجنبلاطية السياسية والشعبية. أما وليد بك فانسحب الى كليمنصو، وأخذ معه كتبا اختارها لقراءتها في هذا الموسم، وبات يضرب فيها مواعيده مع سفراء وأصدقاء. وإلى حد غير قليل، نجح جنبلاط في تذليل عقبات برزت بداية في وجه فكرته لتسليم نجله الزعامة ورئاسة الحزب. وقد خفتت إلى حد بعيد أصوات معارضي التوريث التي ظهرت أول طرح الفكرة داخل الحزب الاشتراكي. وعلى الرغم من إيحاء وليد جنبلاط بأنه غير مهتم باعتراضاتهم، فإنه عمليا احتواهم، وعاد الى خطته الأساسية التي تقوم على ترشيح تيمور لانتخابات فرعية توصله لمجلس النواب ليبدأ من تحت قبته، كما سامي الجميل في الكتائب، مشوار الزعامة الجنبلاطية. ولاحقا تأتي خطوة إيصال تيمور الى رئاسة الحزب الاشتراكي، وذلك خلال عقد مؤتمره العام الذي يؤجل المرة تلو الأخرى.
وأعلنت مصادر قيادية في الحزب التقدمي الاشتراكي لصحيفة “النهار” ان اجراء انتخابات فرعية في قضاء الشوف لانتخاب من يخلف جنبلاط مرهون بمسار استقالة رئيس الحزب وتوقيتها والمدة المتبقية من ولاية المجلس التي تنتهي في أيار 2017، بالاضافة الى موعد تقديم الاستقالة رسمياً.
ومعلوم أأنّها المرة الثانية التي يتجه فيها الى الاستقالة بعد أولى قبل أكثر من سنة عاد وتريث في تنفيذها. ولاحظت المصادر تلفت الى انه مع اجراء الانتخابات البلدية واجراء انتخاب فرعي نيابي في جزين باتت استقالة جنبلاط ممكنة.