كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
في الوقت الذي تتوسّع الروايات حول انعكاسات القانون الأميركي الجديد لمحاصرة “حزب الله” مالياً والمخاوف من انعكاساته على القطاع المصرفي، يبدو أنّ جمعية مصارف لبنان و”حزب الله” هما الأقل حذراً وخوفاً من تداعياته. لذلك يُصرّ مسؤولو القطاع والحزب على التخفيف من التداعيات مع أخذ كل الحذر والحيطة لمنع أي “دعسة ناقصة”. فكيف سيواجه الحزب القانون الجديد؟قبل التوسع في فرض العقوبات المالية الجديدة على “حزب الله” كان النقاش يدور في أكثر من مناسبة بين قيادة الحزب وجمعية مصارف لبنان والمسؤولين الكبار في مصرف لبنان لمواجهة ما هو مقدّر من إجراءات قد تُقدم عليها وزارة الخزانة الأميركية بعد الكونغرس وسبل المواجهة للتخفيف من آثاره على الوضع المالي في البلاد والقطاع المصرفي.
ويعترف مسؤول مصرفي أنّ التطمينات التي تلقّتها جمعية المصارف ومسؤولون في القطاع من قيادة “حزب الله” توحي بأن تبقى مصلحة القطاع فوق كل المصالح الأخرى. وأرفق التطمين المالي بنصيحة مبطنة نقلها رجال مال وأعمال قريبون من الحزب بأن لا ينزلق أي من المسؤولين الى دعسات سياسية ناقصة لا يمكن تداركها في اي وقت أيّاً جاء توقيته.
وكان جواب مسؤولي القطاع المصرفي أن لا دعسات ولا منزلقات سياسية، فالقانون الجديد، أيّاً كانت مندرجاته لا يتصل بالقضايا السياسية ولا جمعية المصارف تناقش مثل هذه القضايا من المنظار السياسي، فالأرقام والتحويلات المالية هي التي تتحدث في مثل هذا الحوار الذي لن يكون لبنانياً
– أميركياً بمقدار ما هو حوار ونقاش بين وزارة الخزانة الأميركية وبقية وزارات المال والسلطات النقدية الدولية.
فالإجراءات التي تتخذ في مثل هذه الحالات لا تتلاقى في السياسة شكلاً ومضموناً إلّا عند الوصول الى المراحل التطبيقية حيث تجوز عندها الوشاية ويسود منطق الإتهامات لإدراج اسماء شركات وشخصيات سياسية على اللوائح المستهدفة.
في مرحلة تلت الحوار بين قيادة “حزب الله” وقادة القطاع المصرفي في لبنان، بدأت عملية تقصّي مندرجات القانون الأميركي الى أن بات حبراً على ورق ودخل مرحلة التنفيذ أخيراً، ما استدعى الزيارة التي قام بها وفد الجمعية الى واشنطن بحثاً عن خلفياته وللبحث المعمّق في طريقة تطبيقه.
بعدما تبلغوا أنّ أيّ حوار سبق إقراره في الكونغرس الأميركي قد بات من الماضي، وما على الجميع في لبنان والعالم ومعهم كل من ارتبط بالنظام المالي المصرفي العالمي في ظل الموقع المتقدم للقطاع الأميركي سوى تطبيقه وفق الآليات التي حدّدها وما دون ذلك كان وسيبقى من التحليلات التي لا يرقى اليها أي من مفاعيله التنفيذية القاسية.
يُدرك العاملون في القطاع المصرفي أنّ لبنان كان وسيبقى من الملتزمين تطبيق القانون أيّاً كانت الخطوات المطلوبة، لا بل فقد عبّر لبنان عن النية بذلك قبل أن يصدر القانون الجديد.
فأقفلت حسابات النواب ومسؤولي “حزب الله” في المصارف وصولاً الى سحب البطاقات الإئتمانية التي كان يحملها بعض المسؤولين وأبنائهم وكل من ارتبط بهم عائلياً على رغم كل الضجيج الذي رافق العملية في حينه، وهو ما بات اليوم أمراً ثابتاً لا يقبل اي شكل من أشكال المراجعة او الجدل.
والى التزام القطاع المصرفي اللبناني بالقانون الجديد، تبقى معرفة الوسائل التي سيلجأ اليها الحزب في مواجهة القرار على كل المستويات، سواء تلك التي طاولت أشخاصاً او مؤسسات في لبنان والعالم وما تضمنته اللائحة الأولى من أسمائها كان كافياً لإعطاء فكرة حول حجم الإحصاءات التي أجراها الأميركيون في لبنان وفي مختلف القارات وصولاً الى المناطق التي توفّر جنّات ضريبية يشار اليها في مكان ما بالتسهيلات التي دعت مجموعة من الصحافيين الإستقصائيين الى كشف ما بات يعرف بـ”أوراق بناما” فهي عملية لم تكن بعيدة عن الإجراءات التي كان لا بد منها لتسهيل شرح القانون الاميركي وفتح كل الطرق أمام تطبيقه كاملاً.
على هذه الخلفيات، لا يخفي العارفون أنّ “حزب الله” لا يعتمد التحويلات المصرفية ولا ينقل أمواله عبر الوسائل التقليدية المعروفة في العالم، وها هو مجلس النواب عندما أقرّ القانون المتصل بنقل الأموال عبر الحدود وغيره من القوانين المطلوبة أميركياً ودولياً قد مرّ بلا ضجيج كان يمكن ان يكون أكبر بكثير لو لم يتداركه الحزب قبل البتّ به في مجلس النواب.
ولا يُخفى عند المتعاطين بالشأن المالي أنّ التضييق على “حزب الله” تزامن مع انفراجات يستعيدها القطاع المصرفي الإيراني الذي تستعد مصارفه للعودة الى النظام المالي العالمي وهو أحد المنافذ التي يمكن الحزب استغلالها، عدا عمّا يمتلكه من وسائل خاصة لنقل الأموال لم يكن هناك ايّ عائق أمامها يوماً من الأيام. ولذلك فهم يرصدون القانون الجديد من دون النظر الى حجم المخاوف التي يتوقعها البعض، وأنّ الأيام المقبلة ستثبت ذلك.
فهناك من يتحدى أن تطاول الإجراءات الجديدة أيّاً من مسؤولي الحزب ومؤسساته، فهي تعمل بطريقة عادية وبقنوات خاصة تعرفها المراجع المعنية في هذا القطاع بإتقان من دون أيّ خطأ يرتكب، وستستمر من دون أيّ عائق، والى أن يأتي أيّ حادث في الأسابيع المقبلة، ستثبت الأيام انّ هذه الأمور ستمرّ كما في السنوات السابقة.