Site icon IMLebanon

«المركزي» الأوروبي يبقي على أسعار الفائدة ويرجح تدنيها أكثر بهدف زيادة التضخم

european-central-bank
استعرت هذا الاسبوع الحرب الكلامية بين رئيس البنك المركزي الاوروبي ماريو دراغي والمانيا التي انتقدت قرار المؤسسة الاوروبية في آذار الماضي خفض سعر الفائدة للمرة الاولى إلى مستوى صفر في المئة على الإقراض وفرض فائدة سلبية على الإيداع. وهو ما حدا بدراغي الى الدفاع عن استقلالية مؤسسته، مشددا على انها تلتزم «القانون وليس بالسياسات».

وكان القرار الذي اتخذته المؤسسة الاوروبية في آذار، أثار غضباً سياسياً في ألمانيا وخصوصاً بين المتقاعدين الذين ما زالوا يحتفظون بمدخراتهم في حسابات توفير وليس في الأدوات الاستثمارية الأخرى.

وما يثير قلق الألمان الآن هو أن يكون دراغي يدرس تبني أدوات نقدية غير معتادة لتحفيز الاقتصاد.

ويخشى الألمان بشكل خاص ما يطلق عليه «أموال الطائرة المروحية« التي تضخها المصارف مباشرة إلى المستهلكين بهدف قطع الطريق على الكساد الاقتصادي وتعزيز النمو. لكن دراغي قال في المؤتمر الصحافي في آذار الماضي، إن أموال «الطائرة المروحية« «مفهوم مثير للغاية«، رغم أن مسؤولي المصرف المركزي الأوروبي قالوا إن هذا الموضوع لم يطرح للمناقشة.

وكان صندوق النقد الدولي حذّر أيضاً المصرف المركزي الأوروبي وغيره من المصارف المركزية الكبرى الأخرى في العالم وخصوصاً المصرف المركزي الياباني من المخاطر التي تحيط بالاقتصاد العالمي بسبب الفائدة السلبية على الإيداع وقال في وقت سابق من الشهر الحالي: «هناك قيود على المدى الذي يمكن المضي إليه في سياسة الفائدة السلبية وكذلك في المدى الزمني لها«.

في مؤتمر صحافي عقب الاجتماع الدوري لمجلس محافظي المصرف الاوروبي هذا الاسبوع أبقى خلاله معدل الفائدة من دون تغيير مطالباً في المقابل بإمهال تدابيره بعض الوقت حتى تأتي بنتائجها الكاملة دافع دراغي عن مؤسسته، وقال: «مهمتنا تقضي بالسعي لتحقيق استقرار الاسعار لكامل منطقة اليورو، وليس لألمانيا وحدها»، مؤكداً «اننا نلتزم القانون، وليس بالسياسات، لاننا مستقلون».

وفي تعليقه على انتقادات وزير المالية الالماني فولفغانغ شويبله للسياسة النقدية التي تنتهجها المؤسسة وقوله انها ساهمت في صعود حزب شعبوي الماني جديد من اليمين المتطرف، قال دراغي: «لم يكن يفكر بما يقوله، او انه قال أمراً لم يكن يعنيه». اضاف: «كلما تم التشكيك بصدقية المصرف المركزي الاوروبي، هذا يؤخر اللحظة التي سيحقق فيها هدفه، وهذا ما يتطلب بالتالي سياسة اكثر توسعاً«، ما يعني ضمناً ان منتقدي المؤسسة المالية لا يخدمون مصالحهم اذ يساهمون من خلال مواقفهم هذه في استمرار سياسة يرفضونها.

كذلك تحمل المصارف الالمانية بشدة على سياسة تحرمها من مصدر دخل كبير.

ودعا دراغي القطاع المصرفي الى «مقاومة الميل الى تحميل معدلات الفوائد المتدنية مسؤولية كل المشكلات»، مذكراً بأن «المصارف تحقق أيضاً أرباحاً كبيرة على السندات» التي يعيد المصرف المركزي الاوروبي شراءها منها في اطار برنامج شراء الاصول الذي يطبقه.

وطلب دراغي إمهال التدابير التي اتخذها المصرف المركزي الاوروبي في آذار بعض الوقت حتى تأتي بنتائجها الكاملة. وقال ان «تدابيرنا ناجعة، انها فعالة، امهلوها فقط بعض الوقت لتثبت مفاعيلها بالكامل». لكنه شدد على ان ذلك لن يحصل تلقائياً، وقال مصعداً النبرة اكثر من عادته: «من اجل ان نجني ثمار تدابيرنا على صعيد السياسة النقدية كاملة، على دوائر قرار اخرى ان تساهم بشكل اكبر، سواء على الصعيد الوطني او على الصعيد الاوروبي». وقال مبدياً اسفه ان سياسة المصرف المركزي الاوروبي «هي الوحيدة التي تدعم النمو» منذ أربع سنوات، آخذاً على الحكومات عدم تنفيذها الاصلاحات البنيوية الضرورية.

