خضر حسان
تعتبر الدول العربية ساحة التصدير الأساسية للبضائع اللبنانية، ويعدّ لبنان ساحة إستيراد لبضائع الدول العربية، لكن عملية الإستيراد والتصدير تخرج عن إطارها الإيجابي عندما تتحول الى عبء على لبنان، يتمثل بعدم تكافؤ كفتي ميزان الإستيراد والتصدير، وبعدم قدرة السوق اللبنانية على تحمل منافسة البضائع العربية للبضائع المحلية. وأمام هذه الصورة “الخاسرة” بالمنظور الإقتصادي، هل يقوم لبنان بإجراء “بديهي” وهو قطع أوصال خسارته، من خلال فك إرتباطه بإتفاقية التيسير العربية؟.
من الناحية الإقتصادية الصرفة، فإن إنسحاب لبنان من الإتفاقية يساعد البضائع اللبنانية على الإنتشار أكثر في السوق اللبناني، إذ ان الحد من الإستيراد العربي يترك مساحة واسعة للبضائع اللبنانية، ويُكسبها قدرة تنافسية إذا ما ارتفعت أسعار السلع العربية المصدَّرة الى لبنان، بفعل الجمارك. وبالطبع، يجب ان تترافق هذه الخطوة في حال تبنيها، مع سياسات حكومية تشجع الإنتاج المحلي وتسهّل تسويقه داخلياً. لكن فعلياً، فإن تنفيذ مثل هذه الخطوة يقف عند الكثير من المعطيات، إذ ان الإنسحاب من إتفاقية التيسير لن يكون صداه عربياً، بسيطاً جداً، فعدم الدخول في الإتفاقية أصلاً، يكون صداه أقل “صخباً” من الإنسحاب، لأن الخطوة الأخيرة ستُقابل بردود فعل عربية تجاه البضائع اللبنانية. وإذا كان الإنسحاب يؤمّن سوقاً داخلية محمية للبضائع اللبنانية، فهو يضمن إقفال الأسواق العربية في وجه الصادرات اللبنانية، أو على الأقل زيادة للعراقيل، وأبرزها الجمارك والمواصفات، وهو ما ترجحه مصادر “المدن” في وزارة الزراعة. حيث تشير المصادر الى ان “الإنسحاب بات يكلف لبنان أكثر من الإستمرار في الإتفاقية برغم الخسائر”، وتركز المصادر على ان “إتجاه لبنان نحو الإنضمام الى منظمة التجارة الدولية يُحرج موقفه في حال أراد الإنسحاب من إتفاقية التيسير العربية بحجة حماية السوق المحلية، لأن وضع السوق في ظل الإنضمام الى المنظمة، لن يكون أفضل من وضعه في ظل إتفاقية التيسير، إذا لم نقل ان الوضع سيزداد سوءاً. ومن هنا يأتي رفض وزير الصناعة حسين الحاج حسن للإنضمام الى المنظمة، وكذلك رفض عدد من الوزراء سراً وعلانية، فضلاً عن ملاحظات الكثير من أهل الإقتصاد”.
وإذا كان لبنان يُحرك ملايين المنتجات العربية ضمن دائرة إقتصادية تستوعب السلع والخدمات، إلا ان إيقاف هذه الدائرة لا يستبعد مقاطعة عربية على مستوى السياحة والخدمات، أكثر شمولاً من المقاطعة الخليجية غير المعلنة رسمياً. وأيضاً، أزمة تحويل الأموال من السعودية الى لبنان يجب ان تؤخذ في الحسبان في حال قرّر لبنان الإنسحاب من الإتفاقية، لأن الإنسحاب يعني تأثر التحويلات من والى لبنان نظراً لإرتباط أعمال التجار اللبنانيين في العالم العربي بإتفاقية التيسير، وإذا كان تحويل الأموال من السعودية يتأثر بشكل او بآخر بالموقف السياسي، فحكماً سيتأثر علناً بالموقف الإقتصادي. أي ان حماية السوق المحلي من التهريب المغطى بالإتفاقية، سيؤثر في المقلب الآخر على التجارة الشرعية بإتجاه لبنان ومنه.
في الجانب الآخر، لا تواجه فكرة الإنسحاب تحديات إقتصادية فقط، ولعلّ هذه التحديات هي الأقل ضغطاً إذا ما قورنت بالتحديات السياسية. فمن لديه الجرأة السياسية في لبنان لتبني مثل هذا الإقتراح علناً؟. خاصة وان التوترات التي تحدثها المواقف السياسية تجاه بعض الدول العربية تسير على أرض غير مستقرة، فيأتي قرار الإنسحاب كمكمّل بديهي لعدم الإستقرار، ويظهر القرار وكأنه تبنٍ للمواقف المعارضة للسياسات العربية، أو كردٍّ إقتصادي عليه. وهذا ما لا تستطيع تحمّله الحكومة اللبنانية المنقسمة داخلياً حول الموقف من العلاقات اللبنانية – العربية، ومستوى وحدود التعاطي بين الطرفين.
إتفاقية التيسير العربية باتت تشكل تحدياً إقتصادياً مكلفاً للبنان، لكن الحفاظ على معدل بسيط من الخسائر الإقتصادية والسياسية، هو أفضل من الدخول في خسائر مجهولة. خاصة ان إقفال المعابر البرية ضيّق الخناق على تصدير البضائع اللبنانية، والتصدير البحري يواجه ما يواجهه من مصاعب لا يحتمل لبنان مضاعفتها في حال توقف التصدير البحري أيضاً الى الدول العربية.