IMLebanon

كيف أصبح “العتّالة” في الضمان خاضعين لأحكام قانونَي العمل؟

NSSFDaman

سلوى بعلبكي

 

هل تريد وظيفة في الضمان الاجتماعي؟ الطريقة سهلة. ما عليك الاّ التقدم بطلب للعمل كـ “عتّال”، بضع ساعات يومياً، 4 أيام أسبوعياً. وبعد مرور 3 أشهر من بدء العمل، تقدّم بشكوى الى مديرية التفتيش في المؤسسة طالباً منها تطبيق القانون الذي أنشئت المؤسسة لأجله، لتصبح بعدها خاضعاً لأحكام قانوني العمل والضمان، ومن يعلم، ربما تصبح مديراً يوماً ما. لكن مهلاً، هذا العرض ليس لعامة الشعب، فهو حصراً للنافذين في الصندوق كأعضاء مجلس الإدارة، مدراء، رؤساء مصالح، رؤساء مكاتب، نقابيين، إضافة الى بعض النافذين من خارجه.

بدأت هذه المخالفة عام 2000، عندما استعانت الإدارة بخدمات عمال في الصندوق يشغلون ما يسمّى بأعمال العتالة أو الفاتورة مقابل بدل يومي، الا هذا العدد تزايد تدريجياً ليصل الى 116 عامل فاتورة في نهاية 2015 رغم أن الإدارة كانت قد نفت وجود أي عمال فاتورة لديها وأكدت في أكثر من مناسبة انها لا تستخدم عمال مياومين تحت أي صفة كانت. علماً ان معظم عمال الفاتورة العاملين في الصندوق كان قد سبق لهم أن تقدموا لمباراة اجراها مجلس الخدمة لتعيين مستخدمين في وظيفة كاتب ولم ينجح منهم سوى اثنين.
بتاريخ 27/1/1984 أقر مجلس إدارة الصندوق نظاماً للمياومين ثم عاد وأوقف العمل فيه اعتباراً من تاريخ 7/12/1990، بعدما قام بتسوية للمياومين العاملين في الصندوق لغاية عام 1990 أفضت الى ادخالهم ملاك الصندوق بوظائف في الفئة السابعة، وذلك عبر امتحانات شكلية أجرتها احدى مديرياته.
الاّ أن المدير العام عاد واقترح على مجلس الإدارة في كتابه رقم 2384 تاريخ 8/9/2009 مشروع نظام للأجراء المياومين يعمل به استثنائياً وعندما تدعو الحاجة، كذلك اقترح بموجب الكتابين اللاحقين رقم 2932 تاريخ 11/11/2010 و3346 تاريخ 12/12/2010 إعادة العمل بنظام المياومين، وذلك لتوفير استمرارية عمل الصندوق في ظل النقص الحاد في موارده البشرية.
رد نائب رئيس مجلس الإدارة بتاريخ 6/6/2014 الكتب الثلاثة الى المدير العام، لأنها لم تتضمّن ما يشير الى انها تنطبق على الاحكام القانونية المرعية الاجراء ولا سيما قانون الموازنة العامة لعام 2004، أي أن يتم التعيين او التعاقد في هذا النظام عبر مباريات يجريها مجلس الخدمة المدنية. مما دفع المدير العام الى إعادة الكتب بتاريخ 25/6/2014، معتبراً انه سبق لمجلس الإدارة ان بدأ مناقشة هذا الموضوع ولم يتم التوافق او اتخاذ أي قرار بإعادة الملف الى الإدارة. فكان أن اتخذ مجلس الإدارة في جلسته عدد 555 تاريخ 27/12/2014 القرار رقم 888 المتعلّق بإعادة العمل بنظام المياومين، مخالفاً بذلك احكام المادة 54 من قانون موازنة عام 2004، وتمّ ارسال هذا القرار الى وزير العمل سجعان قزي بتاريخ 31/12/2014 لطلب المصادقة عليه. الاّ ان وزير العمل انتظر حتى تاريخ 11/2/2015 أي بعد مرور أكثر من شهر على تسجيل الملف في امانة سر سلطة الوصاية، لطلب رأي مجلس شورى الدولة في قرار إعادة العمل بنظام المياومين. وبعد أسبوع واحد صدر رأي مجلس الشورى بتاريخ 17/2/2015، الذي خلص الى انه مع صدور قانون موازنة عام 2004 والحظر الذي اقرته المادة 54 منه لجهة اجراء تعيينات خارج إطار المباراة التي يجريها مجلس الخدمة المدنية، أصبح من المتعذّر على مجلس إدارة الضمان اجراء أي تعيّينات للمياومين لديه حتى في ظل نظام المياومين السابق. الاّ أن وزير العمل اخّر مجدداً تبليغ مجلس إدارة الصندوق رأي مجلس شورى الدولة الذي تبلغه بتاريخ 23/2/2015 وتالياً عدم المصادقة على مشروع القرار حتى 14/4/2015.