ويتوقع المحللون ان تستمر الحرب الكلامية، اذ ان المصرف الاوروبي، الذي تصطدم مساعيه منذ اشهر طويلة بتضخم متدن الى حد انه يشلها، تعهد مجدداً استخدام «كل الادوات المتوافرة» في سياق تفويضه «اذا اقتضت الحاجة». واشار بصورة خاصة الى ان معدلات الفائدة الرئيسية التي تعتمدها المؤسسة قد تتدنى اكثر من مستواها الحالي.

وطبقاً لما كان متوقعاً، قرر اجتماع مجلس المصرف المركزي الاوروبي ابقاء معدلات الفائدة الرئيسية بمستوياتها الحالية المتدنية الى حد تاريخي، حيث يقوم بطبع النقود لدعم الاقتصاد ورفع التضخم.

ونسبة الفائدة الرئيسية التي تعتبر مقياساً للإقراض في منطقة اليورو، بمستوى الصفر منذ الشهر الماضي، ما يعني ان تكلفة القروض باتت شبه معدومة، وكذلك فان الاستثمارات لم تعد تأتي بارباح، او ان ارباحها ضئيلة جدا، ما يعرض المصرف المركزي الاوروبي لانتقادات شديدة تحديداً في المانيا، البلد الذي يعطي اهمية كبيرة للادخار.

ورأى رئيس معهد «دي آي دبليو» الاقتصادي الالماني، مارسيل فراتزشر، ان «المصرف المركزي الاوروبي أعطى إشارة واضحة الى مواصلة السياسة التوسعية»، متوقعاً ان «تتواصل سياسة معدلات الفائدة بمستوى الصفر لثلاث او اربع سنوات على اقل تقدير».

وراوحت الاسعار بمستواها في آذار بعد تسجيلها تراجعاً بنسبة 0,2 في المئة في شباط، بفعل تراجع اسعار النفط، في حين يسعى المصرف المركزي لتحقيق «تضخم قريب من 2 في المئة، انما ادنى من هذا المستوى».

ولم تطرأ اي حركة على الاسواق رداً على المؤتمر الصحافي لماريو دراغي الذي لم يتضمن اي اعلان مفاجئ.

وقال كالوم بيكرينغ من بنك الاستثمار «بيرنبرغ» انه «بابقاء كل الخيارات متاحة، ليس هناك اي مؤشر اليوم يوحي بأن المصرف المركزي الاوروبي لديه الرغبة او الحاجة الى بذل المزيد».

وفي مواجهة التضخم الضعيف، عمدت المؤسسة النقدية الاوروبية الى توسيع نطاق تدابيرها مرتين خلال الاشهر الخمسة الاخيرة.

ففي مطلع اذار، خفضت مجمل معدلات فوائدها الرئيسية الى مستوياتها الحالية التاريخية، وكشفت عن برنامج جديد من القروض الهائلة المجانية للمصارف، ووسعت نطاق برنامج اعادة شراء ديون عامة وخاصة لتضمينه اعادة شراء ديون شركات، في عملية غير مسبوقة يبدأ تطبيقها في حزيران.

والهدف من خلال جميع هذه التدابير هو السماح بتداول الاموال ضمن الكتلة النقدية، وتشجيع الاقراض والاستثمار والاستهلاك، ما يفترض ان يفضي في نهاية المطاف الى عودة الاسعار للارتفاع.

وقال الخبير الاقتصادي لدى «ناتيكسيس»، يوهانس غاريس، ان اجتماع اليوم «يؤكد بصورة عامة رأينا القائل بان المصرف المركزي الاوروبي سيلزم موقف ترقب خلال الاشهر المقبل، في غياب صدمات سلبية».

غير ان يورغ كريمر الخبير لدى مصرف «كومرتزبنك» راى ان المصرف المركزي الاوروبي قد يوسع نطاق تدابيره اكثر بحلول نهاية السنة موضحاً انه تحت تأثير اسعار النفط، فان التضخم يرتفع نحو عتبة 2 في المئة ببطء اكبر مما كان المصرف المركزي الاوروبي يتوقعه».

خروج بريطانيا

الى ذلك، اعتبر دراغي ان وجود بريطانيا في الاتحاد الاوروبي فيه «فائدة متبادلة» بين الطرفين، مطمئنا في الوقت نفسه الى ان خروج المملكة من الاتحاد ينطوي على خطر «محدود» على النهوض الاقتصادي لمنطقة اليورو. واضاف انه في حال قرر البريطانيون خلال الاستفتاء المقرر في 23 حزيران المقبل الخروج من الاتحاد الاوروبي فهل سيؤدي هذا الامر الى «تعريض النهوض الاقتصادي لمنطقة اليورو الى الخطر؟ ان التقويم الذي اجرته طواقمنا يشير الى ان خطر حدوث هذا الامر محدود».