195 تحركاً احتجاجياً سُجّل عام 2015 وفق تقرير المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين. استحوذ الحراك الشعبي على الأهمية الكبرى في هذه التحركات “الكثيرة”، قبل أن يتراجع بسرعة كبيرة جراء عوامل عدة أبرزها تكتل قوى السلطة في مواجهته. بالمقابل، تراجعت هيئة التنسيق عن خريطة الاحتجاجات بعدما كانت تقود الساحات طوال السنوات الماضية، وذلك إثر الانتخابات الأخيرة التي أعادت الأحزاب إلى الإمساك بالقرار النقابي. أمّا الاتحاد العمالي العام، فلا يزال مختفياً عن الناس، إذ لم يدع إلى أي تحرّك طوال العام الفائت
إيفا الشوفي
“عام 2015 هو عام الحراك الشعبي والمدني”، وفق تقرير «الاحتجاجات والتحركات العمالية لعام 2015» السنوي، الذي أطلقه المرصد اللبناني لحقوق العمال والموظفين، أمس. فمن أصل 195 تحركاً سُجّل العام الماضي، كانت اعتصامات ونشاطات الحراك الذي انطلق من أجل قضية النفايات، التي بلغ عددها 78 تحركاً، الأكثر تأثيراً في إعادة طرح قضايا الناس والأكثر استقطاباً للشارع.
أما تحركات العاملين في القطاعين العام والخاص والاحتجاجات الشعبية، فقد سجلت 102 تحرك، إضافة إلى 18 تحركاً للجنة الدفاع عن المستأجرين. وسط كل هذه الأحداث، وللسنة الثانية على التوالي، يغرق الاتحاد العمالي العام في سبات عميق، إذ لم يدع إلى أي تحرك احتجاجي طوال عام 2015، فيما اقتصرت أنشطة النقابات على إصدار البيانات والتصاريح الإعلامية. أمّا هيئة التنسيق، فقد “خرجت بعد انتخاباتها الأخيرة وإمساك أحزاب الطوائف بالقرار النقابي فيها، من ساحات المواجهة الميدانية، وأخرجت بالتالي التحركات الاحتجاجية من جدول أعمالها. كما أنها أحجمت عن المشاركة في الحراك المدني، كجسم نقابي اسمه هيئة التنسيق، إلا أن عدداً من نقاباتها كان يؤيد الحراك منها رابطة الموظفين في الإدارات العامة”.
لا تختلف كثيراً لوحة الاحتجاجات التي رسمها المرصد لعام 2015، من ناحية نوعية التحركات والقطاعات، عن عام 2014 الذي سجّل 100 تحرك، إلا بتضاعف عدد الاحتجاجات جراء دخول الحراك الشعبي ساحة المطالبات، وهو ما انصبّ تركيز المرصد على تحليله.
فقد توزعت تحركات الحراك الشعبي بين بيانات وتظاهرات ومسيرات واعتصامات ونشاطات متنوعة تركزت أغلبيتها في بيروت بنسبة 61.5%، شكل 7 منها تحركات كبيرة مثل تظاهرة 29 آب التي وصفها المرصد “بالتظاهرة الحدث، وذات طابع وطني ومهم جداً، إذ ضمت عشرات الآلاف من المتظاهرين”، متحدثاً عن أكثر من “60 ألف متظاهر”. في تحليل الحراك، يتحدث التقرير عن “حجم مشاركة شعبية واسعة وغير مسبوقة شهدتها بعض محطات الحراك يعود بشكل كبير إلى طبيعة المشكلة التي كان يتصدى لها، وهي مشكلة لا يملك المواطن اللبناني حلاً فردياً لها، مثل الكهرباء أو المياه. فهو لا يستطيع إيجاد الحلول الفردية لقضية النفايات، وهذا الأمر يجب أن يكون له مغزاه وأن ننتبه له في فهم مسار الحراك وصعوده السريع ومن ثم تراجعه الأسرع”. يشير التقرير إلى إيجابيات واحتمالات أنشأها الحراك قد تكون واعدة، إذ أعاد الاعتبار إلى السياسة بما هي طرح قضايا الناس والسعي لتحقيقها، كذلك تحولت التظاهرات والاعتصامات إلى مساحات تلاقٍ بين فئات وقطاعات متنوعة الانتماءات الاجتماعية والدينية والاقتصادية والمناطقية تميزت بمشاركة شبابية واسعة.
