IMLebanon

عروض «المجتمع الدولي» للبنان: القروض مقابل اللاجئين

bankimon-jimyongkim
في منتصف نيسان الجاري، دُعي الوزير الياس بو صعب والنائبان ياسين جابر وابراهيم كنعان للمشاركة في مؤتمر«التحديات المالية والإقتصادية في منطقة الشرق الأوسط» في واشنطن. هناك تلقى لبنان عرضاً من مجموعة البنك الدولي لإقراضه مبالغ مالية بلا فوائد، في سياق دعم الدول المضيفة للاجئين السوريين… هذا العرض يجري استخدامه حاليا لتسعير الخلاف حول عقد جلسات «تشريع الضرورة»!

محمد وهبة

مع ارتفاع وتيرة اللجوء السورية وسعي اللاجئين للوصول إلى دول أوروبا، اصبحت الدول المستقبلة للنازحين، مثل لبنان والأردن، مقصداً لما يُعرف بالمؤسسات والدول المانحة. الهدف كما بات معروفاً، هو وقف تدفق اللاجئين السوريين إلى الدول الأوروبية من خلال عرض قروض بفائدة صفر لدول الجوار السوري، تمكّنها من استيعاب اللاجئين وتمديد فترة إقامتهم لديها أطول وقت ممكن.

تستعر الخلافات في لبنان على تفسير الأهداف الكامنة وراء هذا العرض. فالتيار الوطني الحرّ يرى أن أي قروض، سواء كانت مع فوائد او من دونها، تهدف إلى توطين السوريين في لبنان. وصعّد التيار موقفه ابان زيارة الأمين العام للامم المتحدة بان كي مون ورئيس البنك الدولي جيم يونغ كيم إلى لبنان في نهاية آذار الماضي، إذ رفض وزير الخارجية جبران باسيل استقبالهما بذريعة رفض مشروع التوطين.
في المقابل، هناك فريق سياسي، يتمثّل برئيس مجلس النواب نبيه برّي، يرى أنه لا يجوز إضاعة فرصة الحصول على هذه القروض، ويضغط من اجل عقد جلسات للمجلس النيابي تحت عنوان «تشريع الضرورة» بذريعة اقرار الاتفاقيات مع الجهات المقرضة للاستفادة منها. وقد طُرح هذا الأمر على جلسة الحوار التي عقدت أخيراً، وتحدّث النائب وليد جنبلاط في برنامج «كلام الناس» بالمنطق نفسه.
جاء علاض القروض من دون فائدة في مؤتمر «التحديات المالية والإقتصادية في منطقة الشرق الأوسط»، الذي نظّمته مجموعة البنك الدولي مع شركاء آخرين لها أبرزهم الأمم المتحدة والبنك الاسلامي للتنمية. المنظّمون خصصوا يوماً كاملاً من المؤتمر بعنوان «يوم المشرق» ودعوا النائب ياسين جابر (كتلة نواب حركة أمل) بصفته عضواً في منظمة برلمانيي البنك الدولي، ودعوا أيضاً النائب ابراهيم كنعان (كتلة التيار الوطني الحر) بصفته رئيساً للجنة المال والموازنة النيابية، ودعوا أيضاً ممثل التيار الوطني الحر في الحكومة وزير التربية والتعليم العالي الياس بو صعب للمشاركة في عدد من جلسات المؤتمر الذي خصص قسماً مهماً منه لموضوع التعليم وتمويله، علماً أن البنك الدولي كان قد وافق على إعطاء قرض ينفق على قطاع التعليم بفائدة صفر بقيمة 100 مليون دولار.
جابر وكنعان وبو صعب اطلعوا على الاقتراحات التمويلية التي تقدمها الأمم المتحدة ومجموعة البنك الإسلامي للتنمية ومجموعة البنك الدولي. وكان هناك مبادرتان اساسيتان؛ الأولى بعنوان «برنامج تسهيلات التمويل الميسّر»، والثانية بعنوان «برنامج التسهيلات الضمانية». خلاصة المبادرتين، أن «اللاجئين السوريين يمثّلون 25% من مجموع السكان في لبنان و15% من مجموع السكان في الأردن، فيما تمثّل أزمة اللاجئين صدمة اجتماعية واقتصادية كبيرة للبلدان المضيفة التي تقدّم منفعة عالمية عامة. هذه البلدان توفّر حيزاً مكانياً للجوء وتقدم خدمات عاملة لهؤلاء الأشخاص المعرضين للمعاناة في مجالات بينها التعليم والرعاية الصحية والإمداد بالمياه وإدارة النفايات». تدرك هذه المنظمات الدولية أن كلفة اللجوء كانت كبيرة، اذ تقدّر «خسائر الناتج المحلي الإجمالي في الفترة الممتدة بين عامي 2011 -2014 من جراء الصراع السوري وتمدد تنظيم داعش في بلدان شرق المتوسط (سوريا، العراق، الأردن، لبنان، مصر، تركيا) بنحو 35 مليار دولار». كذلك تشير هذه المنظمات إلى لبنان لجأ مثل باقي الدول إلى أسواق راس المال لتمويل حاجاته، إذ أصدر سندات سيادية (يوروبوندز) بقيمة 3.8 مليارات دولار… وبالتالي «يتحتّم على المجتمع الدولي التحرّك الآن لمساندة البلدان في المنطقة».

