Site icon IMLebanon

هل تقلل الأزمة المالية لتنظيم “داعش” من قدراته القتالية؟

OilTankers
كيرستن كنيب

لعدة أسباب تراجعت إيرادات ميليشيات “الدولة الإسلامية” الإرهابية. هذا الأمر يضعف “جهاديي داعش”، لكنه لا يعني أنهم أصبحوا غير قادرين على القتال، ومازالت أوروبا مهددة.

يبحث تنظيم “داعش” عن مصادر جديدة للتمويل، فبحسب دراسة نشرت مطلع هذا الأسبوع، تراجعت عائدات تنظيم “الدولة الإسلامية” حوالي ثلاثين بالمائة في غضون تسعة أشهر، وهو ما أرغم التنظيم الجهادي على فرض ضرائب جديدة في المناطق الخاضعة لسيطرته. وذكر معهد “اي اتش اس” لمراقبة النزاعات أن “داعش” يلجأ لعدة طرق جديدة للتمويل، من بينها “فرض غرامات على الذين لا يجيبون بشكل صحيح على أسئلة عن القرآن” وكذلك إمكانية دفع غرامات بدلاً من توقيع عقوبات جسدية. ويعني اللجوء إلى هذه الغرامات التي لا تجلب في نهاية المطاف أموالاً طائلة، أن الحالة المالية للتنظيم تقلصت بشكل ضخم.
على الأقل وحسب تحليل معهد “اي اتش اس”، وهي شركة استشارية لخدمات معالجة المعلومات، في دراستها التي ظهرت مؤخراً عن الحالة المالية لتنظيم “داعش”، فقد كانت إيرادات “الدولة الإسلامية” في منتصف عام 2015 حوالي 80 مليون دولار أمريكي شهرياً، وتراجعت لتصل الآن لـ56 مليون دولار. وقال لودوفيكو كارلينو، كبير المحللين في معهد “اي اتش اس”: “إن الدولة الإسلامية لا زالت مسيطرة في المنطقة، لكن تراجع إيراداتها يتزايد ويمثل تحدياً لبقاء التنظيم على المدى الطويل”.

تبعات الضربات الجوية

وحسب ايه.اتش.اس، فإن هجمات الروس والأمريكيين على الميليشيات الإرهابية زادت بشكل كبير. وفي الأشهر الـ15 الماضية، فقد تنظيم “داعش” نحو 22 بالمائة من الأراضي التي كان يسيطر عليها، كما يوضح كولومب ستراك، أحد المشاركين في الدراسة. ويعد التحدي الأكبر لداعش هو فقدان سيطرته على كثير من الذين كانوا يسكنون في مناطق تقع تحت سيطرته، فبعد أن كان هناك تسعة ملايين شخص في المناطق التي يسيطر عليها، تراجع العدد ليصل الآن لنحو ستة ملايين، ويمثل هذا خسارة مادية كبيرة للتنظيم، فنصف إيراداته تنبع من الضرائب ومصادرة الأملاك. فمن يحيا في منطقة يسيطر عليها تنظيم “داعش” عليه دفع الضرائب للجهاديين، وكثيراً ما تتعرض أملاكه أيضاً للمصادرة، خاصة للمنتمين لأديان أو طوائف غير السنة.

43 بالمائة من إيرادات “داعش” تأتي من عائدات النفط. وأيضاً في هذا الصدد تبدو الخسارة كبيرة، فقد قامت الولايات المتحدة الأمريكية بحملة مكثفة استهدفت صهاريج تخزين النفط والمنصات البحرية النفطية وعربات نقل النفط. ومثلت هذه الحملة تغيراً في الاستراتيجية الأمريكية، فقد كان التحالف يعتبر مثل هذه الأهداف خارج نطاق ضرباته حرصاً على عدم وقوع ضحايا بين المدنيين وتقليص الأضرار التي تلحق بالبنية التحتية النفطية، التي قد تحتاجها فيما بعد حكومة جديدة في سوريا.

