كتب ايلي الفرزلي في صحيفة “السفير”:
مع كل يوم يمر، يضيق الخناق أكثر حول رئيس هيئة “أوجيرو” عبد المنعم يوسف في القضايا التي تفرعت عن قضية الانترنت غير الشرعي.
ومنذ مداهمة شركة توفيق حيسو في محلة المزرعة في بيروت، وضبط “خادم الكتروني” تردد أنه لهيئة “أوجيرو”، مروراً بجلسة لجنة الإعلام والاتصالات الأخيرة، تتدحرج “قضية الانترنت” بأسرع مما كان متوقعا، ولو أن ثمة علامات استفهام حول كيفية تعاطي الأجهزة القضائية والأمنية مع هذا “النموذج” الذي يفترض أن يتحول الى نموذج للتعامل مع كل الملفات، لا أن يتحول التجاذب السياسي الى مناسبة لتصفية الحسابات، والتمويه عن مرتكبين يفترض أن يزج بهم في السجون.
وبينما كان خصوم رئيس هيئة “اوجيرو” يرددون أن يوسف “ينكبّ حالاً على تجميع أوراقه”، نُقل عنه أنه ما يزال مطمئناً إلى سير العدالة، رافضاً الخوض في كل الاتهامات التي تساق إعلامياً، مؤكدا أن وزير الاتصالات يملك كل تفاصيل الملف بما في ذلك قضية شركة حيسو التي لم تكن تبيعها “اوجيرو” ولا تعطيها أي امتياز.
في المقابل، كشف وزير الصحة وائل أبو فاعور، أمس، أنه تم التحقيق مع يوسف، أمس الأول، “وأخلي سبيله بسند إقامة”. وإذ لفت أبو فاعور النظر إلى أن هذا القرار يعني أن يوسف لم يترك حراً، فقد أشار إلى أنه “رأس جبل الجليد في منظومة الفساد في وزارة الاتصالات”، رافضاً التعامل معه كضحية، مع تأكيده في الوقت نفسه أن الجدية القضائية تفرض عدم التوقف عند مسؤول بحد ذاته، بل الغوص عميقاً لاكتشاف قعر الفساد.
غير أن مصدراً مقرباً من يوسف نفى في اتصال مع “السفير” أن يكون قد استُدعي للتحقيق أو أن يكون قد أخلي سبيله بسند إقامة!
وإذ علمت “السفير” أن نادر الحريري مدير مكتب الرئيس سعد الحريري كُلّف بالبحث في “مرحلة ما بعد عبد المنعم يوسف”، انطلاقاً من أن الأخير لم يعد بإمكانه البقاء في مركزه، فإن المعركة صارت تتمحور حول اسم من سيتولى هذا المنصب، خصوصاً أن بعض الأسماء التي تُطرح لا يمكن أن تنال ثلثي الأصوات في مجلس الوزراء كاسم نبيل يموت على سبيل المثال لا الحصر.
وإذ أعلن المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود أنه أعطى الإشارة بختم التحقيق المنظم من قبل مكتب مكافحة جرائم المعلوماتية في قوى الامن الداخلي في شأن قضية “غوغل كاش” (شركة توفيق حيسو)، فقد رفض تأكيد أو نفي استماعه إلى يوسف. وأبلغ “السفير” أنه احتراماً لسرية التحقيق، لا يمكنه كشف الأسماء، مكتفياً بالإشارة إلى استماعه إلى عدد من الموظفين، وتوقيفه شخصين. كما أعلن أنه “سيصار الى الادعاء وتحريك الدعوى العامة بشأن هذا الملف، كما سيتم طلب الإذن بملاحقة موظفين”.
وقد فتح هذا التصريح الباب على توقع شمول الملاحقات يوسف شخصياً، فيما كانت التوقعات تشير إلى أن أحد الموقوفين هو حيسو نفسه، إلا أن الموقوف الثاني ظل مجهول الهوية. وأشارت مصادر مطلعة إلى أن هذا الموقوف يدعى (ر. ص.)، وهو على حد قول المصادر “أخطر من حيسو لأنه كان إضافة إلى عمله كوسيط بين “أوجيرو” وإحدى الشركات، تحوم حوله شبهة أمنية معينة”.
وفيما يعتبر مصدر مسؤول في قطاع الاتصالات أن القضاء اعتمد في قراره على مخالفة “أوجيرو” للقانون من خلال وصلها شركة حيسو على خادم “غوغل كاش” الخاص بها مجاناً (يساهم في توفير كبير في استعمال السعات الدولية لأنه يجعل خدمات غوغل متاحة على السعات المحلية)، فهو يشير إلى أن هذه الخطوة أدت إلى إعطاء حيسو قدرة هائلة للمنافسة غير العادلة في السوق، وسمحت له ببيع خدمات كان قد حصل عليها مجاناً. لكن المفارقة أن وزير الاتصالات بطرس حرب سبق وأعلن في لجنة الاتصالات أن هذه الخدمة تقدمها الوزارة مجاناً إلى كل الشركات، ما يطرح أكثر من سؤال حول القطبة المخفية في هذا الأمر، وهل القضاء مخطئ أم الوزارة؟ علماً أن الشركات المرخصة كانت قد استقدمت خادم “غوغل كاش” (يفترض أن يكون حجم استهلاكها بين 1 جيغابايت و2 جيغابايت)، إلا أن “أوجيرو” ألزمتها، بحسب المصدر، بشراء 750 E1 مخصصة للخادم.