يقول جابر لـ«الأخبار»، إن العروض المتداولة تتضمن منح لبنان قروضاً بقيمة 5 مليارات دولار. ويشير الى ان «الفشل في الحصول على هبات بهذا المبلغ دفع البنك الدولي إلى البحث عن طريقة أخرى للتمويل، فهناك إمكانية لجمع مبلغ مليار دولار والإقتراض بناء على ضمانة هذا المبلغ بفائدة صفر في المئة وعلى فترات طويلة مع فترات سماح أيضاً. أي إن المبلغ الأساسي يموّل كلفة الاقتراض. وعلى ان تستعمل هذه المبالغ في مشاريع البنى التحتية. ما هو مطروح يتضمن أيضاً الحصول على ضمانات للقروض بتصنيف AAA مقابل الحصول على قروض من المصارف العالمية والمحلية لتمول مشاريع يكون تنفيذها بإشراف مباشر من البنك الدولي».
في المقابل، ينفي كنعان في حديثه مع «الاخبار» ان تكون القروض المخصصة للبنان تبلغ 5 مليارات دولار. يقول إن «مبلغ الـ5 مليارات دولار مخصص لكل الدول المجاورة، علماً أن مبلغ مليار دولار من اصل هذا المبلغ سيستعمل كصندوق لإصدار ضمانات الإقراض». ويوضح كنعان ان المداولات التي جرت مع المعنيين تظهر ان «القروض المعروضة على لبنان هي أقل من ملياري دولار».
كنعان تحدث أيضاً عن نقاش مختلف مع ممثلي المنظمات والجهات المانحة: «لقد كنا واضحين من أن القرض هو دين يتحمل أعباءه لبنان بسبب أزمة لم يفتعلها ولم يكن السبب فيها، لذلك طلبنا أن تكون المبالغ على شكل هبات وألا تكون مشروطة ببقاء النازحين، وطلبنا التوقف عن استعمال كلمة لاجئ سوري، لأن شروط وتبعات اللجوء بتعريفه الدولي لا تنطبق على النازحين السوريين. كذلك أوضحنا أن يكون التعامل مع النازحين على أساس سقف زمني قصير، أي ألا يزيد عن سنة أو 18 شهراً، وأن تكون المبالغ مشروطة بمشاريع تحددها الحكومة اللبنانية…».
المعلومات المتضاربة عن المبالغ تكرّس وجهات نظر مختلفة أيضاً بشأن قصّة الدعوة إلى جلسة «تشريع الضرورة». مصادر كتلة بري تقول إن «التيار الوطني الحرّ يتلطّى وراء شعار رفض التوطين ويوظّف هذا الامر في سياق الضغط لانتخاب العمال ميشال عون رئيساً للجمهورية، ولذلك هو يهرب من موضوع جلسة التشريع حتى لا ينزل إلى المجلس النيابي، لكن لا يعقل أن يبقى البلد بلا تشريع وأن يصل الوقت إلى العقد العادي لمجلس النواب من دون ممارسة الوظيفة التشريعية للمجلس التي على أساسها يمكن الاستفادة من المبالغ التي ترصدها المنظمات الدولية للبنان».
في المقابل، تقول مصادر تكتل التغيير والإصلاح، إن «ما عُرض على التيار خلال جلسة الحوار الوطني عن جلسات تشريع الضرورة لم يتضمن أبداً أي مشروع قانون يتعلق بقروض البنك الدولي التي يسوّق لها الرئيس نبيه بري. عُرض علينا مجموعة من مشاريع القوانين أبرزها اتفاقيات تجارية بين لبنان والكويت وبين لبنان والصين، وقانون الإيجارات… لكن لم يعرض أي مشروع قانون عن قروض البنك الدولي. وأكثر من ذلك، إن ممثلنا في المؤتمر النائب كنعان، أبدى موقفاً واضحاً أن لبنان ليس للبيع بالقروض، يمكن أن نقبل هبات من المجتمع الدولي المسؤول عن الأزمة وتداعياتها، والهبات تقرّ بمراسيم في مجلس الوزراء».

كل دولار بثلاثة دولارات

أفردت مبادرة الأمم المتحدة ومجموعة البنك الدولي ومجموعة البنك الإسلامي للتنمية مساحة لتسويق منافع «تسهيلات التمويل الميسّر». هذا البرنامج يتيح لبلدان المنطقة امكانية الحصول على قدر أكبر من التمويل بشروط ميسّرة من أجل تلبية احتياجاتها طويلة الامد ومنع زيادة أعباء ديونها في المدى القصير. ونظراً لضخامة حجم الاحتياجات وندرة موارد المنح، سيمكّن النهج المقترح بنوك التنمية متعددة الاطراف من زيادة تمويلها الميسّر بما يراوح من 3 الى 4 اضعاف، ويمكن للبلدان المساندة أن تسهم في تحديد شكل تخصيص الاموال، والاستفادة من المنح لإحداث خفض كبير عن سعر الفائدة الفعلي على القروض التقليدية. فعلى سبيل المثال، من شأن دولار واحد من المنح أن يعبئ نحو ثلاثة دولارات من القروض المقدمة من البنك الدولي للانشاء والتعمير بشروط مماثلة لشروط الاقتراض الميسرة من المؤسسة الدولية للتنمية.