لكن مجلس إدارة الصندوق تذرّع في جلسته رقم 573 تاريخ 7/5/2015 بأن سلطة الوصاية لم تبلغه رفضها المعلل خلال المهلة القانونية (شهر من تاريخ تسجيل الملف في امانة سر وزارة العمل)، وفقاً لأحكام الفقرة الثانية من المادة 23 من نظام مجلس الإدارة، فاعتبر القرار مصدقاً حكماً، خلافاً لرأي مجلس شورى الدولة. علماً أن هذا القرار معرض للإبطال في حال تقدم أحد الأطراف المتضررين بالطعن أمام مجلس الشورى.
والمثير للجدل، أنه عندما لم يقدم المدير العام على تنفيذ قرار مجلس الإدارة المتعلّق بإعادة العمل بنظام المياومين والمخالف لرأي مجلس شورى الدولة، توجّه أحد أعضاء مجلس إدارة الصندوق بتاريخ 5/11/2015 من مديرية التفتيش والمراقبة في الصندوق بشكوى على الصندوق، مدعياً انه يوجد عدد من الاجراء يعملون في كل مكاتبه وغير مصرّح عنهم للصندوق. علماً ان مجلس الإدارة ذاته كان قد صادق على كل موازنات الصندوق وقطع الحساب والتي تتضمن نفقات رصدت تحت بند نفقات مختلفة في حين صرفت على نفقات لأجراء مياومين من دون وجه حق، بمخالفة صريحة لأحكام المادة 48 من النظام المالي التي تنص على الآتي: “لا تعقد أي نفقة غير نفقات التقديمات الاّ اذا توافر لها اعتماد في الموازنة، ولا يجوز استعمال الاعتماد لغير الغاية التي رصد من اجلها”.
وفي سابقة فريدة من نوعها، قام مدير التفتيش والمراقبة في الصندوق عياد السباعي بتكليف المفتش الأول انس شبو بموجب أمر مهمة رقم 844/23 تاريخ 11/11/2015 بإجراء رقابة محصورة على ادارته. أنجز المفتش الأول تقريره بتاريخ 5/1/2016 وهذا ما يعتبر سرعة قياسية في عمل التفتيش، والذي اخضع بنتيجته عمال الفاتورة الى احكام الضمان بصفة أجراء مياومين سنداً الى احكام الفقرة “أ” البند أول من المادة 9 ضمان، معتبراً ان العلاقة التي تربط عمال الفاتورة (عمال العتالة) بالصندوق علاقة استخدام بالمعنى القانوني الوارد في الفقرة “أ” المادة 624 (موجبات وعقود) نظراً الى توافر عنصر العمل والاجر والتبعية القانونية.
وبناء عليه، يكون الصندوق قد ارتكب جملة من التجاوزات التي تنسف أسس التعيين في الادارة العامة القائمة على اختيار الاكفياء من بين اللبنانيين لتولي الوظيفة العامة، ومخالفات جسيمة لقانون الضمان وانظمته. وهذا كله يحصل بالتزامن مع ضرب اجهزة الرقابة في الصندوق عبر سياسة واضحة تبدأ بتفريغ الصندوق من الكوادر الكفيّة المسؤولة عن ضبط الاعمال والرقابة والتدقيق على اعماله. فاعتماد طرق التعيين من دون اجراء مباراة يعرّض الخدمة العامة الى خطر المحسوبية والوساطة، مروراً بالتعطيل شبه الكامل لعمل الادارة، وانتهاء بعدم تعيين الناجحين في مباراة رؤساء المصالح التي اجراها مجلس الخدمة المدنية والتي صدرت نتائجها بتاريخ 30/10/2014، في الوقت الذي يكتفي ديوان المحاسبة بالرقابة المؤخرة عليه وعدم خضوعه لرقابة التفتيش المركزي وفقاً لاحكام قانون الضمان، ليصبح الصندوق كأنه في جزيرة مستقلة عن رقابة الدولة وغير خاضع لسيطرتها.