قد تكون قضية “غوغل كاش” كبيرة، لكن التركيز عليها بدأ يزيد القلق لدى البعض بأن قرار التضحية بيوسف قد اتخذ، في سبيل تهريب أسماء المتورطين الفعليين في شبكة الانترنت غير الشرعي. وإذ سأل النائب وليد جنبلاط أمس الأول عن إسقاط اسم عماد لحود من التحقيقات، فإن نواباً آخرين يسألون عن اسم هاغوب تاكايان، والأهم عن مصير أصحاب “شبكة الزعرور” الذين لم يُستدعوا حتى كشهود! وحتى عند تناول الشبكة، يقتصر الأمر على مسألة الاعتداء على موظفي “أوجيرو”، لا بوصفها محطة غير شرعية تستورد الانترنت غير الشرعي من الخارج وتبيعه للبنانيين.
باختصار، ثمة مساران للقضية، الأول، يسير بثبات نحو كشف مسؤولية عدد من الموظفين عن تقديم تسهيلات إلى شركات من دون أخرى بشكل مخالف للقانون والتغاضي عن وجود شبكة موازية لشبكة الدولة اللبنانية.
وتثبيتاً لهذا المسار، وجه وزير المال علي حسن خليل كتاباً إلى رئيس هيئة القضايا في وزارة العدل، طالباً استناداً الى قانون أصول المحاكمات الجزائية، “اتخاذ التدابير اللازمة لإقامة الدعاوى ومتابعتها، بوجه كل من يظهره التحقيق فاعلاً أو متدخلاً أو محرضاً أو شريكاً، ولا سيما في ما يعود لتحصيل كل الحقوق المالية والمعنوية التي تعود للخزينة العامة، ممن يثبت ضلوعهم في الجرائم المنسوبة اليهم بهذا الشأن”.
لكن المسار الثاني للقضية، لم يطمئن عدداً من المعنيين بالملف، حيث تطفو على السطح مجموعة من الشكوك المرتبطة بدور القضاء في القضية. وإذا كانت هذه الشكوك قد بدأت مع محاولة القضاء العسكري لفلفة مسألة الاعتداء على الموظفين في الزعرور، فقد تعززت مع توزّع التحقيقات بين عدد كبير من الأجهزة الأمنية والقضائية، ولا سيما منها مكتب مكافحة جرائم المعلومات في قوى الأمن، مخابرات الجيش، فرع المعلومات، النيابة العامة التمييزية، النيابة العامة المالية، النيابة العامة في كل من جبل لبنان والشمال.. وهو أمر يساهم عملياً في تعقيد القضية وتشعبها.. والأخطر تعرضها لشتى أنواع الضغوط السياسية.
آخر الغيث كان تقرير مخابرات الجيش الذي نقض كل ما جاء في تقرير “أوجيرو”، مستكملاً التجاذب بين وزارتي الدفاع والاتصالات، وبين الهيئة والجيش. وإذا أضيفت إلى المشهد مسألة رفض وزير الداخلية حضور جلسة لجنة الاتصالات، فإن ذلك يؤشر بوضوح إلى أن في فم وزير الداخلية ماء، وإن حكى فسيصوّب على وزارتي الدفاع والاتصالات على السواء، لذلك فهو يفضّل ترك الأمر للقضاء، الذي لا يملك سوى الحسم وتسريع المحاكمات، بعيداً عن الضغوط السياسية.
من جهة أخرى، رد وزير الاتصالات بطرس حرب على ما ورد في عدد “السفير”، أمس الأول، بالقول إنه “عندما طلبت بلدية بيروت موافقة وزارة الاتصالات على أن تقوم البلدية بتمديد “الفايبر أوبتيك” بين الكاميرات لتشغيلها، ولدى مراجعة النصوص القانونية التي ترعى هذا الموضوع، تبين أنه لا يعود لوزارة الاتصالات الموافقة على منح هذا الترخيص، بل إن هذا الأمر محصور بقرار من مجلس الوزراء، واقترحت وزارة الاتصالات على البلدية أن تقوم هيئة اوجيرو بتمديد “الفايبر اوبتيك” من دون أي كلفة على البلدية وهو ما يعود لاختصاص وزارة الاتصالات وهيئة أوجيرو”.
وأشار حرب إلى أنه بنتيجة هذا الموقف الذي أُبلغ إلى ديوان المحاسبة، وافقت البلدية على أن تقوم هيئة “أوجيرو” بتمديدات “الفايبر أوبتيك” لتشغيل الكاميرات.