Site icon IMLebanon

انتفاء السرية يدفع المصارف السويسرية إلى البحث عن دور جديد

switzerland-zurich
لورا نونان ورالف أتكينز

عندما تقدم الرئيس الأمريكي باراك أوباما أخيرا بالحجة التي تُمَكِّن مكتب التحقيقات الفيدرالية من الوصول إلى هواتف شركة أبل المشفرة، حذر من أنه لو لم يتم هذا الأمر فإن “كل شخص سيتجول ولديه حساب مصرفي سويسري في جيبه”.

وتعني الحملة العالمية على التهرب الضريبي – بقيادة السلطات القانونية الأمريكية – أن الحساب المصرفي السويسري لم يعد ذلك المكان السهل لإخفاء المكاسب غير المشروعة.

وهذا يثير إشكالا منطقيا: من دون السرية التي اشتهر بها، ما الفائدة من الحساب المصرفي السويسري؟

الإجابة التي قدمتها شركة باهنوفستراس الراقية، أو “رو دي رون” في جنيف ليست مباشرة.

أعمال المصرفية الخاصة في سويسرا هي الآن وسط جيشان تاريخي – تلقت ضربة من اضطراب في الأسواق المالية العالمية، إضافة إلى انهيار في الطلب ناجم عن “التنظيم” الضريبي.

عدد المصارف الخاصة آخذ في التقلص، وارتفاع التكاليف التنظيمية يعمل على تقويض هوامش الربح لتلك التي بقيت، لكن رجال الصناعة الشجعان يأبون التراجع. بدلا من ذلك، تجدهم يتصدرون التوسع في الأسواق الناشئة – ويؤكدون على نقاط القوة الأخرى التي يقولون إنها ستضمن استمرار الهيمنة العالمية.

يقول بوريس كولاردي، الرئيس التنفيذي لـ “يوليوس باير”، الذي يستشهد بتاريخ يمتد إلى القرن الخامس عشر “تم اختراع المصرفية الخاصة في سويسرا. وهذا هو المكان الذي يمكنك فيه حفظ أموالك (…) جزيرة في العالم من أجل الاستقرار والتضامن”.

يدير مصرف كولاردي ما يقارب 300 مليار فرنك سويسري “311 مليار دولار” من أصول العملاء، مرتفعا بنسبة 75 في المائة خلال خمس سنوات. ويأتي هذا النمو وسط تراجع أوسع نطاقا في قطاع الصناعة، وهناك فقط نحو 150 مصرفا سويسريا خاصا الآن، من أصل 350 مصرفا كانت موجودة في عام 1995.

يقول جيرج زيلتنر، رئيس قسم إدارة الثروات في مصرف يو بي إس، الرائد في السوق العالمية “إن الاتفاقيات التي وقعت عليها سويسرا منذ عام 2009 حول تبادل المعلومات المصرفية تشكل تغييرا في قواعد اللعبة”.

منذ دفع غرامة بقيمة 780 مليون دولار لتسوية أمور مع السلطات الأمريكية عام 2009، ضمن “يو بي إس” أن أعماله التجارية العالمية “تحفز بنشاط موقفا من أجل الشفافية في المسائل المالية والضريبية”، وهو قرار يقول زيلتنر “إنه كلف المصرف أكثر من 30 مليار فرنك سويسري من أصول العملاء”.

مع ذلك، لا تزال آثار الأيام القديمة باقية. عندما كشفت “أوراق بنما” أخيرا عن تفاصيل تتعلق بانتشار استخدام حسابات الأوفشور لإيواء ثروات الأشخاص من ذوي الثراء الفاحش وإبعادها عن التمحيص والضرائب، تم إدراج ثلاثة مصارف سويسرية من بين أبرز عشرة مصارف أوجدت مثل تلك الهياكل.

وأعلن مارك برانسون، رئيس جهاز المراقبة المالية في سويسرا “فينما”، في وقت مبكر من هذا الشهر أن 14 مؤسسة من أصل 300 يشرف عليها الجهاز منحت تصنيفا من فئة “الأحمر” بسبب مخاطر غسل الأموال لديها. ويدافع المصرفيون السويسريون عن استخدامهم حسابات الأفشور، رغم الدعاية السلبية التي أوردتها “أوراق بنما”. يقول كولاردي “الفرضية التي يجري تصويرها هي أنه إن كنت تخفي شيئا ما فذلك بسبب أنه غير قانوني. وهذا ليس بالضرورة أن يكون صحيحا. بالنسبة إلى معظم الأشخاص، يعتبر حماية للخصوصية والتوريث وتخطيط التركات”.

يقول توبياس أنجر، نائب الرئيس التنفيذي في “فالكون”، وهو مصرف سويسري خاص متوسط الحجم “إن سمعة سويسرا في العالم في تعاملها مع العملاء أفضل مما قد تعتقد عندما تقرأ الصحافة. إن كان لديك شيء تود إخفاءه هذه الأيام فإن الوجهة الأولى ليست سويسرا، بل الولايات المتحدة”.

