كتبت رولا حداد:
نظرياً، يُفترض أن تشكل الانتخابات البلدية في لبنان فُسحة ديمقراطية، تساعد في تأمين الإنماء المناطقي، وتكبير دور السلطات المحلية في كل مدينة وبلدة وقرية، في ظل الإصرار على عدم تطبيق “اتفاق الطائف”، وخصوصا في موضوع اللامركزية الإدارية الموسعة.
كان يُفترض أن يُشكل إجراء الانتخابات البلدية، إن لم يتم إرجاؤها، وبشكل مناهض ومعاكس لمسار إلغاء الحياة الديمقراطية في لبنان، سواء عبر التمديد مرتين لمجلس النواب أو عبر عدم انتخاب رئيس جديد للجمهورية منذ سنتين، أن تشكل بارقة أمل وسط رتابة الحياة السياسية والقلق على النظام الديمقراطي.
لكن الأكثرية الشعبية في لبنان تُصرّ على أن تجعل من عرس الانتخابات البلدية والاختيارية، مأساة ونقطة سوداء في منطق تقدّم لبنان وتطوره ديمقراطياً!
فعند اقتراب الانتخابات البلدية تشرئبّ العصبيات العائلية والعشائرية، بعيداً عن أي منطق إنمائي أو حتى سياسي. وتغيب معايير الكفاءة لمصلحة الولاءات العائلية، على حساب مصلحة القرية أو البلدة أو المدينة.
لا يهمّ أي مشروع إنمائي، بل المطلوب إشهار الانتماء العائلي، ومنطق “عيلتنا أكبر من عيلتهم”! لا يهمّ منطق المحاسبة على السنوات الستة السابقة، بل المطلوب تحقيق “نصر عائلي” أياً يكن الثمن وحماية لـ”شرف العائلة”!
والإشكالية هنا، ومن خلال كل التجارب السابقة، وأهمها التجربة الأخيرة في الـ2010، أن أي “انتصار عائلي” يتحقق في الانتخابات البلدية، بمعنى تحالف عائلات ضد عائلات أخرى، لا يدوم لأكثر من أسبوع، قبل أن يعود المجلس البلدي ليتضعضع ويتشرذم في غياب المشاريع الإنمائية الجامعة. يكفي للدلالة على ما نقول أن نحصي عدد المجالس البلدية في لبنان الفائزة في انتخابات الـ2010، والتي انفرط عقدها بعيد الانتخابات!
وها نحن اليوم في الـ2016 نسعى بقوة لتكرار التجارب السابقة. فجأة تصحو الروابط العائلية من ثباتها العميق. وفجأة تنتعش العصبيات العائلية والعشائرية والقبلية لتحيا على المواجهات في البلدات والقرى والمدن. لا يهمّ إن كان أفراد العائلة لا يجتمعون لا على موقف وطني أو سياسي أو حزبي أو اقتصادي أو حتى اجتماعي. المهم أنهم ينتمون الى عائلة واحدة أو فلنقل “قبيلة واحدة”!
متى نستفيق كلبنانيين من “كوما” التخلف هذه؟ متى نصحو على واقع أن مصلحة الوطن، ومصلحة إنماء مدننا وبلداتنا أهم وأقدس من منطق الانتماء العائلي السخيف؟! متى نعي أنه حين تكون مدينتنا وبلدتنا بخير وتشهد إنماء حقيقياً، عندها تكون عائلتنا بخير؟
في الـ2016 نكرر التجربة، ويبدو أن اللبنانيين مصرّون على أن يعودوا لمناسبة الانتخابات البلدية الى العصر الحجري، أو فلنقل الى العصر الجاهلي، حيث الجهل العائلي يتفوّق على أي مصلحة عامة… وكل انتخابات بلدية واختيارية وأنتم بألف خير!