لكن الشاحنة التي تحمل 30 ألف لتر من النفط الخام، والتي تصل بسلام لهدفها توفر لـ”داعش” في كل نقلة مكسب يقدر بحوالي 4000 دولار أمريكي. “هذا يؤدي إلى دعم كبير لدولة الخلافة”، حسبما كتب الباحثان جورج كيوركتسوغلو وأليس د. كورتروبيس من جامعة غرينيتش البريطانية، في بحث تحليلي عن تجارة داعش في النفط.
بعد اعتداءات باريس في نوفمبر/تشرين الثاني 2015، غير الأمريكيون والأوروبيون استراتيجيتهم تجاه “الدولة الإسلامية”، وقاموا بعد بضعة أسابيع من الحادث بتدمير ثلث شاحنات النفط الخاصة بـ”داعش”، ويقدر عددها بنحو 900.

بالإضافة إلى ذلك، يتم تمويل تنظيم “الدولة الإسلامية” أيضاً من التبرعات، التي ساعدت بشكل ضخم في بداية الحرب الأهلية. جزء كبير من هذه التبرعات جاءت من مؤسسات خاصة من منطقة الخليج، وخاصة من المملكة العربية السعودية. لكن الحكومة السعودية أدركت أن عليها اتخاذ إجراءات ضد هذه التدفقات النقدية، حسبما يقول سيباستيان سونز من الجمعية الألمانية للسياسة الخارجية. لكنه يضيف في مقابلة مع DW: “مع ذلك، فشل السعوديون حتى الآن في وقف هذه التدفقات المالية من المانحين من القطاع الخاص والمؤسسات الخيرية، رغم أنهم يعملون على هذا الأمر منذ 11 سبتمبر/أيلول 2001. فما زالت هناك حاجة في تطوير الآليات لتحقيق ذلك”.

مجموعة الضربات الجوية وتحركات الجيش السوري والجيش العراقي لمواجهة “الدولة الإسلامية” تساعد في تقليص المناطق التي يسيطر عليها، وهو أمر يساعد في مقاومة التنظيم الإرهابي، فكلما تقلصت المنطقة التي يسيطر عليها، كلما تقلص دخله سواء من الضرائب أو حتى من الفدية والاتجار بالبشر وتهريب المخدرات. كذلك يمكن تقليص دخل تنظيم “داعش” بطرق غير عسكرية، فبنوك العراق التي يسيطر عليها التنظيم ممنوعة من القيام بمعاملات دولية. كما امتنعت الدولة العراقية عن تحويل رواتب موظفيها في هذه المنطقة، والتي تبلغ حوالي 170 مليون دولار شهرياً، لأن عشر هذا المبلغ تقريباً يتم تحصيله من قبل “داعش” كضرائب. كما تم وضع الأفراد والمؤسسات التي تتعامل مع داعش على القائمة السوداء العالمية، ومن يتعامل معه لا يمكنه إجراء أي معاملات مصرفية بعد ذلك.

وقد رد تنظيم “الدولة الإسلامية” على هذه الخسارة بعدة إجراءات، من بينها تخفيض رواتب مقاتليه للنصف، بحسب صحيفة نيويورك تايمز. لكن الخبير في شؤون الشرق الأوسط بجامعة ماينز الألمانية، غونتر ماير يحذر قائلاً إن “تنظيم الدولة الإسلامية قد تم إضعافه، لكنه لم يهزم”. فمنذ فترة طويلة تم نقل آلاف المقاتلين من سوريا إلى ليبيا. ويضيف ماير في هذا السياق: “ليبيا دولة فاشلة، وللدولة الإسلامية هناك مستقبل واضح، حتى في حال الهزيمة العسكرية للتنظيم في سوريا والعراق فلن يعني هذا نهايته”، لذلك يرى ماير أن هذا الضعف الذي تمر به “داعش” “لا يعني تدمير التنظيم بالكامل في البلدان الإسلامية ولا يعني خفض خطر الإرهاب الذي يهدد أوروبا”.