IMLebanon

فشل مؤتمر الدوحة: الأسباب والنتائج

Doha-Meeting
وليد خدوري

لم يتوصل 16 وزيراً من «أوبك» وخارجها، يشكل مجمل نتاج دولهم النفطي نحو نصف الإجمالي العالمي، إلى اتفاق لتجميد الإنتاج عند مستويات كانون الثاني (يناير) الماضي، لفترة تنتهي في تشرين الأول (اكتوبر) المقبل، سعياً إلى دعم الأسعار لتبلغ مستوى معقولاً بدلاً من المعدلات المتدنية التي طغت خلال الأشهر الماضية. وكان متوقعاً، بعد التفاهم السعودي – الروسي المهم في لقاء الدوحة في شباط (فبراير) الماضي، الذي ارتفعت الأسعار على أثره نحو 35 في المئة، وفي حال اتفاق عدد كبير من المنتجين الأسبوع الماضي، أن ينتهي إمكان تدني الأسعار الى القاع مرة أخرى. بل كان متوقعاً أن تبلغ نحو 50 دولاراً للبرميل بحلول نهاية العام الحالي.
رفضت إيران، منذ البداية، مبدأ تجميد الإنتاج قبل أن يعود معدل إنتاجها الى نحو 4 ملايين برميل يومياً، أي ما توصلت إليه لفترة وجيزة قبل فرض الحصار الدولي على صناعتها البترولية في 2012. لكن على رغم ذلك، استمرت الجهود لتجميد الإنتاج لبقية الدول، إذ كانت وجهة نظر الغالبية أن الزيادة الإيرانية لا تشكل تهديداً لاتفاق تجميد الإنتاج، وتم التفاهم في المضيّ قدماً بالاتفاق، على رغم معارضة إيران وإعلان وزير النفط بيجان زنغنه أنه لن يشارك شخصياً في اجتماع الدوحة.
وصل الوزراء الى الدوحة مساء السبت 9 نيسان (أبريل)، متفائلين بأن مسودة الاتفاق جاهزة للتوقيع يوم الأحد 10 نيسان. لكن إيران أعلنت فجأة أنها لن ترسل وفداً الى الدوحة، أي أنها لن تشارك البتة في الاجتماع. والمعنى واضح: إن إيران لن توقع الاتفاق، ولو برفضه. ما يعني أنها لن تكون معنية بقراراته المستقبلية، ما يعفيها من أي مسؤولية لاحقة. وأعلنت السعودية مساء السبت، أنها ستستمر بزيادة إنتاجها وأنها لن توافق على تجميد الإنتاج الى حين مشاركة جميع الدول المنتجة وتوقيعها الاتفاق، ومن ضمنها إيران. وبما أن إيران لم تشارك البتة في الاجتماعات، انفض اجتماع الأحد بعد عشر ساعات من المشاورات، من دون أي نتيجة إيجابية. وصرح وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك بعيد الاجتماع: «لقد غير بعض أقطار أوبك مواقفه صباح اليوم (الأحد)… قبيل الاجتماع». وعكست هذه الخطوات النزاع في المنطقة حيث اندمجت الخلافات النفطية والسياسية معاً.
يذكر أن وكيل وزارة النفط الإيرانية روح الدين جوادي أبلغ وكالة الأنباء الإيرانية الرسمية «إرنا» الثلثاء الماضي، بعيد اجتماع الدوحة، أن معدل الإنتاج الإيراني بلغ 3.5 مليون برميل يومياً هذا الشهر وأنه سيصل الى مستواه ما قبل الحصار الدولي خلال شهرين (نهاية حزيران/ يونيو المقبل)، ما يعني أن طهران مستمرة قدماً في زيادة الإنتاج. فما هو مستوى إنتاجها المستقبلي بعد تحقيق معدل 4 ملايين برميل يومياً؟ إنه سؤال لم تجب عنه إيران حتى الآن.
ما هو أثر ما سبق على الأسعار؟
يعتبر الإخفاق معنوياً. اذ لم تكن هناك أي خطة لخفض الإنتاج في كل الأحوال. انخفضت الأسعار نحو 5 في المئة عند بدء العمل في البورصات العالمية صباح الإثنين الماضي. لكن عادت وارتفعت تدريجاً خلال الأيام التالية . فقد ارتفع سعر نفط «برنت» 4 في المئة خلال الأسبوع الماضي ووصل في نهاية الأسبوع الى 44.80 دولار. والسبب موقّت، لا علاقة له بنتائج الاتفاق، ويتعلق بإضراب نقابة عمال النفط الكويتية لمدة ثلاثة أيام، ما حجب أكثر من مليون برميل يومياً من الإنتاج. ومن الطبيعي أن تعود مخاوف المراقبين من زيادة المخزون النفطي العالمي مع انتهاء الإضراب، هذا المخزون الذي يزداد نحو 1-2 مليون برميل يومياً، والذي وصل مجموعه الى نحو 3 بلايين برميل على الصعيد العالمي، ما يترك ضغوطاً سلبية كبيرة على الأسعار. في الوقت ذاته، صدرت تصريحات عن مسؤولين في «أوبك» عن استمرار المفاوضات للوصول الى اتفاق في الفترة القريبة المقبلة، لكن من دون تحديد موعد معين.
كما تشير بيانات وكالة معلومات الطاقة الأميركية الرسمية، الى أن معدل إنتاج النفط الأميركي في 2015 بلغ 9 ملايين برميل يومياً، وهو الأعلى منذ ثلاثة عقود، بيــــنما تشير التوقعات الى أن معدل الإنتاج سينخفـــض الى 8.6 مليون برميل يومياً هذه السنة، لانخفاض إنتاج النفط الصخري بسبب تدهور الأسعار. كما توقعت وكالة الطاقة الدولية تحسن الطلب على النفط في المستقبل القريب، خصوصاً من الصين والهند. ويرجح أن ترسل هذه المعلومات والتوقعات المختلفة، إضافة الى استمرار التفاؤل بعقد اجتماع آخر قريباً، مؤشرات تطمئن الأسواق، الى حين عقد الاجتماع المقبل للمنتجين.
لكن على رغم ذلك، تشير التوقعات أيضاً الى احتمال تذبذب الأسعار وانخفاضها حتى الوصول الى اتفاق في مؤتمر «قريب» لم يحدد موعده بعد، بمعنى انخفاضها الى أقل من نطاق 40-45 دولاراً الذي كانت عليه عند انعقاد مؤتمر الدوحة. والسبب وراء انخفاض الأسعار ثانية، هو المخاوف من استمرار زيادة المخزون التجاري وضغوطه على مستوى الأسعار، على رغم انخفاض الإنتاج من خارج «أوبك»، خصوصاً من الولايات المتحدة، وعلى رغم إمكان تحسن الطلب. فلا يستبعد استمرار الخلافات والتشدد في المواقف وعدم التراجع عنها. فالسعودية ترفض نقاش إمكان الخفض، وإيران تريد الوصول الى معدل 4 ملايين برميل يومياً من دون الإجابة عن معدل إنتاجها المستقبلي. وهناك موقف العراق الذي ارتفع إنتاجه (من ضمنه الإنتاج من حقول اقليم كردستان) الى نحو 4.7-4.8 مليون برميل يومياً. لكنه بخلاف إيران، يدعو الى تجميد مستوى الإنتاج لفترة قصيرة من أجل خفض مستوى المخزون التجاري النفطي العالمي. هذه الخلافات الأساسية في المواقف ستترك بصماتها في الأسواق.