يعتقد المصرفيون السويسريون أنهم لا يزالون يقدمون الخدمات التي لا يمكن لغيرهم توفيرها. فهم يتحدثون لغات أكثر، ويعملون على تشغيل حسابات بعملات أكثر، ويصدرون مجموعة متنوعة من البيانات الضريبية الوطنية أوسع نطاقا من تلك التي يصدرها المنافسون، بحسب ما يقول أنجر.

ويضيف قائلا “إن المصارف السويسرية لا تزال تقدم عملا أفضل من حيث حماية الأشخاص من العيون المتطفلة مقارنة بباقي المصارف في أماكن أخرى”.

المصرفي الذي يسأل زميلا له عن عميل من المشاهير في زيورخ سيتجاهل سؤاله ويكون جافا معه، لكن “إن حدث الشيء نفسه في إنجلترا، فسيتحدث ذلك الشخص عن “العميل” حتى في حفلات العشاء”، بحسب ما يقول أنجر.

ويلاحظ زيلتنر أن المصارف السويسرية – مثل شركات التكنولوجيا في وادي السيليكون – استفادت من تأثير “التكتل”. ويقول “عندما يتعلق الأمر بإدارة الثروات والأشخاص الأثرياء سويسرا هي صاحبة الخبرة في هذا المجال”.

عملت المصارف السويسرية على تحسين الأداء المالي الذي تقدمه للعملاء، الذي يقول عنه أندرياس فينديتي، محلل المصارف في فونتوبل، “إنه تاريخيا لم يكن عظيما”.

هل أبدى العملاء إعجابهم بذلك؟ التنفيذيون في مكاتب الأسر – التي تدير محافظ استثمارية للأغنياء – يعترضون على فكرة تفرد المصارف السويسرية، خاصة الكبيرة منها. ويقول أحدهم “إنه بمجرد أن تصل المصارف إلى حجم معين، تكون السمة المميزة لها هي الحجم، وليس الجنسية. المصارف السويسرية الخاصة تشبه المصارف الأمريكية الكبيرة”. جورج فري، الشريك المنتدب في مكتب الأسرة ماركوارد في مقره في زيوريخ، يقول “يغلب على السويسريين التعامل مصرفيا مع المصارف السويسرية الخاصة. ويفكر الأجانب بصورة متزايدة في المؤسسات الدولية”.

ويضيف أن “المصارف السويسرية لا تزال تستفيد من خبراتها والتركيز على خدمة العملاء، لكن لسوء الحظ، ما كان يميز المصارف السويسرية عن المصارف الأنجلوساكسونية آخذا في التلاشي”. تقول المصارف الأمريكية الخاصة – القوة الكبرى الأخرى في قطاع الصناعة العالمي – “إنها تواجه المصارف السويسرية، حتى بشكل قريب منها وفي عقر دارها”. ويقول جيمز هولدر، رئيس الخدمات المصرفية الخاصة لشمال أوروبا في “سيتي جروب”، “إن مصرفه يمكنه بشكل كاف جدا تلبية حاجات العملاء الذين يحتاجون إلى إدارة تسليم عالمية”. ويضيف “أن تكون مجرد مصرف مملوك لجهة سويسرية أو مسجل في سويسرا، فهذا لا يمكنه تحقيق النتائج المرجوة”. مع ذلك، تبقى سويسرا أكبر مركز في العالم لأموال الأوفشور، وقد أصبحت المصارف السويسرية قوى مهيمنة دوليا. وهناك ثلاثة مصارف سويسرية – كريدي سويس، ويو بي إس، ويوليوس باير – بين أكبر خمسة مصارف لإدارة الثروات في آسيا، بحسب تصنيف “آيشيان برافيت بانكر”. ويعتبر كل من “يو بي إس” و”كريدي سويس” المصرفين الأجنبيين الوحيدين بين المصارف المميزة في قائمة أكبر 12 مصرفا لإدارة الثروت في الولايات المتحدة، وفقا لأحدث تصنيفات “بارون بينتا”. ويتمتع التوسع الدولي – ولا سيما نحو آسيا – بتصنيفات عالية في جداول أعمال كريدي سويس و”يو بي إس” ويوليوس باير في الوقت الذي تستهدف فيه المصارف السويسرية الأخرى كلا من روسيا وإفريقيا والإمارات. كذلك تستهدف عشرات المصارف السويسرية الأصغر حجما النمو الدولي، وهي تعلم أنه سيتعين عليها الاعتماد على أمور أكثر من مَواطن قوتها السابقة لجعل توسعها ثابتا. يقول أنجر “يجب علينا أن نكون أفضل حالا عندما يتعلق الأمر بالمنتجات. تاريخيا، لم يكن هذا جيدا جدا (…) كانت لدينا مهمة هي عدم فقدان المال ومن الناحية المثالية حمايته من أجل الميراث ومن العيون المتطفلة، أو أن يكون متمتعا بالكفاءة من الناحية الضريبية. بصورة متزايدة، يرغب العميل في الأداء”.