في المقابل، يحلّل التقرير أبرز الثُّغَر التي وقع بها الحراك الذي “تخطى مفهوم الحملة (طلعت ريحتكم) وتحول إلى تحرك شعبي واسع أنتج مجموعات جديدة لعبت دوراً مهماً فيه”. فقد “أساء الناشطون فهم رد فعل الشارع للحراك واعتبروه كاستجابة متعاظمة للخطاب المدني الحقوقي وإن انقلاباً كبيراً حصل في موقف الناس”، ما أدّى إلى بروز “ثقة مفرطة بالنفس واعتقاد بأن الناس باتوا رهن الإشارة للاحتشاد في الساحات”. كذلك أظهر المنظمون عجزاً في إدارة تنوع الرؤى بين المجموعات التي كانت تنظر إلى الحراك من مقاربتين مختلفتين: الأولى من منظار أن “الحملة” مطلبية وينبغي تحييدها عن العمل السياسي، والثانية تنطلق من منظار “ثوري” يريد أصحابه إحداث تغيير جذري في بنية النظام. خلق هذا الأمر انعداماً للثقة “بين المجموعات حيث أصرت مجموعة “طلعت ريحتكم” على الحفاظ على استقلاليتها والتفرد في خطتها”. يلفت التقرير إلى تفشي ظاهرة الاحتجاجات الصغيرة الحجم التي انتشرت، ما أعطى انطباعاً لدى الجمهور بأن الحراك بدأ بالتلاشي، ليصل أخيراً إلى نقطة أساسية متمثلة “برفض جميع المبادرات بدون التدقيق في بعضها”.
واجهت السلطة هذه الاحتجاجات التي أخافت النظام بشكل عنيف إذ “اعتمدت سياسة القمع والاعتقالات الواسعة لقادة الحراك والناشطين”، وإعادة إحياء طاولة الحوار التي “سعت إلى إثارة ملفات بخلفيات طائفية ومذهبية لإثارة حساسية اللبنانيين ولإعادتهم إلى مربع الولاءات التقليدية”. إلا أنها أظهرت “قوة وتوازناً رغم حدة التناقضات بين أركانها”، وحركت أجهزة الأمن والقضاء.
أمّا التحركات الأخرى للقطاعات، التي بلغ عددها 102 تحرك، فكانت تحركات صغيرة بنسبة 93%، في حين أن التحركات المتوسطة الحجم لم تتجاوز 7 تحركات، تركزت على سائقي شاحنات الترانزيت نتيجة إقفال الحدود السورية، المزارعين ومستخدمي كازينو لبنان.
شهد القطاع الخاص، وفق التقرير، 7 تحركات عمالية فعلية، أغلبها اعتصامات صغيرة الحجم، مقابل 35 اعتصاماً للعاملين في القطاع العام تصدرتهم الحركة الاحتجاجية للمياومين بـأكثر من 9 تحركات، تلتها التحركات في قطاع الاستشفاء للعاملين في المستشفيات الحكومية، والمياومين في الضمان الاجتماعي.
أمّا تحركات المزارعين ومربي المواشي وصيادي الأسماك، فقد بلغت 16 تحركاً ركزت على المطالبة بالتعويض عن أضرار العواصف وترميم مرافئ الصيد، والاحتجاج على انخفاض أسعار الحليب. كذلك شهد شمال لبنان “أول تحرك احتجاجي من نوعه، حيث قامت مجموعة من الشبان المستقلين وغير المحسوبين على أي منظمة مدنية أو حزبية أو نقابية، بتحرك محدود ضم عشرات الشبان الغاضبين الذين كانوا يطالبون بتأمين فرص عمل”.